بينما تتسابق دول أوروبا لتحصين سكانها ضد فيروس كورونا والتغلب على سلالة دلتا شديدة العدوى، تواجه الجهود المبذولة لتطعيم سكان القارة تأخراً ملموساً في تطعيم قطاع من سكانها المهاجرين غير الشرعيين.
إذ قالت صحيفة The Washington Post الأمريكية إن ما يقدر بنحو 4.8 مليون مهاجر غير مصرح بإقامتهم يعيشون في 32 دولة أوروبية منذ عام 2017، وفقاً لمركز "بيو" للأبحاث وتشير الدراسات إلى أن هذه الشريحة هي الأكثر عرضة للإصابة بفيروس كورونا بين سكان أوروبا عموماً.
مع ذلك فإن عديداً من دول القارة استبعدت هذه الشريحة من حملات التطعيم، سواء على مستوى سياسات التطعيم المخطط لها أو على مستوى الممارسة العملية، وقد تسبب الشعور العميق بانعدام الثقة بين بعض السكان المهاجرين تجاه السلطات في مزيد من التعقيدات أمام حملات تطعيم كان مخططاً لها أن تكون أكثر استيعاباً للمهاجرين.
حملة تطعيم في أوروبا
تلقى نحو 64% من السكان البالغين في أوروبا جرعةً واحدة على الأقل من اللقاح، ونحو 44% من السكان تلقوا جرعات التطعيم بالكامل في جميع أنحاء البلدان الأوروبية التي شملها الاستطلاع الذي أجراه "المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض والوقاية منها" (ECDC)، ومع ذلك فإن سلالة دلتا كورونا التي ما انفكت تجتاح القارة زادت من الحاجة الملحة إلى تطعيم بقية السكان.
على خلاف ذلك، فإن المهاجرين غير المسجلين في الولايات المتحدة لهم حق الحصول على التطعيم، وقالت الحكومة الفيدرالية إنها لن تجري عمليات إنفاذٍ لقوانين الهجرة في محيط مراكز التطعيم.
في مارس/آذار، أصدر الاتحاد الأوروبي نشرة إرشادات تدعو الدول الأعضاء إلى إدراج جميع المهاجرين في برامج التطعيم ضد فيروس كورونا، بصرف النظر عن وضعهم القانوني، ومع ذلك، تتباين سياسات وإجراءات التطعيم تبايناً واسع النطاق في جميع أنحاء أوروبا، وقد وجد تقريرٌ نشره المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض والوقاية منها الشهرَ الماضي أن معدلات التطعيم المتدنية لا تزال قائمة بين بعض مجموعات المهاجرين.
ألينا سميث، مسؤولة حشد الدعم في منصة التعاون الدولي بشأن المهاجرين غير الشرعيين (PICUM) قالت: "إن امتثال سلطات الصحة العامة لإلزامية [تطعيم المهاجرين] ستبقى محلاً للجدل لفترة. لكنها مشكلة تتعلق بنقص البيانات الخاصة بالمهاجرين في بعض البلدان".
أبرزَت المشقة من أجل تطعيم هؤلاء السكان "غير المرئيين" التفاوتات القائمة في منظومة الرعاية الصحية، فيما يقول خبراء الصحة العامة إنها قد تكون العائق أمام خطط العودة إلى الحياة الطبيعية في قارة تتوق للتخلص من قيود فيروس كورونا.
أشارت بينيديتا أرموسيدا، وهي طالبة دكتوراه في دراسات الصحة العالمية بجامعة جنيف، إلى "أهمية التعامل مع قضية تطعيم المهاجرين ومعالجتها؛ لأنهم فئة ذات أولوية، وهي مجموعة أكثر هشاشة من غيرها بسبب عوامل الخطر لديهم، وظروف معيشتهم وعملهم".
ومع ذلك، تلفت سالي هارغريفز، خبيرة الصحة المعنية بالمهاجرين والمؤلفة الرئيسية لتقرير مركز مكافحة الأمراض الأوروبي، إلى أن المشكلة تعود بالفعل إلى ما قبل الوباء، إذ لطالما واجه المهاجرون غير الشرعيين عوائق عديدة أمام الحصول على الرعاية الصحية في عديدٍ من البلدان الأوروبية.
ففي الماضي، سبق أن فرضت دول، منها المملكة المتحدة، رسوماً على المهاجرين مقابل الخدمات الصحية التي يحصل عليها المواطنون مجاناً ورفضت دول أخرى تقديمَ الرعاية الصحية لأولئك الذين ليس لديهم وثائق. وفي بعض الأماكن، أبلغت السلطات الصحية هيئات إنفاذ قوانين الهجرة عن المعلومات الخاصة بالمهاجرين.
ويقول خبراء الصحة العامة إن المخاوف من الترحيل أو دفع فواتير طبية باهظة منعت بعض المهاجرين غير الشرعيين من البحث عن علاج للأمراض المزمنة التي تجعلهم أكثر عرضة لخطر الإصابة بمضاعفات فيروس كورونا. كما أبعدت المخاوف ذاتها بعض المهاجرين عن مواقع التطعيم.
دراسة المركز الأوروبي لمكافحة الأمراض والوقاية منها وجدت أنه حتى في البلدان التي حاولت تضمين المهاجرين غير المسجلين، فإن الحواجز اللغوية والمعلومات المضللة قد تساهم في إحجام السكان المهاجرين عن التطعيم. وقالت سالي هارغريفز إن حتى أولئك الذين يرغبون في الحصول على التطعيم، قد تمنعهم عنه ساعات العمل الطويلة أو صعوبات السفر إلى مراكز تلقي التطعيم.
تحركات لحل مشكلة المهاجرين
من جهة أخرى، أخذت بعض المنظمات غير الحكومية والبلديات زمام المبادرة لمعالجة هذه المخاوف، ففي المملكة المتحدة، على سبيل المثال، أجرى أطباء من جميع أنحاء العالم جلسات إعلامية في جميع أنحاء لندن- وبدعم من الحكومة- يعملون على ترجمة المصادر والنشرات حول اللقاح إلى ما يقرب من اثنتي عشرة لغة. وفي إيطاليا، نظمت السلطات الصحية في روما حملات تطعيم ليلية في وقت سابق من هذا الشهر لـ"الأشخاص الذين هم على هامش المجتمع"، حسبما أوردت صحيفة The New York Times الأمريكية.
ومع ذلك، فإن الجماعات الحقوقية تطالب الاتحاد الأوروبي بأن يضطلع بدور أنشط في تنسيق جهود الدول الأعضاء للوصول إلى الفئات المهمشة. كما طلبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" من الحكومات إسقاط متطلبات التوثيق لتسجيل اللقاحات، وفرض جدران صارمة لحماية المعلومات من التداول بين هيئات الصحة العامة ووكالات إنفاذ قوانين الهجرة.
يقول خبراء الصحة العامة إن الوباء كشف عن خطر فادح بإقصاء المهاجرين غير الشرعيين عن الخدمات الصحية، وسلط الضوء على الحاجة إلى وصول أوسع نطاقاً إليهم في المستقبل.
وقالت سالي هارغريفز: "من الآن فصاعداً، يجب ألا يكون مقبولاً في البلدان ذات الدخل المرتفع أن يعيش عشرات الآلاف من الأشخاص خارج أنظمة الصحة والحصول على اللقاحات. فالحقيقة هي أننا جميعاً نواجه تلك الأزمة معاً، أليس كذلك؟".