سابقة تاريخية سجلها مجلس النواب في المغرب (الغرفة الثانية)، إذ فوجئ رئيس الحكومة سعد الدين العثماني بمقاطعة وزراء أحزاب الأغلبية في المغرب لعرض تقديم حصيلة الحكومة، يوم الثلاثاء 6 تموز/يوليو 2021.
وجاءت مقاطعة أحزاب الأغلبية في المغرب لجلسة عرض الحصيلة الحكومية، وتدخل في إطار الصراع الانتخابي، ورفض الأحزاب المشاركة في الحكومة منح حزب العدالة والتنمية أي أفضلية انتخابية عليهم، ولو من خلال قيام رئيس الحكومة والحزب بعرض حصيلة أعمال الوزراء الحزبيين.
ويقضي الفصل 101 من الدستور بـ"عرض رئيس الحكومة أمام البرلمان الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة، إما بمبادرة منه، أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب، أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين".
المقاطعة.. سابقة تاريخية
على غير العادة، قررت ثلاثة أحزاب مشكلة للأغلبية الحكومية، وهي التجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الاشتراكي، والاتحاد الدستوري، جلسة العثماني المخصصة لعرض حصيلة 5 سنوات من عمل الحكومة، وفق مقتضيات الدستور.
وكان لافتاً خلال جلسة عرض الحصيلة الحكومية التي كانت منقولة على قنوات التلفزيون العمومي، حضور وزراء حزبي الحركة الشعبية والعدالة والتنمية، فيما اختفى وزراء أحزاب التجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الاشتراكي، والاتحاد الدستوري.
وتضم الحكومة الحالية 23 وزيراً بعد التعديل الحكومي الموسع، الذي تم إقراره في أكتوبر/تشرين الأول 2019، وأصبحت تضم 5 أحزاب عوض 6، بعد خروج حزب التقدم والاشتراكية منها.
وعلم "عربي بوست" أن "مصالح رئاسة الحكومة تواصلت مع جميع وزراء الحكومة، وأخبرتهم فور توصلها لقرار مجلسي البرلمان تحديد موعد جلسة عرض الحصيلة الحكومية، بالموعد المقرر لعرض تلك الحصيلة".
وزادت المصادر، التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن "الوزراء وافقوا على الحضور إلى الجلسة، دون أي اعتذار، ودون تسجيل أي ملاحظة من قبل جميع الوزراء".
وأضافت المصادر ذاتها أن "رئيس الحكومة قام بنفسه بالتواصل مع الوزراء لإخبارهم بموعد الجلسة، وأكد جميع الوزراء حضورهم في الجلسة، بما فيهم الوزير النافذ، ورئيس حزب التجمع للأحرار، عزيز أخنوش، الذي أكد بدوره الحضور في الجلسة".
وسجلت المصادر أن رئيس الحكومة تفاجأ من غياب وزراء الأحزاب الثلاثة للجلسة، مستبعداً في الوقت نفسه "وجود أي قرار من قبلهم لمقاطعة الجلسة".
وتعد هذه المقاطعة سابقة تشريعية في تاريخ المغرب، إذ إنها المرة الأولى التي تقاطع فيها أحزابٌ مشارِكةٌ في الحكومة عرضَ رئيس الحكومة حصيلة القطاعات الوزارية، بما فيها تلك القطاعات التي أشرفت عليها أحزابها.
تعقيبات معارضة
وعلى النقيض من هذه اللغة الدبلوماسية، علم "عربي بوست" أن "الأحزاب الثلاثة التي قاطعت جلسة رئيس الحكومة تستعد للرد عليه في الجلسة المقررة يوم غدٍ الإثنين 12 يوليو/تموز 2021، بمجلس النواب، وبعد يومين من ذلك بمجلس المستشارين يوم 14 يوليو/تموز 2021.
وسجلت المصادر ذاتها، أن حزب التجمع الوطني للأحرار، أسند مهمة التعقيب على رئيس الحكومة والرد على الحصيلة، إلى مصطفى بايتاس، مدير مركزي للحزب وبرلماني.
وأوضحت المصادر ذاتها أن بايتاس سيتحدث باسم حزبي التجمع الوطني للأحرار، والاتحاد الدستوري، على اعتبار أن الحزبين معاً قررا تشكيل فريق برلماني واحد خلال الولاية التشريعية الحالية.
وكشفت المصادر ذاتها، أن الفريق البرلماني تلقى ضوءاً أخضر من قيادة الحزب للرد على عرض رئيس الحكومة، وأن قيادة الحزب قررت الاتجاه إلى كشف نقاط ضعف الأداء الحكومي، خاصة أداء وزراء العدالة والتنمية، بما فيها رئيس الحكومة سعد الدين العثماني.
وتابعت المصادر ذاتها أن الأمر لن يتوقف على التجمع الوطني للأحرار، بل إن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، كلف رئيسه شقران إمام، بالرد على رئيس الحكومة، وأن التعقيب بدوره سيكون ذا طبيعة هجومية على الحكومة ورئيسها.
واعتبرت المصادر ذاتها أن الردود تظل حقاً طبيعياً للأحزاب، لأنها رغم مشاركتها في الحكومة فإن لها ملاحظات على أداء رئيس الحكومة والوزراء، وهذا حقٌّ يكفله القانون والدستور.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن "انتقاد أداء الوزراء داخل المؤسسة التشريعية هو الأصل والطبيعة، ولهذا أساساً وجدت المؤسسات، ومن بينها البرلمان، ونحن نقوم بعملنا داخل المؤسسات، بخلاف حزب رئيس الحكومة الذي يتهجم على وزرائنا خارج المؤسسات، ويستغل لقاءاته ليحولوها إلى منصات للهجوم على حزبنا وقياداته".
وكانت قيادات العدالة والتنمية قد ركزت خلال مهرجاناتها الخطابية على هامش حملة شبيبة الحزب للتسجيل في الانتخابات، على توجيه الانتقاد على وزراء حزب التجمع الوطني للأحرار، مع التركيز على رئيس الحزب عزيز أخنوش.
انهيار الأغلبية في المغرب
مقاطعة وزراء الحكومة جلسة تقديم سعد الدين العثماني رئيس الحكومة للحصيلة الحكومية كرست انهيار الأغلبية في المغرب، التي ظهرت للعلن بشكل واضح أثناء تصويت أحزاب الأغلبية على القوانين الانتخابية، وعلى رأسها قانون القاسم الانتخابي، ضد موقف حزب رئيس الحكومة، حزب العدالة والتنمية.
وكانت أحزاب الأغلبية في المغرب قد فشلت في تقديم تعديلات موحدة للقوانين الانتخابية، وذلك بسبب اختلاف وجهات نظرها حول القاسم الانتخابي، إذ تعتبر أحزاب الأغلبية أنه فرصتها لإضعاف حظوظ العدالة والتنمية للفوز بالانتخابات، ويراها الحزب جزء من محاصرته والتضييق القانون عليه.
التباين أيضا ظهر في موضوع تقنين الكيف، إذ صوتت أحزاب الأغلبية الأغلبية في المغرب لصالح القانون، فيما صوت حزب العدالة والتنمية ضده، بالرغم من وزراء الحزب لم يعترضوا عليه.
بعد هذه التطورات، قام رئيس الحكومة بمحاولة عقد لقاءات مع أحزاب الأغلبية في المغرب، قبل أن يعدل عنها، ويعقد لقاء بين قيادات حزبه وقيادات حزب الحركة الشعبية.
ونجح رئيس الحكومة في كسر طوق العزلة الذي حاولت أحزاب الأغلبية في المغرب فرضه عليه، إذ تمكن من ضمان حضور وزراء الحركة الشعبية في جلسة عرض الحصيلة الحكومية، حيث حضرت، وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة، نزهة بوشارب، ووزير التربية الوطنية، سعيد أمزازي.