آخرها اشتباك بالأيدي بين الجيشين.. الهند والصين و”النزاعات الحدودية المزمنة”

عربي بوست
تم النشر: 2021/07/11 الساعة 10:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/11 الساعة 10:30 بتوقيت غرينتش
قوات الصين والهند تتقاتل بالعصي عند حدود البلدين - مواقع التواصل

شهدت فترة ما بعد الحرب الباردة صراعات وحروباً من نوع جديد لم يشهدها المجتمع الدولي من قبل، فانتقلنا من مرحلة الحروب التقليدية بين الدول إلى الحروب داخل الدول ومن الحرب المباشرة إلى حروب جديدة بالوكالة، ما استدعى تسليط الضوء على الدراسات الأكاديمية التي اهتمت بالنزاعات بمختلف أنواعها وتأثيرها على العلاقات الدولية والأمن والسلم الدوليين، وأصبحت كيفية حل النزاعات وتعزيز التعاون موضوعاً رئيسياً.

وتعد النزاعات الحدودية من أبرز أنواع النزاعات وأكثرها انتشاراً في العالم، حيث لا تزال الكثير من الدول تتصارع من أجل ترسيم حدود جديدة أو من أجل دمج رقعة جغرافية ما لإقليمها.

والنزاع الهندي-الصيني من أهم وأشهر النزاعات الحدودية في التاريخ، فالهند والصين تشتركان في حدود تمتد على مسافة 3440 كيلومتراً، وبينها مناطق تتداخل في ادعاء كل دولة السيادة عليها.

لماذا يعد النزاع الحدودي بين الجانبين نزاعاً مزمناً؟

إن الظواهر في العلاقات الدولية حيوية ومتحركة بسبب ارتباطها بالإنسان بشكل مباشر، وكثيراً ما أسقَطَ المفكرون الدراسات العلمية البيولوجية على الظواهر السياسية، حيث وصف المفكر الألماني فريدريك راتزل الدولةَ بالكائن الحي القادر على التمدد والتوسع حسب الاحتياجات، فكلما كبرت احتياجات الدولة حق لها أن تلتهم جيرانها لتواصل نموها.

وانطلاقاً من الاستعانة بالعلوم الطبيعية لتحليل الظواهر السياسية أو العلاقات الدولية يمكننا إسقاط مفهوم المرض المزمن على العلاقات بين الدول المتصارعة، وهو ذلك المرض طويل الأمد أو المتكرر، ويصف مصطلح "مزمن" مسار المرض، أو معدل الاٍصابة والتطور.

فعندما نقول النزاعات الدولية المزمنة فهي تلك الخلافات بين الأطراف من حيث الرؤى والأهداف والاستراتيجيات التي تمتد لفترات طويلة مع غياب بوادر الحل ووجود مواجهات متكررة تتراوح ما بين التصعيد في فترات والهدوء في فترات أخرى.

أول من استخدم مصطلح "المزمن" في دراسات النزاعات الدولية هو إدوارد أزار الذي عرف النزاع الاجتماعي المزمن أنه نوع من الصراعات التي ظهرت بعد الحرب الباردة، ولا تكون بسبب الأزمات التقليدية كالحدود والموارد الاقتصادية، بل تدور حول مسائل الهوية والحاجات الإنسانية.

لهذا يعتبر مفهوم النزاع الاجتماعي المزمن عكس النزاعات الحدودية المزمنة التي تتسم بالطابع التقليدي، كما هو الحال في النزاع الحدودي بين الصين والهند؛ حيث يعتبر نزاعاً تاريخياً يعود إلى ما يقرب من سبعة عقود مع تكرار المواجهات وغياب الحل ورفض كل المقترحات المطروحة للتسوية.

وقد فشلت العديد من جولات المفاوضات بين البلدين على مدى العقود الثلاثة الماضية في حل ذلك النزاع، ومنذ الخمسينيات، رفضت الصين الاعتراف بترسيم الحدود خلال مرحلة الاستعمار البريطاني. وقاد ذلك في عام 1962 إلى حرب كبيرة بين البلدين انتهت بهزيمة قاسية للجيش الهندي، ومنذ حرب 1962 ظلت الحدود غير محددة في منطقة لاداخ المتنازع عليها.

وتقول الهند إن الصين تحتل مساحة 38 ألف كيلومتر من أراضيها وتتنافس الدولتان أيضاً على بناء البنية التحتية على طول الحدود، والتي تُعرف باسم "خط السيطرة الفعلية". وتعتبر المواجهة التي وقعت في يونيو 2020 أحدث المواجهات بين الجانبين، وقُتل فيها 20 هندياً وعدد مجهول من الجنود الصينيين.

وكانت بداية التصعيد في مايو/أيار 2020، حين نقلت الصين جنودها بمناورة تدريبية إلى لاداخ، وأخذت الجيش الهندي على حين غرة في وسط الجائحة. وحدث صدام عنيف لم تُطلق فيه رصاصة واحدة. بل استعمل الجنود على الجبهة العصي والهراوات والحجارة لإحداث الإصابات والتسبب في مقتل الجنود من الطرف الآخر.

بوادر حل النزاع المزمن:

جاء الاتفاق بين الصين والهند على الانسحاب من المناطق المتنازع عليها بغية تخفيف التوتر على الحدود بعد المواجهات الأخيرة العنيفة وجاء هذا الاتفاق في 10 فبراير/نيسان 2021.

وأبرم البلدان الاتفاق مباشرة دون وساطات أممية أو دولية، انسحبت القوات الهندية والصينية من منطقة بحيرة بانغونغ المتنازع عليها بين البلدين، حيث أعلن بيان مشترك أصدرته وزارة الدفاع الهندية أن البلدين أكملا سحب القوات من جزء من حدودهما المتنازع عليها في جبال الهيمالايا، وسيعملان على حل القضايا المتبقية.

على الرغم من أن هذا الاتفاق قد فاجأ المجتمع الدولي بشكل كبير ولكن اعتبره الكثير من المحللين خطوة إيجابية لبداية حل الأزمة الحدودية المزمنة، خاصة وأن كلاً من الصين والهند لديهما قضايا أهم حالياً على المستوى الاقتصادي والتنموي، وتعتبر المنافسة على المكانة الإقليمية بينهما أهم من المنافسة الحدودية الضيقة.

المراجع

سواميناثان ناتاراجان/ اشتباكات الصين والهند: ما الذي يقف وراء المواجهة العسكرية / شبكة bbc / 17 يونيو2020

لمن الغلبة للصين أم الهند؟ تفاصيل انسحاب البلدين من المناطق المتنازع عليه / عربي بوست / 2021/02/22

Cate Malek / International Conflict / beyondin tractability/  May 2013  https://www.beyondintractability.org/coreknowledge/international-conflict

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

شروق مستور
كاتبة وباحثة جزائرية
طالبة جزائرية بكلية العلوم السياسية ومتخصصة في العلاقات الدولية
تحميل المزيد