حملت الحكومة الجديدة في الجزائر، مفاجأة من العيار الثقيل تمثلت في تعيين رمطان لعمامرة الرجل القوي في فترة حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة، وذلك في منصبه كوزير للخارجية.
وكان لعمامرة من بين الشخصيات التي قادت مساعي حثيثة لإنقاذ حكم بوتفليقة من خلال جولاته الخارجية، في كل من الصين، وألمانيا، وروسيا، بعد اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير 2019.
وكان لعمامرة قد لقي هجوماً شرساً وقتها من طرف بعض الأحزاب السياسية ونشطاء الحراك الشعبي، الذي رفض عهدة رئاسية جديدة لبوتفليقة، وتمديد فترة حكمه، وهو ما عجَّل بتنحي بوتفليقة، التي تبعها انسحاب لعمامرة من منصب نائب الوزير الأول.
الناطق باسم حزب التيار الوطني الجديد، تحت التأسيس، وأحد أبرز ناشطي الحراك الشعبي، إسلام بن عطية، قال لـ"عربي بوست" إن "عودة لعمامرة وهو المرتبط بلوبيات دولية معروفة، يعطي انطباعاً بأن النظام الجزائري الذي يعاني أزمة الشرعية والمشروعية بعد فشل كل الاستحقاقات الانتخابية يريد تعويضها عبر الاستقواء بالخارج، وترتيب أوراقه مع العواصم الكبرى في العالم، وهذا باستعمال شبكة العلاقات التي يتمتع بها لعمامرة".
أما المحلل السياسي توفيق بوقعدة فيعتقد أن "عودة لعمامرة لا تخضع للمنطق السياسي، وإنما لتوازنات عصب النظام".
واستغرب بوقعدة في تصريح لـ"لعربي بوست" عودة لعمامرة لمنصب وزير الخارجية، لا سيما وأن "الرئيس تبون نفسه، كان قد انتقد السياسة الخارجية الجزائرية في السنوات الماضية وهي الفترة التي كان لعمامرة يتولى فيها المنصب".
من هو لعمامرة؟
تخرّج رمطان لعمامرة (70 عاماً) من المدرسة الوطنية للإدارة التي يعيّن معظم خريجيها في المناصب السامية بالدولة.
وتقلّد لعمامرة عدة مناصب دبلوماسية رفيعة، أبرزها سفيراً للجزائر بإثيوبيا من 1989 إلى 1991، ثم ممثل الجزائر الدائم بالأمم المتحدة من 1993 إلى 1996، ثم سفيراً لدى واشنطن إلى 1999.
وبعدها انتقل لعمامرة للعمل في المؤسسات الدولية؛ إذ اختير كمبعوث أممي إلى ليبيريا من 2003 إلى 2007.
ثم عيّن على رأس مجلس السلم والأمن الإفريقي سنة 2008، ليتركه سنة 2013 ويلتحق بحكومة الوزير الأول عبد المالك سلال، كوزيرٍ للخارجية إلى غاية 2017.
وعاد بوتفليقة ليعينه وزيراً للدولة مستشاراً خاصاً في الشؤون الدبلوماسية سنة 2019، ثم نائباً للوزير الأول بعدها بشهر، ليستقيل بعد رحيل بوتفليقة شهر مارس 2019.
وفي سنة 2020 اقترح الأمين العام للأمم المتحدة اسمه ليكون مبعوثاً أممياً لليبيا، لكن الولايات المتحدة رفضته بحجة أنه صديق لروسيا.
وفي 2020 أعلن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام انضمام لعمامرة له قبل أن يعيّن في حكومة عبد المجيد تبون في 7 يوليو/تموز الجاري.
لماذا تعيين رمطان لعمامرة؟
تعيش الجزائر وضعاً إقليمياً مضطرباً، على غرار الوضع الداخلي، وتتحرك في مختلف الجهات لتفكيك مكامن الخطر الذي يهدد حدودها من الشرق والغرب والجنوب.
ووفق مصادر "عربي بوست" فإن وزير الخارجية رمطان لعمامرة أعيد إلى منصبه من أجل التكفل بثلاث ملفات مهمة، وهي الملف الليبي والمالي والصحراوي.
أما الملف الليبي فيعرفه لعمامرة جيداً، بحيث كان ضدّ التدخل الخارجي فيها، عندما كان يشغل مفوض السلم والأمن بالاتحاد الإفريقي، وقاد عدة وساطات لحل الأزمة بين القذافي والثوار، كما كان قاب قوسين من تولي منصب مبعوث أممي لليبيا سنة 2020، باقتراح من الأمين العام، أنطونيو غوتيريش، لولا اعتراض الولايات المتحدة الأمريكية.
وكانت الجزائر قد اعتبرت رفض الولايات المتحدة لعمامرة وقتها يعود لاعتبارات محلية تحركها بعض الأنظمة ليست لها مصلحة في حل مشكلة الشعب الليبي.
الملف الثاني يتعلّق بأزمة دولة مالي، وهي التي يدرك لعمامرة أبعادها جيداً، لا سيما وأنه كان وراء عقد اتفاق السلم والمصالحة الذي أبرم بين الجماعات السياسية والعسكرية المالية في الشمال والجنوب، وتمثلت الأطراف الموقعة في كل من حكومة مالي المركزية، والحركة العربية للأزواد، والتنسيقية من أجل شعب الأزواد، وتنسيقية الحركات، والجبهات القومية للمقاومة، والحركة الوطنية لتحرير الأزواد، والمجلس الأعلى لتوحيد الأزواد، والحركة العربية للأزواد، وحضر مراسم التوقيع ممثل الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا.
ثالث الملفات الذي سيمثل تحدياً صعباً لوزير الخارجية الجديد القديم، هو الملف الصحراوي الذي عاد إلى الواجهة مؤخراً بعد أزمة الكركارات بين المغرب وجبهة البوليساريو، ووقف العمل باتفاق إطلاق النار من طرف الجبهة.
ويرى المحلل السياسي نور الدين ختال أن عودة لعمامرة أتت في وقتها والجزائر بحاجة إلى خبرته الطويلة خاصة في إفريقيا.
وقال ختال، الذي تحدث لـ"عربي بوست"، إن لعمامرة يملك خبرة كبيرة في حل النزاعات بإفريقيا، وهذا سينعكس إيجابياً على الجزائر والأزمات المحيطة بها.