انتهت جلسة مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الخميس 8 يوليو/تموز 2021، والتي جاءت بدعوة من مصر والسودان لمناقشة أزمة سد النهضة والإعلان الإثيوبي عن ملء جديد للسد دون اتفاق مسبق؛ وهو ما استنفر الجهود الدبلوماسية لوقف هذه الخطوة التي وصفتها مصر بـ"الخطيرة"؛ حيث تهدد المصالح المائية للقاهرة والخرطوم وتضع حياة الآلاف في خطر.
في ختام الجلسة، أكد أعضاء مجلس الأمن، بما فيهم الدول الكبرى فرنسا والولايات المتحدة وبريطانيا والصين وروسيا، على أن الاتحاد الإفريقي هو المكان الأنسب لحل الخلاف بين الدول الثلاث، مؤيدين جهود الوساطة التي يجريها الاتحاد، كما حثوا جميع الأطراف على استئناف المحادثات، التي سبق أن أكدت القاهرة أنها "وصلت إلى طريق مسدود".
اجتماع لمناقشة قرار
وقد انعقدت جلسة مجلس الأمن لمناقشة مشروع قرار قدمته تونس بشأن سد النهضة تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة، يطالب إثيوبيا بالوقف الفوري للملء الثاني للسد، والذي أعلنت عنه قبل أيام قليلة، كما يشمل ضرورة التوصل إلى اتفاق ملزم بين الدول الثلاث بشأن تشغيل سد النهضة خلال ستة أشهر.
لكن مصادر دبلوماسية بالأمم المتحدة أكدت لوكالة الأناضول قبل الانعقاد أنه لن يكون هناك تصويت على مشروع القرار.
حيث قالت المصادر التي فضَّلت عدم الإفصاح عن هويتها، إن هناك "عدداً متزايداً من الدول الأعضاء (15 دولة) على قناعة بأن مجلس الأمن ليس المكانَ المناسب لمناقشة النزاعات بين الدول حول مياه الأنهار العابرة للحدود".
وبناء عليه فقد اكتفت الجلسة بدعوات دولية وأممية للدول الثلاث المعنية، مصر وإثيوبيا والسودان، على تخطي خلافاتها والعمل معاً للتوصل إلى "اتفاق مثالي" بشأن سد النهضة، برعاية الاتحاد الإفريقي.
دعوات دولية للحوار
من جانبها، أشارت ليندا توماس جرينفيلد، سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة إلى "إمكانية التوصل إلى حل متوازن وعادل بشأن ملء وتشغيل سد النهضة؛ من خلال الالتزام السياسي من جميع الأطراف".
وأضافت: "هذا يبدأ باستئناف المفاوضات الموضوعية المثمرة. ينبغي عقد هذه المفاوضات تحت قيادة الاتحاد الإفريقي، وينبغي استئنافها على وجه السرعة"، وذكرت أن الاتحاد "هو المكان الأنسب لمعالجة هذا النزاع".
أما مندوب روسيا لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبيزيا فاعتبر أن رفع عدد الوسطاء في مفاوضات سد النهضة لن يكون له قيمة، مضيفاً: "نحن قلقون من تنامي الخطاب التهديدي في أزمة سد النهضة".
كما أكد المندوب الروسي أنه لا حل لتسوية النزاع إلا من خلال القنوات السلمية بمشاركة الدول الثلاث، محذراً مما وصفه "بصب الزيت على النار والتهديد باستخدام القوة".
من جانبها، دعت مندوبة بريطانيا الدائمة لدى الأمم المتحدة بربارا وودوارد الدول الثلاث إلى "تقديم تنازلات من أجل التوصل لاتفاق".
موقف مصر والسودان
من جهته، قال وزير الخارجية المصري سامح شكري خلال الجلسة إن أساس الأزمة "سياسي"، معتبراً أن "موقف إثيوبيا المؤسف قوَّض كل محاولات التوصل إلى اتفاق".
وتابع الوزير المصري قائلاً: "إذا تعرضت حقوقنا للخطر فلن يبقى أمامنا سوى حماية حقنا الأصيل في الحياة"، معتبراً أنه يجب بذل قصارى الجهد وعبر مجلس الأمن لمنع السد من أن يصبح تهديداً لوجود مصر.
وأضاف شكري: "لا نعترض على حق إثيوبيا بالاستفادة مياه النيل الأزرق بل نطالبها باحترام التزاماتها الدولية"، مؤكداً أن بلاده لا تطالب مجلس الأمن بفرض تسوية على الأطراف، وأن مشروع القرار هدفه إعادة إطلاق المفاوضات.
كما أكد وزير الخارجية المصري أن 100 مليون مصري و50 مليون سوداني يعيشون تحت الخطر بسبب سد النهضة، وأن مصر ستفقد 120 مليار متر مكعب من المياه بسببه أيضاً.
من ناحيتها، قالت وزيرة الخارجية السودانية مريم الصادق المهدي إن بلادها دعمت بناء سد النهضة منذ البداية بشكل يحفظ حقوق الدول الثلاث، مشددة على أهمية الاتفاق الملزم لحماية الأمن البشري والسدود والأمن الاستراتيجي للمنطقة.
واعتبرت المهدي أن "إثيوبيا اتخذت خطوات منفردة في السابق أضرت بحياة الكثير من مواطنينا"، وأن على مجلس الأمن أن يدعو إثيوبيا إلى عدم اتخاذ خطوات أحادية وإعطاء دور أكبر للممثلين الدوليين في المفاوضات برعاية الاتحاد الأفريقي.
موقف إثيوبيا
في المقابل، اعتبر وزير الري الإثيوبي سيليشي بقلي "تدقيق مجلس الأمن بتشغيل سد لتوليد الطاقة أمراً غير مسبوق".
وقال الوزير الإثيوبي: "إذا وافق مجلس الأمن على طلب مصر والسودان فسيعلق في نزاعات مماثلة بين دول عدة، نأسف لكون بلدان شقيقة اختارت أن تطرح ملف سد النهضة على مجلس الأمن".
وأكد من جانبه كذلك على أن سد النهضة في المكان الصحيح وأن هدفه تحسين حياة سكان المنطقة، وقال إن "مياه النيل تكفينا جميعاً وعلينا أن نعي أن الحل لا يمكن أن يأتي من مجلس الأمن".
كما اعتبر الوزير أن السد ليس الأول من نوعه، وأن خزانه أصغر بمرتين ونصف من خزان سد أسوان في مصر، مؤكداً أنه ليس لإثيوبيا مخزون مياه كبير وأنه لا بديل عن سد النهضة.
ورأى وزير الري الإثيوبي أن السد سيخزن المياه بشكل يتماشى مع ما تم الاتفاق عليه مع مصر والسودان، مؤكداً أن بلاده لا تستجيب للضغوط وأنها ملتزمة برعاية الاتحاد الإفريقي للمفاوضات.
موقف أممي غير داعم
بحسب وكالة رويترز، فلا يود كثير من الدبلوماسيين بالمجلس تدخله في النزاع، إلى مدى أكثر من عقد اجتماع الخميس، خشية أن يشكل ذلك سابقة قد تسمح لدول أخرى بطلب مساعدة المجلس في نزاعات مائية.
حيث شدّد مسؤولان أمميان على إمكان التوصل لاتفاق بين إثيوبيا ومصر السودان حول سد النهضة الذي تبنيه أديس أبابا على نهر النيل، من خلال الثقة المتبادلة.
وأكّدت المديرة التنفيذية لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة إنغر آندرسن خلال جلسة مجلس الأمن أنه "يمكن التوصل لاتفاق حول سد النهضة".
وتطرّقت آندرسن إلى "أسس تعاون" مستقبلي بين الدول الثلاث، وأشارت إلى أن "الثقة والشفافية والالتزام أمور أساسية من أجل التوصل إلى اتفاق بالحد الأدنى".
من جهته، دعا موفد الأمين العام إلى منطقة القرن الإفريقي بارفيه أونانغا-أنيانغا "الأطراف كافة إلى معالجة المسألة بطريقة بناءة وتجنّب أي تصريحات من شأنها زيادة التوترات في منطقة تواجه سلسلة تحديات".
وشدد على أن "كل الدول التي تتشارك مياه النيل لديها حقوق ومسؤوليات، وأن استخدام هذا المورد الطبيعي وإدارته يتطلّبان التزاماً متواصلاً من كل الدول المعنية، وحسن نية من أجل التوصل إلى تفاهم".
أزمة سد النهضة
تأتي جلسة مجلس الأمن في الوقت الذي أخطرت فيه إثيوبيا دولتي مصب نهر النيل، مصر والسودان، ببدء عملية ملء ثانٍ للسد بالمياه، من دون التوصل إلى اتفاق ثلاثي، وهو ما رفضته القاهرة والخرطوم، باعتباره إجراءً أحادي الجانب.
وتُصر أديس أبابا على تنفيذ ملء ثانٍ للسد بالمياه، في يوليو/تموز وأغسطس/آب، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق بشأنه، وتقول إنها لا تستهدف الإضرار بالخرطوم والقاهرة، وإن الهدف من السد هو توليد الكهرباء لأغراض التنمية.
بينما تتمسك الخرطوم والقاهرة بالتوصل أولاً إلى اتفاق ثلاثي حول ملء وتشغيل السد؛ للحفاظ على سلامة منشآتهما المائية، ولضمان استمرار تدفق حصتيهما السنويتين من مياه نهر النيل.
وفي أقوى تهديد لأديس أبابا، قال الرئيس المصري، عبدالفتاح السيسي، في 30 مارس/آذار الماضي، إن "مياه النيل خط أحمر، وأي مساس بمياه مصر سيكون له رد فعل يهدد استقرار المنطقة بالكامل".
ومنذ عام 2011، تتفاوض مصر والسودان وإثيوبيا للوصول إلى اتّفاق حول ملء وتشغيل سدّ النهضة، ولكن دون الوصول لنتيجة.