صرخة أخيرة من شباب الجزائر

تم النشر: 2021/07/07 الساعة 10:18 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/07/07 الساعة 10:18 بتوقيت غرينتش
تظاهرات في الجزائر / رويترز

"كْرَهْنَا عْيينا ومَلينا"؛ هذه الكلمات الثلاث هي ما يردده كل شاب جزائري يعاني الأمرين من ظروف الحياة الصعبة والمأساوية التي يعيشها داخل الجزائر، أصبح شباب البلد يرى بلادهم بمثابة السجن الكبير الذي لا تتوفر فيه أدنى الأولويات ويمارس فيه السجان كل الأعمال غير القانونية.

 تمخض عن هذه المآسي كره ومقت للعيش بوطن جواز سفره لا يسمح إلا بدخول دول إفريقية وبعض الدول الآسيوية، إذ هو جواز ضعيف مثله مثل الدبلوماسية الجزائرية الغائبة عن المحافل الدولية منذ زمن، المنتهجة لثقافة الصمت والحياد حتى عندما يتعلق الأمر بأقرب الأقربين على حدودها. ونتيجة هذا التقهقر الدبلوماسي والمعيشي للجزائر تفرض أوروبا التأشيرة على الجزائريين، وتحصلك عليها بصعوبة بالغة، فرحة قبول سفارات الدول لملفات السفر للخارج تساوي، بل تفوق فرح النجاح في شهادة البكالوريا (الثانوية العامة) ففي غالب الأحيان تقابل بالرفض.

تنتهي قصة الشاب الجزائري راكباً زورقاً من زوارق الموت قاطعاً البحر مصارعاً الأمواج متضرعاً لله سبحانه وتعالى عله يصل للضفة الأخرى وألا يكون بدنه طعاماَ لحوت المتوسط، تلك الضفة التي نخاطر لبلوغها هي بمثابة نعيم وجنات فردوس بالدنيا، نرغب ولوجها بعد أن أمضينا نصيباَ من الزمن بجهنم.

الأسباب والدوافع "للحرڤة" (الهجرة غير الشرعية) متعددة ومتشعبة، وتلخيص الأمر يحتاج لدراسات شتى، وكشاب جزائري سأفصل في أكثر مسببات الرغبة بالهجرة التي تتملكني أنا كذلك الآن، شخصياً أرى أن الجزائر قريباً ستفرغ من شبابها وستصيبها الشيخوخة والهرم، لأنها تفقد الآلاف منهم سنوياً، الشاب الجزائري اليوم يبحث عن عمارات مهندسة بشكل جيد، يبحث عن طرقات معبدة، يبحث عن مناظر جميلة، يبحث عن اقتصاد قوي، عن مؤسسات فاعلة، عن سياسيين حكماء، عن رجال أعمال رشيدين، ثم يأتي العمل والزواج كآخر الأولويات، لماذا؟ لأن بوجود الأمور الأساسية بالدول تتوفر الأمور الثانوية آلياً.

 البعض من حقوقنا أصبحت أحلاماً.

امتلاك منزل وسيارة في الجزائر ضرب من الخيال، لا يكاد يتحقق إلا لفئات دون أخرى، أما الزواج فصار لمن استطاع إليه سبيلاً، لأن ما سلف ذكره لا يتوفر إضافة إلى العمل، فالبطالة تؤرق الجزائريين الذين يتخرجون سنوياَ بالآلاف من الجامعات وبشهادات عليا، لكنهم يفترشون قارعات الطرق يراقبون الذاهب والآتي مما أدى إلى ارتفاع حالات الإجرام والتسرب المدرسي وتجارة المخدرات والعديد من الآفات الغريبة وغير المقبولة بتاتاً في دولة لطالما كانت محافظة، لكن الفقر عراب الإجرام.

فوق كل هذه المشاكل الاجتماعية ظهر نوع جديد من الإشكاليات التي زادت الطين بلة، فحتى الموظفون صاروا يمضون الأيام بحثاً عن مكتب بريد لأخذ أموالهم، فالجزائر تعاني أزمة سيولة مالية منذ أشهر، ليضاف للأمر مؤخراً أزمة نقص مياه الشرب في العاصمة، وبعض من الولايات الأخرى، زيادة على أزمات الزيت والسميد السابقة، دون أن ننسى الكمامة التي يريد النظام أن يضعها على فم كل صوت غرد خارج سربه وأراد قول الحقيقة، مبيناً للمشاكل التي نعانيها في حياتنا اليومية الشبيهة بحياة أفقر قرية نائية بالقرن الإفريقي في أيام زمان.

وهنا نتساءل جميعاً: أهكذا تدار البلدان؟ أو هذا النظام السياسي حقاً قادر على تسيير هذه الدولة التي تزخر بخيرات شتى منَّ الله عليها بها؟ وهل باستطاعته حل تلك العقبات؟ وكم جيلا علينا أن نستهلك كي نصل لمصاف الدول التي تعطي لكل ذي حق حقه وتحترم فيها الحريات وتؤدى الواجبات وتتوافر جميع المتطلبات؟

أكيد أنك أجبت بـ"لا" على الأسئلة الثلاثة الأولى إن كنت عاقلاً وأجبت بـ"حتى تفنى الدنيا" على السؤال الأخير، فجميعنا نمتلك نفس الإجابات، لأننا نعيش نفس المعيشة الضنك.

والآن إن آلمك قلبك فتوقف عن القراءة وانزل لقراءة المقال التالي، فأنا كذلك آلمني قلبي من الكتابة ولم تعد الكلمات تحضرني. ولكِ ولنا الله يا بلادي.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عبد القادر باغلي
كاتب جزائري
تحميل المزيد