كشفت وكالة The Associated Press الأمريكية، الثلاثاء 6 يوليو/تموز 2021، أن الولايات المتحدة غادرت قاعدة باغرام الجوية في أفغانستان، عقب قيامها بقطع التيار الكهربائي والانسحاب تحت ستار الليل، دون إخطار القائد الأفغاني الجديد للقاعدة، الذي اكتشف رحيل الأمريكيين بعد أكثر من ساعتين.
كانت الولايات المتحدة قد أعلنت، يوم الجمعة 2 يوليو/تموز الجاري، أنها أخلت بالكامل واحدة من كبرى القواعد العسكرية بأفغانستان، في إطار اتفاق السلام مع حركة طالبان، موضحة أن "جميع الجنود الأمريكيين وأفراد قوات حلف شمال الأطلسي غادروا قاعدة باغرام الجوية، التي تبعد 40 ميلاً إلى الشمال من العاصمة الأفغانية كابول".
من جهته، قال الجنرال مير أسد الله كوهستاني، القائد الجديد لباغرام: "(سمعنا) بعض الشائعات بأن الأمريكيين غادروا باغرام.. وأخيراً بحلول الساعة السابعة صباحاً، فهمنا أنَّ رحيلهم عن باغرام تأكّد".
وفق كوهستاني، تمثلت العناصر الكبيرة التي تركتها القوات الأمريكية وراءها في آلاف المركبات المدنية، والعديد منها بدون مفاتيح لبدء تشغيلها، ومئات المركبات المدرعة، كما خلَّفت وراءها أسلحة صغيرة وذخيرتها، لكن القوات الراحلة أخذت معها الأسلحة الثقيلة، ودمر الجنود الأمريكيون ذخيرة الأسلحة التي لم يتركوها للجيش الأفغاني قبل مغادرتهم.
"جيش من اللصوص"
لكن قبل أن يتمكن الجيش الأفغاني من السيطرة على المطار، أكد مسؤولون عسكريون أفغان أن جيشاً صغيراً من اللصوص قاموا بغزو القاعدة، ونهبوها ثكنة بعد ثكنة، ونقَّبوا في خيام التخزين الضخمة قبل طردهم.
في هذا الإطار، ذكر عبدالرؤوف، جندي منذ 10 سنوات، أنهم اعتقدوا في البداية أن "اللصوص" ربما كانوا من طالبان، منوهاً إلى أن الولايات المتحدة اتصلت من مطار كابول، وقالت: "نحن هنا في مطار كابول".
فيما أصر كوهستاني على أن قوات الأمن والدفاع الأفغانية تستطيع الحفاظ على سيطرتها على القاعدة شديدة التحصين، رغم سلسلة انتصارات طالبان الأخيرة في ساحة المعركة. ويضم المطار أيضاً سجناً به نحو 5000 سجين، يُزعَم أنَّ العديد منهم من حركة طالبان.
"مركز الحرب الأمريكية"
على إثر ذلك، استعرض الجيش الأفغاني القاعدة الجوية المترامية الأطراف، يوم الإثنين 5 يوليو/تموز الجاري، وقدَّم لمحة نادرة عمّا كانت مركز الحرب الأمريكية لإسقاط طالبان، ومطاردة مرتكبي هجمات 11 سبتمبر/أيلول من تنظيم "القاعدة".
بعض هؤلاء الجنود الأفغان الذين تجولوا في جميع أنحاء القاعدة، التي استضافت في السابق ما يصل إلى 100 ألف جندي أمريكي، انتقدوا بشدة طريقة رحيل الولايات المتحدة عن باغرام في الليل، دون إخبار الجنود الأفغان المُكلَّفين بدوريات في محيطها.
إذ قال الجندي الأفغاني نعمة الله، الذي طلب ذكر اسمه الأول فقط، "في ليلة واحدة فقدوا كل النوايا الحسنة لـ20 عاماً بالمغادرة بهذه الطريقة، في الليل، دون إخبار الجنود الأفغان الذين كانوا في الخارج يجرون دوريات في المنطقة".
طالبان تواصل توسّعها
يأتي هذا في الوقت الذي تُواصل فيه طالبان بسط سيطرتها على العديد من المناطق بالبلاد، مستغلةً الفراغ الناجم عن انسحاب القوات الأمريكية، حيث أفادت مصادر أفغانية، يوم الإثنين 5 يوليو/تموز، بسقوط 11 مقاطعة جديدة في يد حركة "طالبان"، خلال ساعات، 7 منها في ولاية بدخشان شمال شرقي البلاد.
كما أُعلن مؤخراً سقوط 18 مقاطعة أفغانية 12 منها بولاية بدخشان (شمال شرق) وحدها بيد الحركة المسلحة، بالإضافة إلى أن مئات الجنود الأفغان قد فرّوا، في اليومين الماضيين فقط، عبر الحدود إلى طاجيكستان بدلاً من قتال المتمردين.
في حين أشار مسؤولون أمنيون غربيون إلى أن قوات طالبان استولت على أكثر من 100 منطقة، لكن الحركة تقول إنها تسيطر على أكثر من 200 منطقة في 34 إقليماً تزيد مساحتها على نصف مساحة الدولة الواقعة في وسط آسيا.
إلا أن القائد الجديد لباغرام لفت إلى أنه في "المعركة تخطو أحياناً خطوة واحدة إلى الأمام، وتتراجع بعض الخطوات إلى الوراء"، مؤكداً أن الجيش الأفغاني يغير استراتيجيته للتركيز على المناطق الاستراتيجية.
كذلك، شدّد على أنهم سيستعيدون المناطق التي سيطرت طالبان عليها مؤخراً خلال الأيام المقبلة، دون توضيح كيف سيتحقق ذلك.
كوهستاني أضاف أن الولايات المتحدة تركت وراءها 3.5 مليون قطعة، دوَّنها الجيش الأمريكي الراحل جميعها في قائمة مُفصَّلة. وهي تشمل عشرات الآلاف من زجاجات المياه ومشروبات الطاقة والوجبات العسكرية الجاهزة، وهواتف، وأشياء أخرى.
أيضاً نوّه كوهستاني إلى أن مشاركة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي (الناتو) في أفغانستان منذ ما يقرب من 20 عاماً موضع تقدير، مستدركاً: "لكن حان الوقت الآن لتكثيف جهود الأفغان، علينا حل مشكلتنا، علينا تأمين بلدنا وبناؤها مرة أخرى بأيدينا".
حرب طويلة
يُشار إلى أن أفغانستان تعاني حرباً منذ عام 2001، حين أطاح تحالف عسكري دولي، تقوده واشنطن، بحكم "طالبان"، لارتباطها آنذاك بتنظيم القاعدة، الذي تبنى هجمات 11 سبتمبر/أيلول من العام نفسه في الولايات المتحدة.
في حين تصاعد مستوى العنف في أفغانستان، منذ مطلع مايو/أيار الماضي، مع بدء المرحلة الأخيرة من انسحاب القوات الأمريكية بأمر من الرئيس بايدن، في أبريل/نيسان الماضي.
أثار تصاعُد القتال وفرار آلاف من أفراد قوات الأمن الأفغانية شكوكاً كبيرة إزاء مفاوضات السلام التي تدعمها الولايات المتحدة، والتي بدأت العام الماضي في عهد إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب.
إلا أن مفاوضات سلام تاريخية انطلقت في 12 سبتمبر/أيلول 2020، في العاصمة القطرية الدوحة، بين الحكومة الأفغانية وحركة "طالبان"، بدعم من الولايات المتحدة، لإنهاء 42 عاماً من النزاعات المسلحة بأفغانستان.
قبل ذلك، أدت قطر دور الوسيط في مفاوضات واشنطن وطالبان، التي أسفرت عن توقيع اتفاق تاريخي أواخر فبراير/شباط 2020، لانسحاب أمريكي تدريجي من أفغانستان وتبادل الأسرى.