أشاد وزير الخارجية المصري، سامح شكري، بالخطوات الأخيرة التي تتخذها الدولة التركية الرامية إلى تطبيع العلاقات بين القاهرة وأنقرة، معتبراً أنها تعدّ خطوة إيجابية، مشدداً في الوقت نفسه على أن العلاقات الطبيعية بين الدول تُبنى على عدم التدخل في الشؤون الداخلية.
جاء ذلك خلال مداخلة هاتفية للوزير المصري، مساء السبت 3 يوليو/تموز 2021، في برنامج "حديث القاهرة"، المُذاع على فضائية مصرية خاصة.
كانت السلطات التركية قد طلبت، الأربعاء 23 يونيو/حزيران الماضي، من إعلاميين مصريين معارضين، التوقف عن نشاطهم الإعلامي من داخل تركيا، في ظل المباحثات المتواصلة بين البلدين.
شكري أضاف أن هذه السياسة (التي تتخذها تركيا مع مصر) "تتفق مع قواعد القانون الدولي، إذا ما استقرت وكانت مستمرة فهي تؤدي إلى تطبيع العلاقات (بين البلدين)، واستمرار الاتصالات على مستويات مختلفة لوضع الإطار الأمثل للعلاقات".
عودة العلاقات الطبيعية بين مصر وتركيا
فيما أكد أن عودة العلاقات الطبيعية بين مصر وتركيا "لها مناحٍ كثيرة، وكان هذا هو الهدف من المباحثات الاستكشافية التي تمت على مستوى نواب وزيري الخارجية، وتستمر في الاتصالات المحسوبة لتقييم الخطوات التي نتوقع أن تكون أرضية جيدة لعودة العاقات الطبيعية".
يشار إلى أن الجولة الأولى من "المحادثات الاستكشافية" كانت قد عُقدت في القاهرة يومي الأربعاء والخميس 5 و6 مايو/أيار 2021، وكان من المقرر أن يصل وفد رفيع المستوى من وزارة الخارجية المصرية إلى أنقرة خلال الأيام الماضية، إلا أنه تم تأجيل هذه الجولة إلى شهر يوليو/تموز الجاري، بحسب مصادر خاصة تحدثت لـ"عربي بوست" سابقاً.
كما أوضح شكري أن التفاهم بشأن مجريات الأوضاع في ليبيا من بين الملفات التي يجري التواصل بشأنها بين مصر وتركيا؛ إذ إن "الشأن الليبي له تأثير وأهمية قصوى على الأمن القومي المصري، وهناك أمور أخرى متعددة لابد أن توضع في الاعتبار".
كان مصدر دبلوماسي تركي قد أشار، في تصريحات سابقة لـ"عربي بوست"، إلى أن هناك جهات تسعى حالياً لإجهاض المصالحة بين أنقرة والقاهرة، وهذه الجهات هي: الإمارات، وإسرائيل، واليونان، فضلاً عن أن هناك جهات ما داخل مصر (لم يحددها)، لا ترغب أيضاً في نجاح تلك الجهود.
المصدر أوضح أن "الزيارات الأخيرة التي قام بها عدد من المسؤولين في هذه الدول إلى مصر، كان أحد أهم أهدافها إجهاض التطبيع بين القاهرة وأنقرة"، موضحاً أن "توقيت وتزامن تلك الزيارات أمر له أهمية كبيرة، خاصةً أنه كانت هناك نية لإحداث تسارع في هذا الملف، من أجل العمل على الوصول لتطبيع كامل -لا يصل لمستوى الرئاسة- قبل نهاية العام الجاري".
وشهد عام 2013 بداية توتر العلاقات المصرية التركية، إذ استدعت أنقرة سفيرها في القاهرة، وهو ما ردت عليه مصر بالمثل؛ اعتراضاً على انقلاب يوليو/تموز، وفض اعتصام جماعة الإخوان المسلمين في ميدان رابعة بالقاهرة بالقوة، غير أن سفارتي البلدين لم تغلقا أبوابهما، واستمرتا في العمل بمستوى تمثيل منخفض طوال الأعوام الثمانية الماضية.
العلاقات مع قطر
في سياق متصل، أوضح الوزير المصري أن العلاقات المصرية-القطرية "تسير بوتيرة طيبة، كما أن لجنة المتابعة تجتمع بشكل دوري الآن، وتتناول كل الملفات والشوائب التي لحقت بالعلاقات خلال فترة المقاطعة"، منوهاً إلى أن "هناك تبادلاً للزيارات على مستوى وزيري خارجية البلدين، وهناك تبادل للخطابات على مستوى القيادتين".
كما أكد شكري أن "هناك إرادة سياسية مشتركة لاستئناف علاقات طبيعية بين مصر وقطر، كما أن التمثيل الدبلوماسي عاد مرة أخرى بين البلدين، وتمت تسمية سفراء جدد في القاهرة والدوحة، وكل ذلك مؤشر على أن هناك رغبة وعزيمة وعملاً من أجل عودة العلاقات إلى طبيعتها كعلاقات بين الأشقاء العرب، وهذا له خصوصيته ونسعى إليه".
أزمة سد النهضة
على صعيد آخر، قال الوزير المصري إن تعليق المندوب الدائم الفرنسي لدى مجلس الأمن الدولي بشأن أزمة سد النهضة الإثيوبي لم يأخذ في الاعتبار التنسيق الكامل بين القاهرة وباريس، لافتاً إلى أنهم يتوقعون مواقف متزايدة من مجلس الأمن في إطار دفع الأطراف الثلاثة (مصر والسودان وإثيوبيا) إلى استئناف المفاوضات بشكل مغاير عن الماضي، من أجل الوصول إلى حل.
كان المندوب الفرنسي نيكولا دي ريفيير، الذي تتولي بلاده الرئاسة الدورية لأعمال مجلس الأمن الشهر الجاري، قد صرّح مؤخراً بأن سد النهضة قضية بين إثيوبيا والسودان ومصر، مشدّداً على أهمية استئناف المحادثات من جديد بين الدول الثلاث، مضيفاً: "لا أعتقد أن المجلس لديه الخبرة لتحديد كمية المياه التي يجب حصول كل دولة عليها".
هذا التصريح أكد شكري أنه "جاء في إطار الشعور بأهمية تكثيف المفاوضات، ونحن على مشارف انعقاد الجلسة، وهذا أمر دائماً نحن كنّا نزكيه، لكن بالتأكيد في هذه المرحلة نحن نتوقع ما يزيد على ذلك من المجلس، في إطار دفع الأطراف وحثها على أن تستأنف المفاوضات بشكل مغاير عن الماضي".
في حين ذكر وزير الخارجية المصري أن الملء الثاني لسد النهضة يجب أن يُوضع في نصابه الصحيح، مؤكداً أن الجانب الإثيوبي لم يُكمِل البناء كما كان مخططاً.
إلا أنه استدرك بالقول: "هناك ضرر حقيقي في بناء السد، لكنه ضرر يمكن التعامل معه واحتواؤه، وهذا الأمر يتم رصده من خلال أجهزة فنية تجري المتابعة على مدار الوقت".
السودان يرحب بتحرك مجلس الأمن
في وقت سابق من يوم السبت، رحب السودان باستجابة مجلس الأمن لطلبه الخاص بعقد جلسة لمناقشة النزاع بشأن "سد النهضة"، الخميس المقبل.
جاء ذلك في بيان للمتحدث باسم الفريق السوداني بمفاوضات "سد النهضة"، عمر الفاروق، بعد يومين على إعلان ذلك من جانب مندوب فرنسا الأممي نيكولا دي ريفيير، الذي تتولى بلاده الرئاسة الدورية لأعمال مجلس الأمن الشهر الجاري.
إذ قال الفاروق في البيان: "يرحب السودان باستجابة رئيس مجلس الأمن لطلب عقد الجلسة الخميس المقبل"، مؤكداً تمسُّك السودان برعاية الاتحاد الإفريقي لمفاوضات السد المتعثرة منذ أشهر، للتوصل إلى اتفاق نهائي ملزم لملء وتشغيل السد.
لكنه جدد مقترح بلاده بشأن وساطة رباعية تشمل الاتحادين الإفريقي والأوروبي، بجانب الأمم المتحدة وواشنطن، وهو اقتراح سبق أن طرحته الخرطوم في فبراير/شباط الماضي ورفضته أديس أبابا وقبلته القاهرة.
كانت الخارجية السودانية قد بعثت في 22 يونيو/ حزيران الماضي، برسالة إلى مجلس الأمن، تطلب عقد جلسة "في أقرب وقت ممكن" حول السد.
ستكون جلسة الخميس ثاني انعقاد للمجلس بشأن السد الإثيوبي، إذ عقد قبل عام، أخرى مماثلة انتهت بحثِّ الأطراف على الحوار تحت قيادة الاتحاد الإفريقي.
فيما تُصر أديس أبابا على ملء ثانٍ للسد بالمياه يُعتقد أنه في يوليو/تموز الجاري وأغسطس/آب المقبل، بعد نحو عام على ملء أول، حتى لو لم تتوصل إلى اتفاق، وسط مخاوف مصر من تضرر حصتها المائية.