خلال أسبوعٍ واحد جاءت زيارة الدبيبة للمغرب، بالإضافة إلى زيارة كل من الفريق الركن محمد الحداد، رئيس أركان الجيش الليبي التابع لحكومة الوحدة الوطنية، وبعده جاء عقيلة صالح، رئيس مجلس النواب الليبي.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" فإن زيارة الدبيبة للمغرب فتحت أربعة ملفات للقفز على الأزمة الليبية، وهي التسريع باستفتاء دستوري، وتوحيد الجيش، وطرد الميليشيات الأجنبية، وتوزيع المناصب السيادية.
وكان مثيراً أن زيارة الدبيبة للمغرب جرت بعد انتهاء أشغال مؤتمر برلين "2"، وبعد وهو المؤتمر الذي احتضنته العاصمة الألمانية 23 حزيران/يونيو الجاري، وشاركت فيه 15 دولة و4 منظمات دولية، وغاب عنها المغرب.
زيارة الدبيبة للمغرب
كشفت مصادر ليبية لـ"عربي بوست"، أن "هناك أربعة ملفات كبرى وحيوية فشل مؤتمر برلين في تذويب الخلافات بشأنها، بل وفر المؤتمر فرصة لإثارة الجدل بشأنها، وتسعى حكومة الوحدة على بحثها مع الأصدقاء".
وسجلت المصادر ذاتها التي طلبت عدم الكشف عن هويتها، أن "النقطة الأولى من زيارة الدبيبة للمغرب ركزت على الموقف من الدستور، إذ إن برلمان طبرق وقائد الانقلاب خليفة حفتر، يضغطون من أجل تأجيل الاستفتاء على الدستور، والعمل على تنفيذ الاتفاق السياسي.
وأضاف المصدر ذاته أن "فريق مجلس الرئاسة، بقيادة خالد المشري، يشدد على ضرورة التصويت على الدستور قبل الانتقال إلى الانتخابات، وهيكلة مؤسسات الحكم في ليبيا، وهذه النقطة تعد أكبر معرقل للتسوية بين جانبي الصراع بين الطرفين".
النقطة الثانية التي ناقشها الدبيبة في المغرب والتي تشكل سبباً لاستمرار الأزمة تتمثل في "توحيد" الجيش الليبي، فحكومة الوحدة الوطنية ترفض اعتبار ميليشيات حفتر قوات "شرعية"، بينما يضغط حفتر عبر برلمان طبرق وحلفائه الإقليميين من أجل تسريع عملية توحيد الجيش، وإدماج الميليشيات الموالية له ضمنه.
وأفادت المصادر ذاتها أنه حتى الآن لا مؤشرات على إمكانية تراجع حكومة الوحدة الوطنية عن هذه القضية، فعبدالحميد الدبيبة الذي يرفض التعامل مع ميليشيات حفتر، وهذه قضية تزيد من تعقيد الأزمة بالنظر لما يملكه حفتر من دعم مصري- إماراتي بالأساس".
وشددت المصادر الملف الثالث، الذي تم فتحه بين ناصر بوريطة خلال زيارة الدبيبة للمغرب تمثل في طرد الميليشيات الأجنبية والمسلحين الأجانب من ليبيا.
وتوقعت المصادر ذاتها أن "النقطة الرابعة تتعلق بملف توزيع المناصب السيادية، باعتباره آخر عناوين الأزمة الليبية، ورغم التعثر الذي يعتري تعيين محافظ للبنك المركزي أو النائب العام وغيرها، فإنه يمكن تجاوزه فور الوصول إلى تفاهمات في الملفات الثلاثة الأخرى".
لماذا المغرب؟
وصل الأحد 27 حزيران/يونيو الجاري، رئيس حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا، عبدالحميد الدبيبة، في زيارة رسمية للمغرب، حظي فيها، الإثنين 28 حزيران/يونيو 2021، بلقاء مع رئيس الحكومة المغربية، سعدالدين العثماني، كما أنه التقى قبل ذلك بوزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة.
لقاءات المسؤول الليبي في المغرب، قالت عنها مصادر مغربية، إنها "تندرج في إطار الأدوار التقليدية التي تلعبها الرباط من أجل تقريب وجهات النظر بالنسبة للأشقاء الليبيين".
وأضافت المصادر ذاتها أن "المغرب انطلاقاً من مسؤولياته تجاه أشقائه في ليبيا مطوقٌ باتفاق الصخيرات، الذي شكل أرضية لاتفاق جنيف، يعمل جاهداً على تذويب الخلافات بين الأطراف الليبية، ويدعم الليبيين للاتفاق فيما بينهم من أجل إنهاء الأزمة".
وسجلت المصادر، أن "زيارة قائد الجيش الليبي، وبعده رئيس برلمان طبرق، ثم زيارة رئيس حكومة الوحدة، يعكس القيمة التي يحظى بها الدور الدبلوماسي المغربي لدى فرقاء الأزمة الليبية".
وأكدت المصادر نفسها أن "المغرب مع المؤسسات الشرعية في ليبيا، ويدعمها باعتبارها تمثل التوافق الليبي، ويدعو إلى تجاوز النقاط الخلافية، والإعداد الجيد للانتخابات المقررة، في كانون الأول/ ديسمبر 2021".
وفي هذه زيارة الدبيبة للمغرب اتفق المغرب وليبيا على تعزيز التعاون بين البلدين، كما اتفق الطرفان على حل قضية التأشيرة بين البلدين في القريب، وتباحثا في ملف اللجنة العليا المشتركة بين الجانبين.
ويرتبط المغرب وليبيا باتفاقيات تعاون تشمل الجوانب الأمنية والعسكرية، كما أن وزيرة الخارجية الليبية الحالية جددت في زيارتها للمغرب، بداية حزيران/يونيو الجاري الدعوة إلى الاستفادة من خبرات الرباط لتأهيل وتطوير المؤسسات العسكرية والأمنية الليبية.
وشددت المصادر أن "المغرب لا يمكنه الوقوف مع طرف ضد آخر، وحياد المغرب كان أهم عوامل نجاح اتفاق الصخيرات، ومن هذا المنطلق يظل المغرب وجهة تحظى بالأولوية للأطراف الليبية من أجل تذويب الخلافات".
ليبيا ليست كعكة
وصول الوفود الرسمية الليبية إلى المغرب يأتي بعد أيام قليلة جداً من نهاية مؤتمر برلين "2"، وهو المؤتمر الذي قاطعته الدبلوماسية المغربية، رغم أنها تلقت الدعوة للحضور بخلاف مؤتمر برلين "1".
وخلال لقائه برئيس برلمان طبرق، عقيلة صالح، وإثر ندوة صحفية عقدت الخميس 24 حزيران/يونيو 2021، أعلن ناصر بوريطة أن "ليبيا ليست كعكة دبلوماسية. ليبيا هي معاناة شعب منذ مدة، وإرادة شعب لكي يخرج من الأزمة عن طريق الانتخابات وليس صور أو حضور أو عدم حضور".
هذه النبرة غير المعهودة في الخطاب الدبلوماسي المغربي تجاه مؤتمر برلين رأى فيها إسماعيل حمودي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، مؤشراً على أن "الخلاف المغربي- الألماني متواصل، وأن الرباط تعتبر إقصاءها من مؤتمر برلين "1" تنكراً للمجهودات المغربية لحل الأزمة الليبية".
وتابع حمودي، في تصريح لـ"عربي بوست" أن "هذا الغضب المغربي وجد طريقه إلى اللغة التي استعملها وزير الخارجية، وهو يتحدث عن مؤتمر برلين، فنحن نتحدث عن وزارة الخارجية المؤسسة الدبلوماسية التي من المفروض أن تدبر بكثير من الهدوء والحكمة، وهو ما لم يحدث بفعل الإحساس بالتجاهل والتنكر".
هذا وكان بوريطة قد قال إن هدف المغرب ليس هو الحضور في المؤتمرات بل في الوقوف مع الليبيين أولاً، ومواكبة ما يريده الليبيون لإيجاد حل لأزمتهم.
وأوضح الوزير أن "المغرب منذ البداية كان له موقف من عدم استدعائه لحضور مؤتمر برلين الأول، وهذا الموقف لم نعبر عنه لكي يتم استدعاؤنا مرة ثانية، بل جاء للتأكيد على أن المقاربة التي كانت في البداية والتي أدت إلى عدم استدعاء المملكة في المرة الأولى كانت خاطئة"، معتبراً أن "دور المغرب لم يبدأ مع برلين، ولن ينتهي معه، ولا يغير دوره ولا يزداد أو ينقص بالنظر إلى أنه تلقى دعوة المشاركة في مؤتمر برلين 2 أم لا".
إلى ذلك يرى مراقبون أن زيارة الدبيبة للمغرب وقبله الوفود الليبية على المغرب، تأتي في إطار مساعي الأطراف الليبية إلى الوصول إلى توافقات كبرى في الأيام القليلة المقبلة، وذلك بسبب الاتفاق السياسي والالتزامات الدولية التي حددت 1 حزيران/يونيو 2021، تاريخ الإعلان النهائي عن طريقة إجراء الانتخابات المقبلة برلمانياً ورئاسياً، وأوكلت مهمة الإعلان عنه إلى برلمان طبرق.