قالت صحيفة Financial Times في تقرير نشرته الأربعاء 23 يونيو/حزيران 2021، إنه رغم مرور عام على اغتيال المصرفي اللبناني المخضرم أنطوان داغر فإنَّ شبح جريمة القتل التي لم تُحَل بعد، بات يُخيِّم على الصناعة المصرفية التي كانت مرموقةً داخل لبنان في يومٍ من الأيام.
ففي تقرير الشرطة الذي اطلعت الصحيفة البريطانية عليه، قال المحققون إنه لم تكن هناك أي سرقة، لكنهم لم يُحددوا أيضاً أي دوافع لارتكاب الجريمة ولم يوجهوا التهمة إلى أحد.
حادث مقتل مصرفي لبناني
إذ إنه في تمام السابعة تقريباً من صباح أحد أيام يونيو/حزيران 20251، غادر المصرفي المخضرم أنطوان داغر منزله متجهاً إلى أحد أكبر مصارف لبنان حيث كان يعمل منذ 20 عاماً. لكن رئيس قسم الأخلاقيات ومكافحة الاحتيال في بنك بيبلوس لم يصل إلى المصرف مطلقاً.
في غضون بضع ساعات، عثرت زوجته على جثته ملقاةً على الأرض بجوار سيارته الرمادية من طراز Honda، على مقربةٍ من منزلهما في حازمية، إحدى ضواحي بيروت الراقية التي تبعد بضع دقائق عن وسط مدينة بيروت. وقد تعرَّض لخمس طعنات.
في غياب الإجابات الواضحة، توصل العديد من المصرفيين إلى استنتاج يرونه حتمياً: لقد كانت جريمة قتله مرتبطةً بوظيفته. إذ تتعرض المصارف اللبنانية للهجوم من المحتجين الغاضبين على دورها في الأزمة المالية التي ضربت البلاد، ومن العملاء العاجزين عن سحب أموالهم، حيث قال أحد زملاء داغر السابقين: "الأمر مرعبٌ وصادم. ونحن لا نفهم أي شيء حتى الآن".
وحدة الامتثال في بنك لبناني
قبل إدارته لقسم الأخلاقيات ومكافحة الاحتيال في المصرف، كان داغر رئيس وحدة الامتثال في بنك بيبلوس لمدة عقدٍ كامل.
تتمحور وظيفة مصرفي الامتثال حول ضمان التزام أصحاب العمل بالقوانين المحلية والدولية فيما يتعلق بغسيل الأموال وتمويل الإرهاب. وقال أحد المشرعين السابقين إنّه داخل لبنان، "تُعد وظائف الامتثال من المهام الخطيرة، حين تؤديها على الوجه الأمثل. فالمخاطر كبيرة؛ نظراً إلى وجود حزب الله، والساسة وعائلاتهم، وإدارات المصارف الفاسدة".
قد زادت الوظيفة الصعبة تعقيداً، بسبب الأزمة المالية في البلاد.
بينما شاعت خيبة الأمل داخل القطاع المصرفي اللبناني. ورغم عدم وجود قانون يتعلق بضوابط رأس المال، فإن المصارف حدّت بدرجةٍ كبيرة من قدرة العملاء على السحب وتحويل الأموال.
إذ قال أحد المصرفيين الذين يتعاملون مع العملاء مباشرةً، إنّه يضطر إلى رفض الطلبات السليمة لاستخدام الأموال في سداد الفواتير الطبية، بينما يقدم بعض الخدمات مثل فتح الحسابات وعمليات السحب للعملاء المهمين فقط أو مديري المصارف.
تشويه سمعة المصرفيين
مع تشويه سمعة المصرفيين بسبب دورهم في الأزمة، وإبعاد المودعين عن أموالهم؛ أضرم المحتجون والعملاء الغاضبون النيران في فروع المصارف واعتدوا على موظفيها. وقد أردف المصرفي أن العملاء رفعوا الأسلحة على مديري المصارف، مطالبين بسحب أموالهم الخاصة.
تابع المصرفي أنَّ عمله صار "قذراً للغاية" الآن. لكن الموظفين ليس أمامهم خيارٌ آخر، من أجل الحفاظ على وظائفهم وحماية سلامتهم: "نحن نشعر بالخوف، ونعيش داخل بلد ليس به أمن. يمكنهم قتلنا في أي لحظة".
ينبع هذا الخوف، من ثقافة الإفلات من العقاب السائدة في لبنان. فجريمة قتل داغر ليست فريدةً من نوعها، وليست الجريمة الوحيدة التي ما تزال بلا حل. إذ أفلت المسؤولون عن عشرات الاغتيالات السياسية من العقاب خلال السنوات الماضية.
حيث تقول آية مجذوب، الباحثة اللبنانية بـ"هيومن رايتس ووتش": "إنّ عجز القضاء وقوات الأمن عن حل جرائم القتل… دفع العامة فعلياً إلى فقدان الأمل في قدرة هذه الأجهزة على حمايتهم".
كما تأتي الضغوطات من خارج لبنان أيضاً، حيث فُرِضَت العقوبات على مزيد من المصارف خلال الفترة التي سبقت الأزمة. ففي عام 2019، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية العقوبات على مصرف جمال ترست بنك، بسبب مزاعم مساعدته لحزب الله، وهو الآن قيد التصفية.
كما يخضع محافظ مصرف لبنان المركزي لتحقيقين أوروبيين بتهم غسيل الأموال والاختلاس. لكنه يُنكر ارتكاب أي مخالفات.
أزمة نقص الدولار
سهّلت أزمة نقص الدولار الشديدة على المجرمين غسل أموالهم من خلال المصارف، التي صارت في أمسِّ الحاجة إلى أي سيولةٍ نقدية. إذ قال أحد المتخصصين بالامتثال: "من الصعب للغاية تعقُّب وتأكيد المصدر الحقيقي لتلك السيولة النقدية. إذ لم يعد الامتثال للقوانين أولويةً منذ اندلاع الأزمة، وحلَّت محله رغبة البقاء".
بينما قال بنك بيبلوس إنّه تعاون مع المسؤولين عن التحقيق في موت داغر، لكنه رفض الإجابة عن الأسئلة.
في حين قال أربعة مصرفيين إنّ داغر كان يتمتع بشعبيةٍ كبيرة، ويُعرف عنه اللياقة والاجتهاد. إذ قال زميلٌ سابق: "لقد كان الشخصَ الأكثر أخلاقيةً داخل المصرف. وأنا واثق بأنه كان سيستقيل لو عاش ورأى ما يحدث الآن في القطاع".
فيما قالت ابنته ميشيل إن والدها كان "محبوباً من الجميع"، وأضاف نجله إيلي: "لم نكن ندرك مدى خطورة وظيفته".