سيذهب الإيرانيون إلى صناديق الاقتراع يوم 18 يونيو/حزيران 2021، لاختيار الرئيس المقبل للجمهورية الإسلامية الإيرانية، وباستثناء المرشح الإصلاحي محسن مهر علي زادة، والذي أعلن انسحابه قبيل ساعات من موعد التصويت فإن باقي المرشحين ينتمون إلى التيار المحافظ، باختلاف طوائفه.
يأتي على رأس المرشحين المحافظين رئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، الذي يُنظر إليه على أنه صاحب الحظ الأوفر للفوز بمنصب الرئيس، بالإضافة إلى كونه مرشحاً أساسياً لعدد من الفصائل المحافظة والمتشددة.
في الوقت نفسه، هناك مرشحون محافظون آخرون، على ما يبدو يطمحون للفوز بالانتخابات، وعدم الاكتفاء بكونهم مرشحين مؤقتين، لضمان نجاح إبراهيم رئيسي بعدد كبير من الأصوات.
الانقسامات داخل التيار المحافظ
الخلافات والانقسامات داخل التيار المحافظ كانت قد بدأت في الظهور على السطح منذ أشهر قليلة، بخصوص التوصل إلى شخصية محافظة تتمتع بشعبية وقدرة على إقناع الناخبين بالتصويت له، لكي يضمن المعسكر المحافظ المتشدد الفوز في الانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في 18 يونيو/حزيران، بأكبر عدد من الأصوات.
قبل بدء تسجيل المرشحين لأسمائهم في وزارة الداخلية الإيرانية، وفحص أهليتهم من قبل مجلس صيانة الدستور، الهيئة المختصة بفحص أوراق المرشحين لكافة الانتخابات داخل الجمهورية الإسلامية، تردد اسم رئيس البرلمان الإيراني الحالي محمد باقر قاليباف، وهو قائد سابق في الحرس الثوري، كمرشح محتمل وقوي للتيار المحافظ.
ولكن، وبحسب مصدر مقرب من السيد قاليباف، تحدث لـ"عربي بوست"، فإن الأخير قرر عدم الترشح، والوقوف وراء إبراهيم رئيسي، لضمان عدم تشتت الأصوات، فاقترحت الفصائل المحافظة ترشيح عدد من السياسيين المحافظين، على رأسهم سعيد جليلي، المفاوض النووي السابق، والنائب البرلماني المتشدد علي رضا زاكاني.
وفي حديثه لـ"عربي بوست"، يقول سياسي إيراني محسوب على التيار المحافظ، مفضلاً عدم ذكر اسمه "تم التوصل إلى حل تقليدي، وهو الزج بمرشحين محافظين لديهم عدد كبير من المؤيدين، ومن ثم انسحابهم والاستفادة من أصوات مؤيديهم لصالح رئيسي".
يصف السياسي الإيراني المحافظ هذا الحل بأنه كان توافقياً بين عدد من الفصائل المحافظة الإيرانية، لضمان حصول رئيس السلطة القضائية على أكبر عدد من الأصوات.
كان التيار المتشدد يطمح إلى القضاء على الانقسامات الداخلية، خاصة بعد أن قام مجلس صيانة الدستور باستبعاد السياسي المعتدل البازار، والرئيس السابق للبرلمان الإيراني علي لاريجاني، وبهذا الاستبعاد اطمئن التيار المحافظ على عدم وجود منافس قوي لرئيس السلطة القضائية إبراهيم رئيسي، خاصة أنه في المقابل تم أيضاً استبعاد حوالي تسعة مرشحين من التيار الإصلاحي.
كما أن مجلس صيانة الدستور استبعد رئيس مقر خاتم الأنبياء، المؤسسة الاقتصادية التابعة للحرس الثوري الإيراني، العميد سعيد محمد، الذي أعلن بعد استبعاده أنه سيدعم إبراهيم رئيسي في الانتخابات الرئاسية.
يقول السياسي المحافظ لـ"عربي بوست"، "كان هناك العديد من قادة الحرس الثوري يدعمون ترشح سعيد محمد، كما أنه يحظى بعدد لا بأس به من المؤيدين، لكن بعد استبعاده، وإعلانه الدعم لرئيسي، ارتفعت آمال المعسكر المحافظ في حصول إبراهيم رئيسي على عدد كبير من الأصوات".
معضلة "سعيد جليلي"
سعيد جليلي، السياسي المحافظ، المفاوض النووي السابق، واحد من أهم المرشحين المتشددين، الذي أضاف بعداً آخر للانقسامات داخل التيار المحافظ، فالرجل يحظى بعدد كبير من المؤيدين، ويشكل خطراً على التصويت لصالح رئيس القضاء إبراهيم رئيسي.
كان جليلي قد ترشح للانتخابات الرئاسية لعام 2017، وفي اللحظات الأخيرة قرر الانسحاب لصالح إبراهيم رئيسي منعاً لتشتت الأصوات، لكن هذا العام وحتى ساعات قليلة كان جليلي يرفض فكرة الانسحاب لصالح إبراهيم رئيسي.
طالبه المعسكر المحافظ بالانسحاب منذ أيام، على غرار انسحاب البرلماني المتشدد علي رضا زاكاني، لصالح رئيسي، وانطلاقاً من فكرة الانسحابات التي تؤثر تأثيراً إيجابياً على نسب التصويت.
لكن وبحسب مصدر مقرب من سعيد جليلي قال لـ"عربي بوست"، "السيد جليلي كان يرفض تماماً فكرة الانسحاب هذا العام لصالح أي من المرشحين، لقد فعلها مرة سابقة، لكنها لم تكن فكرة صائبة في نظره".
زادت الضغوط من التيار المحافظ على سعيد جليلي في الساعات القليلة المتبقية قبل بدء التصويت، خاصة أن جليلي ورئيسي لديهم أعداد كبيرة من المؤيدين المشتركين.
يقول السياسي المحافظ لـ"عربي بوست"، "الكثير من الشخصيات السياسية المحافظة تحدثت إلى جليلي في الأيام القليلة الماضية، ليعلن انسحابه، والاستفادة من القاعدة الجماهيرية المشتركة لصالح رئيسي".
في نهاية المطاف، استجاب سعيد جليلي للنصائح والضغوطات، وأعلن انسحابه في نهاية يوم الأربعاء 16 يونيو/حزيران، أي قبل يومين تقريباً من بداية التصويت.
إبراهيم رئيسي والبحث عن نسبة تصويت عالية
في موجة الانسحابات من المنافسة الانتخابية أعلن المرشح الإصلاحي الوحيد ضمن قائمة المرشحين السبعة، محسن علي مهر زادة، انسحابه من الترشح للانتخابات الرئاسية، يوم 16 يونيو/حزيران، وعلى ما يبدو هذا الانسحاب كان لصالح عبدالناصر همتي، المرشح المستقل المعتدل، والمحافظ السابق للبنك المركزي الإيراني.
وفور إعلان محسن علي مهر زادة انسحابه من الانتخابات الرئاسية قدم الرئيس الإصلاحي السابق محمد خاتمي الشكر له، ما فسّره البعض على أنه دعم غير مباشر لعبدالناصر همتي، بعد أن أظهر ميلاً إصلاحياً في المناظرات الانتخابية الثلاثة، في الأسابيع القليلة الماضية.
زادت مخاوف التيار المحافظ من منافسة كبيرة من عبدالناصر همتي لإبراهيم رئيسي، خاصة بعد أن أظهرت الكثير من استطلاعات الرأي في الأسابيع الأخيرة احتلال همتي المركز الثاني بعد إبراهيم رئيسي، الذي ينافس للحصول على نسبة 50% من الأصوات في الاستحقاق الانتخابي، يوم 18 يونيو/حزيران الجاري.
يقول علي خضريان، النائب البرلماني المحافظ، لـ"عربي بوست"، "خلال المناظرات التلفزيونية أظهر عبدالناصر همتي خطراً كبيراً، وتهديداً للسيد رئيسي، كما أننا نخشى من دعم المعسكر الإصلاحي له في اللحظات الأخيرة".
في عام 2017، عندما ترشح إبراهيم رئيسي للانتخابات الرئاسية، والذي كان هو المنافس الرئيسي والقوي للرئيس المعتدل الحالي حسن روحاني، حصل على حوالي 16 مليون صوت من أصل 59 مليون ناخب يحق لهم التصويت.
في الانتخابات الحالية، وبحسب عدد من الساسة المحافظين، الذين تحدثوا لـ"عربي بوست"، يأمل التيار المحافظ في أن يحصل إبراهيم رئيسي على 20 مليون صوت، لذلك تزداد مخاوفهم من دعم الإسلاميين لعبدالناصر همتي.
لكن هناك قلق آخر من انخفاض نسب التصويت، خاصة بعد أن تناولت بعض استطلاعات الرأي احتمالية انخفاض نسبة التصويت لتصل إلى 40%، بعد أن وصلت إلى 73% في الانتخابات الرئاسية لعام 2017.
وبحسب السياسي الإيراني المحافظ الذي تحدث لـ"عربي بوست"، فإن انخفاض نسبة التصويت بمثابة تشكيك في العملية الانتخابية، وإضرار بسمعة المرشح المحافظ الأهم إبراهيم رئيسي، فيقول "انخفاض الإقبال على التصويت، حتى وإن فاز السيد رئيسي، ليس بالأمر الجيد للجمهورية الإسلامية، نأمل أن تصل نسب التصويت إلى 50% لكي يكون الفوز مستحقاً، مشكلة تشتت الأصوات يمكن حلها، لكن انخفاض الإقبال على التصويت مشكلة مهمة ومقلقة".