شكّلت نسبة المشاركة في الانتخابات البرلمانية الجزائرية صدمة للسلطة والأحزاب السياسية معاً، لا سيما أن الطرفين كانا يعتبرانها محطة مصيرية في بناء ما يطلق عليه الرئيس تبون مشروع "الجزائر الجديدة".
وكشف رئيس السلطة المستقلة للانتخابات محمد شرفي، في الجزائر مساء أمس السبت 12 يوليو/حزيران 2021 عن تسجيل 30.20% كنسبة مشاركة في الانتخابات التشريعية.
واعترفت بعض الأحزاب في ردودها الأولية بفشلها في إقناع الجزائريين بالمشاركة في الانتخابات التشريعية التي عادة ما كانت تعرف مشاركة أكبر.
تجاوزات انتخابية
وتحدثت بعض الأحزاب والشخصيات المستقلة عن تسجيل تجاوزات في بعض المراكز الانتخابية.
وقالت حركة مجتمع السلم إنها تتصدر في العديد من المراكز، وهناك محاولات لتغيير النتائج.
وندد رئيس حزب صوت الشعب لمين عصماني ببعض الممارسات التي وصفها بالقديمة والتي تذكِّر بتصرفات النظام السابق.
ونشر العديد من الشخصيات المستقلة فيديوهات وصوراً تبرز تجاوزات في مراكز انتخابية عدة.
واشتكت بعض الأحزاب من تجاوزات كبيرة شابت العملية الانتخابية، بينما يرى المقاطعون أن النسبة مضخمة ولا تعكس الواقع، خاصة أن السلطة كانت قد أعلنت في حدود الساعة الرابعة بعد الزوال أن النسبة كانت 14% لتصبح 30% بعد أربع ساعات فقط.
وتُعدّ النسبة التي أُعلن عنها هي الأقل في تاريخ الانتخابات البرلمانية الجزائرية منذ 20 سنة، وبلغت نسبة المشاركة في التشريعيات السابقة سنة 2017 أكثر من 35%.
نسبة المشاركة في الانتخابات الجزائرية
أعلنت السلطة المستقلة للانتخابات في الجزائر عن نسب مشاركة غير مسبوقة خلال يوم الانتخابات، إذ كانت نسبة المشاركة عند الساعة العاشرة صباحاً في حدود 3.78% لتصبح 10% عند الساعة الواحدة زوالاً، ثم 14.47% في حدود الساعة الرابعة بعد الزوال، لتقفز بعد ذلك إلى 30.20% بعد غلق مكاتب الاقتراع على الساعة الثامنة مساءً.
يذكر أن الهيئة الناخبة في الجزائر تقدر بـ24 مليون ناخب مسجل، بينما أدلى بصوته 7 ملايين فقط.
وشكك الناشط السياسي محمد رفيق شريفي في تصريح لـ"عربي بوست" في نسبة المشاركة قائلاً: "شخصياً أُشكك في النسبة التي قدمتها هيئة شرفي، خصوصاً أن الرجل بدا مرتبكاً، وغير ملمٍّ بالقواعد الرياضية لحساب النسبة المئوية، ولا يكاد يُفرق بين النسبة المئوية للمشاركة، ومعدل النسب المئوية للمشاركة عبر الولايات".
وأضاف شريفي: "أعتقد أن نسبة المقاطعة كانت متوقعة مع هامشٍ من التلاعب، لأنها تعكس بشكل مباشر مجريات الحملة الانتخابية الضعيفة، والتي احتكرتها طبقة سياسية ضاق المواطن بها ذرعاً، فالمواطن رفض خارطة الطريق التي قدمها النظام، وعلى مدى أكثر من سنتين، فعاد للاستقالة من كل فعل يمت للنظام بصلة، خصوصاً الفعل السياسي بالدرجة الأولى والانتخابي".
تبون يستبق النتائج
قال الرئيس عبدالمجيد تبون عقب إدلائه رفقة عائلته بصوته في الانتخابات التشريعية، إن نسبة المشاركة لا تهمه كثيراً بقدر ما يهمه نزاهة العملية الانتخابية في حد ذاتها.
وأضاف تبون أن الدستور الجزائري يكفل حق المقاطعة لمن أراد، كما يكفل حق المشاركة.
وبالنظر إلى نسبة المشاركة المتدنية، يبدو أن تبون كان يُدرك جيداً أن المشاركة لن تكون كبيرة كما كانت تروج له الأحزاب السياسية المقربة منه.
ومن المتوقع أن تضع نسبة المشاركة الضعيفة تبون في حرجٍ، خاصة أنه ردد مراراً أن المقاطعين أقلية، وجل الجزائريين يريدون الانتخابات.
العزوف.. ماذا يريد أن يقول الجزائريون؟
للمرة الثالثة على التوالي يُواصل الجزائريون العزوف عن التوجه إلى صناديق الاقتراع بعد الحراك الشعبي الذي أسقط بوتفليقة، ويُفترض أنه أدخل البلاد في مرحلةٍ جديدةٍ.
ولم تتعدَّ نسبة المشاركة في الانتخابات الرئاسية التي فاز بها عبدالمجيد تبون نهاية 2019 نسبة 39%، كما سجل الاستفتاء على التعديلات الدستورية نهاية سنة 2020 أضعف نسبة في تاريخ الانتخابات بالجزائر، إذ بلغت نسبتها 23%، كما سجلت التشريعيات التي لم تظهر نتائجها لحد الآن نسبة 30%.
وقال رئيس حزب صوت الشعب المشارك في الانتخابات لمين عصماني إن "الانتخابات أصبحت تعرف ظاهرة العزوف منذ سنوات، وعلى السلطة والأحزاب أن تُراجع نفسها قبل التوجه إلى الاستحقاقات القادمة".
ويرى رئيس حزب التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، المقاطع للانتخابات محسن بلعباس، أن نسبة المشاركة الضعيفة أكدت الفجوة الكبيرة بين الحاكم والمحكوم.
وأضاف بلعباس: "تتوالى المهازل الانتخابية في البلد، وتتكامل، وتستمر في تعميق الفجوة بين السلطة والشعب، آخرها كشفت لنا عن جهل الحكّام بأثر سياستهم غير المحسوب على مصير الأمة، ولقد أظهر تكرار مثل هذه الانحرافات بوضوح عجزهم على خلق طموح لاسترجاع ثقة الشعب في المؤسسات وخلق استقرار سياسي للبلد".