أسابيع قليلة تفصلنا عن الانتخابات المغربية، لينطلق سباق الأحزاب السياسية في المغرب بحثاً عن الفوز بالمرتبة الأولى، والظفر برئاسة الحكومة وقيادة الأغلبية، وفق ما ينص عليه الدستور المغربي.
وبدأت الأحزاب السياسية حملتها "غير الرسمية" للتشريعيات المقبلة بالترويج لبرامجها الانتخابية ميدانياً وافتراضياً، وذلك باستغلال مواقع التواصل الاجتماعي.
ومن بين الأحزاب السياسية التي تتصدر المشهد الانتخابي في المغرب حزب العدالة والتنمية، الذي ترأس الحكومة لولايتين، ويقوده سعد الدين العثماني، ويتمتع بشعبية كبيرة، وحزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يترأسه الملياردير عزيز أخنوش.
أيضاً يوجد في المشهد الانتخابي كل من حزب الأصالة والمعاصرة الذي يقود الأغلبية، ويُراهن على الفوز بالانتخابات المقبلة، وفيدرالية اليسار، هذا المكون الحزبي الذي يُقدم برنامجاً انتخابياً قد يؤهله، حسب مراقبين، إلى تحقيق نتائج متقدمة مقارنة بالانتخابات الماضية.
العدالة والتنمية.. 10 سنوات من الحكم
قبل 10 سنوات، وفي سنة 2011، اختار حزب العدالة والتنمية بقيادة عبد الإله بنكيران أن ينزل بثقله في الانتخابات التشريعية، وكان الفوز حليفه، إذ حصل على المرتبة الأولى، واستطاع قيادة الحكومة لولايتين متتاليتين، 2011 و2016.
واستطاع العدالة والتنمية أن يقفز بالمغرب على شرارة الربيع العربي، وقدم برنامجاً انتخابياً عنونه بـ"من أجل مغرب جديد- مغرب الحرية والكرامة والتنمية والعدالة"، واليوم يستعد للموعد رغم أنه لم يُدشن حملته الانتخابية بعد.
بلال التليدي، المحلل السياسي المغربي، قال إن "الطريقة التي يستعد بها حزب العدالة والتنمية للاستحقاقات الانتخابية المقبلة هي طريقة عادية، ولم يظهر عليها إلى الآن أي تغيُّر لما كان عليه الأمر في السابق، لأنه يخضع لمسطرة تنظيمية تجعل من إفراز النخب التي سيرشحها لخوض سباق الانتخابات مسألة تأخذ بعض الوقت، إذ إن هذه المسطرة تشترط جملةً من الترتيبات الديمقراطية، ويتم الترشيح على مستويات، ثم التزكية، إلى أن تصل إلى مستوى التزكية الوطنية".
وأضاف المتحدث أن "هناك تأخراً بخصوص البرنامج الانتخابي لحزب العدالة والتنمية الذي يقود الحكومة، لكن هذا التأخر نسبي، ولن يُؤثر على الاستحقاقات المقبلة، لأنه مازال يفصلنا عن الانتخابات على الأقل شهران".
وقال المتحدث: "ما ألاحظه كمراقب أن هناك ميلاً من جهة القيادة الحالية لحزب العدالة والتنمية لخوض هذه الانتخابات تحت عنوان "الإنجاز"، أي الدفاع عن الحصيلة التي قدمها الحزب، سواء على المستوى الحكومي أو تدبيره للجماعات المحلية، عكس الحملات السابقة، إذ اختار الحزب عناوين سياسية أخرى من قبيل: "مواجهة التحكم"، أو "محاربة الفساد".
وأشار المحلل السياسي أن "العدالة والتنمية يستعد للدخول إلى الانتخابات بعنوان تدبيري، أي بتقديم حصيلة عمله لـ10 سنوات، والدفاع عنها وسط استهدافات كثيرة ينظر الحزب إليها على أساس أنها موجهة ضده، سواء من نخب داخل الدولة أو خارجها، ويمكن للأمر أن يؤثر على جوهر هذه الاستعدادات".
الأحرار.. حزب يُراهن على الأعيان
وفي الوقت الذي يُراهن فيه حزب العدالة والتنمية على قاعدته الشعبية التي وسّعها في العقد الأخير، يستعد حزب التجمع الوطني للأحرار للنزول بثقله في الانتخابات المقبلة، وذلك برهانه على أعيان المناطق والجهات، بالإضافة إلى أصحاب المال والأعمال.
ويختار حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي يُشارك في الأغلبية الحالية، أن يستقطب أسماء وازنة في مختلف مناطق المغرب، خصوصاً في جهة سوس، حيث يستقر أغلب الأمازيغ، وهي المنطقة التي ينتمي لها رئيس الحزب عزيز أخنوش.
ودشن عزيز أخنوش، الذي يتولى حقيبة وزارة الفلاحة في الحكومة الحالية انطلاقة حملته الانتخابية من مسقط رأسه وموطنه ونقطة قوته، مدينة أكادير جنوبي المغرب، وذلك للبحث عن قاعدة انتخابية قوية.
المحلل السياسي بلال التليدي، قال في تصريح لـ"عربي بوست"، إن "الحملة التي يقوم بها حزب التجمع الوطني للأحرار يُمكن أن تكون قوية ولها آثارها، إذ إنها تترك تداعيات على المستوى السياسي يمكن أن تكون خادمة لحزب العدالة والتنمية".
وأضاف المتحدث أن "حزب التجمع الوطني للأحرار كما هو معلوم كان دائماً في دائرة التدبير، ورئيسه في الحكومة ولم يخرج منها، وتلون بأكثر من لون سياسي، وهو معروف أنه رجل أعمال، ولديه ملفات ترتبط بالمحروقات، هذه الأخيرة التي فتحت نقاشاً كبيراً داخل لجنة الاستطلاع البرلمانية، وأيضاً داخل الرأي العام، الذي خرج بمقاطعة اقتصادية لمجموعة من المنتجات منها التابعة لأخنوش".
واعتبر التليدي في تصريحه لـ"عربي بوست"، أن "الاستعدادات التي يقوم بها حزب التجمع الوطني للأحرار لا يمكن أن تكون مُضرة للحملة الانتخابية للعدالة والتنمية، وإنما العكس، لأن هذا التجمع يقوم بأخطاء كثيرة على مستوى تصريف التعبيرات السياسية، والأمر الذي يخدم منافسه الأول، العدالة والتنمية".
الانتخابات المغربية. قوة المعارضة
"الأحزاب تنطلق عادة من مراكز قوتها"، هذه الجملة التي يعمل بها حزب الأصالة والمعاصرة المعارض، والذي يُراهن على منطقة الريف، التي دعم فيها قانون تقنين زراعة القنب الهندي.
ورغم أن حزب الأصالة والمعاصرة يعيش انقساماً داخلياً، خصوصاً بعد الانشقاق الذي حصل في مسقط رأسه بمنطقة الرحامنة (نواحي مدينة مراكش)، إلا أن الحزب مازال يُراهن على كفاءاته لدخول غمار الانتخابات المقبلة.
حزب الأصالة والمعاصرة مثله مثل الأحزاب المغربية الأخرى سيعيش ضغط تغيير القوانين الانتخابية، التي يُمكنها أن تُغير المشهد الحزبي الحالي، خصوصاً مسألة القاسم الانتخابي، التي تم التصويت عليها مؤخراً.
المحلل السياسي بلال التليدي قال لـ"عربي بوست" إن "التغييرات التي حدثت في القوانين الانتخابية، وبشكل خاص ما حصل في موضوع القاسم الانتخابي، ستؤثر على نتائج الانتخابات، ولن تعطي أي فاعلية وحسم في موضوع الحملة الانتخابية".
وأضاف المتحدث أن "أي حملة انتخابية كيفما كان نوعها ستؤدي بالحزب إلى الفوز بمقعد واحدٍ فقط، وهذا لن يُزكي المنافسة، بل سيدفع بعض الأحزاب أن تقوم بأقل ما تقوم به، من أجل أن تُحصل هذا المقعد المضمون".
وقال تليدي: "تصوري أن الاستعدادات الانتخابية التي يجب التفكير فيها هي المناطق التي ستكون حاسمة، والتي يُشكك في نتائجها، ولأي حزب يُمكن أن تؤول، وهنا أتحدث عن المجال القروي، والدوائر التي توجد في الأقاليم الجنوبية، ومناطق زراعة الكيف، وهي التي ستكون حاسمة في النتائج الانتخابية".