كشفت صحيفة The Financial Times البريطانية أن الإمارات أجرت مؤخراً مناقشات للحدِّ من التوترات مع تركيا، ونقلت الصحيفة في تقرير نشرته الثلاثاء 8 يونيو/حزيران 2021، عن مسؤول إماراتي قوله إن السعودية تقود التواصل مع تركيا.
يزعم تقرير الصحيفة الأمريكية أن هذا التقارب الإماراتي – التركي يدخل في إطار استراتيجية جديدة بدأت أبوظبي في اتباعها من أجل تجاوز إخفاقات سياستها التي امتدت طيلة 10 سنوات والتي تقوم على تقوية نفوذها من خلال التدخلات العسكرية في أكثر من منطقة.
إذ كانت أبوظبي أحد الأطراف الإقليمية الأبرز قوةً في العالم العربي، فقد عملت الدولة الخليجية على استخدام ثروتها البترودولارية وقوتها العسكرية لدعم حلفائها وإضعاف أعدائها.
تغيير في استراتيجية الإمارات
لكن بعد أن صدمت جائحة كورونا اقتصادَ الدولة الخليجية وبرهنت على حجم ارتباطها بالتجارة العالمية، تحول تركيز مسؤوليها عن نهج التدخلات القوية، ومنها التدخلات العسكرية، إلى ما يُعرف بالدبلوماسية "الاقتصادية، حسبما قال شخصان مطلعان على التحول الاستراتيجي لها.
على إثر ذلك، بات الحكم على الدبلوماسيين والسفارات الإماراتية خارج البلاد يعتمد اعتماداً أكبر على قدراتهم على جذب الاستثمارات إلى الدولة التي لطالما قام اقتصادها على النفط وتجارته.
في هذا السياق، قال مسؤول إماراتي رفيع المنصب لصحيفة The Financial Times: "لقد فكَّرنا فيما هو أفضل للإمارات. وسيكون هناك تركيز أكبر بكثير على الاقتصاد".
يبدو هذا الاتجاه أحدث أمارة على أن الوباء وانتخاب جو بايدن رئيساً للولايات المتحدة ما لبثا يجتمعان لتغيير ديناميكيات الشرق الأوسط وتوليد تحركٍ مبدئي نحو وقف التصعيد بعد سنوات ترامب المليئة بالاضطرابات.
بالتزامن مع التوجيهات الجديدة، تسعى أبوظبي إلى دور أشد فاعلية في التوسط من أجل حل النزاعات، مثل تلك التي بين السودان وإثيوبيا وحتى الهند وباكستان، بحسب ما تقول المصادر.
بعد عَقد من التدخلات العسكرية
تشكِّل الاستراتيجية المعدَّلة تحولاً كبيراً للدولة التي برزت تحت قيادة محمد بن زايد آل نهيان، ولي عهد أبوظبي والحاكم الفعلي لدولة الإمارات، على أنها إحدى القوى الأشد عدوانية في العالم العربي في أعقاب الانتفاضات الشعبية عام 2011.
بعد أن تعالى دويّ الثورات في جميع أنحاء الشرق الأوسط، سعت الإمارات إلى فرض رؤيتها على المنطقة، مدفوعةً إلى ذلك بقناعة من الشيخ محمد بأن دولته يجب أن تملأ الفراغ الملحوظ الناجم عن اللامبالاة الأمريكية وأن تأخذ زمام المبادرة في العمل على منع صعود الحركات الإسلامية ومواجهة نفوذ إيران.
أفضى النهج العدواني بالإمارات إلى نشر آلاف الجنود في الحرب على اليمن، كما أصبحت أحد الداعمين الرئيسيين لأمير الحرب الليبي، خليفة حفتر، في انقلابه على الحكومة المعترف بها دولياً. وفي عام 2017، كانت أبوظبي في طليعة الدول المشاركة في الحصار على قطر.
"فشل" ألحق ضرراً بسُمعة أبوظبي
عزَّزت التدخلات من مكانة أبوظبي ونفوذها، إذ انتقلت الدولة الصغيرة الغنية بالنفط من دور الشريك المهم للغرب في المنطقة إلى أفق آخر تتجاوز مقتضياته وزنها التاريخي. لكن لا شيء من هذا انتهى بنجاح كبير، بل ألحق بعضه ضرراً فادحاً بسُمعة الإمارات.
ففي اليمن، فشل التحالف السعودي الإماراتي في طرد الحوثيين، وسحبت أبوظبي معظم قواتها على الأرض في عام 2019 مع تصاعد التوترات الإقليمية مع إيران، وتصاعد الانتقادات للحرب التي تسببت في كارثة إنسانية.
في ليبيا، كابد حفتر سلسلة من الهزائم العام الماضي، بعد أن تدخلت تركيا عسكرياً لدعم الحكومة الليبية المدعومة أممياً وإنهاء هجوم أمراء الحرب ضد العاصمة طرابلس. ويقول دبلوماسيون غربيون إن الإمارات سحبت في الأشهر الأخيرة أصولها العسكرية من ليبيا. وفي يناير/كانون الثاني، احتذت أبوظبي حذو السعودية، ورفعت حصارها عن قطر.
يقول إميل الحكيم، خبير شؤون الشرق الأوسط في "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية"، إن أبوظبي أدركت أنه "لا مكاسب كبيرة لها في أي مكان في الوقت الحالي".
تغييرات في المنطقة
أضاف الحكيم أنه كان من المنطقي أن تركِّز قيادتها على التعافي الاقتصادي، وتضع نفسها في موقع يمكِّنها من الاستفادة من عالم ما بعد الوباء، وهو موضوع ما انفك المسؤولون الإماراتيون يتحدثون عنه.
كما أشار الحكيم إلى أن الإماراتيين "اختبروا الافتراض القائل بأن القوة العسكرية يمكن أن تجلب مكاسب ضخمة، لكن اتضح أن الأمر ليس كذلك حقاً، ومن ثم فهم يُعيدون ترتيب الأمور تبعاً لذلك الآن.
في حين أنه لا أحد يعرف ما إذا كان هناك تحول فعلي في عقلية القيادة، لكن ما نراه بوضوح هو تقليص أبوظبي لحجم تدخلاتها العسكرية، والتراجع عن استعراض قوتها، والتركيز على ما هو أكثر استراتيجية من جهة أمنها الكلي وازدهارها".
إلى الرأي نفسه تذهب إلهام فخرو، محللة الشؤون الخليجية في "مجموعة الأزمات الدولية"، إذ تعتقد أن الإمارات أدركت أن المزاج في المنطقة قد تحول نحو الدبلوماسية مع انتخاب إدارة بايدن، وأن الوقت قد حان للاستفادة من ذلك، ومن ثم "لم تعد الإمارات تريد أن يُنظر إليها على أنها تتدخل علانية في النزاعات الإقليمية، مثل ليبيا، أو أنها تسلِّح جهات متحالفة معها".
مع ذلك، تقول إلهام فخرو: "لكنني لا أعتقد أن الإماراتيين ينصرفون حقاً عن نهجهم المائل إلى الصدامية، وإنما يريدون فقط أن يكونوا أذكى من التصريح به، وهذا يعني توسيع نطاق جهودهم في الدبلوماسية والوساطة أيضاً".
محاولة "تطبيع" العلاقات مع تركيا
بالفعل، قال المسؤول الإماراتي الذي تحدثت إليه الصحيفة إن الإمارات "فخورة" بـ"إنجازاتها" في اليمن، مستشهداً بما يقول إنها إنجازات حققتها الإمارات ضد عناصر تنظيم القاعدة، ووقف تقدم الحوثيين في الجنوب.
إذ قال شخص آخر مطلع على التحول الإماراتي إنه بالإضافة إلى محادثات القنوات الخلفية مع إيران، أجرت الإمارات مؤخراً مناقشات للحدِّ من التوترات مع تركيا.
أشار المسؤول الإماراتي إلى أن السعودية تقود التواصل مع تركيا، مضيفاً أن "النهج الإماراتي هو رؤية ما سيسفر عنه ذلك".
في تصريح سابق أعلن وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي، أنور قرقاش، في يناير/كانون الثاني الماضي، أن بلاده تريد "علاقات طبيعية" مع تركيا، متحدثاً عن مؤشرات مشجعة لتحقيق ذلك.
قرقاش أوضح في مقابلة مع قناة "سكاي نيوز عربية"، التي تبث من أبوظبي: "نريد أن نقول لتركيا إننا نريد علاقات طبيعية تحترم السيادة بيننا وبينها"، مشيراً إلى وجود مؤشرات تركية مشجِّعة مثل "الانفتاح الأخير مع أوروبا".
كما قال الوزير الإماراتي إن بلاده "لا يوجد لديها أي سبب لكي تختلف مع تركيا"، لكنه أضاف: "نريد لأنقرة ألا تكون الداعم الأساس للإخوان المسلمين".
حيث أردف قائلاً: "إن هناك تحسساً في المنطقة من دور الإخوان المسلمين وتحريضهم، وتبني هذه المجموعة ليس في صالح العلاقات التركية العربية".
غير أن الحكيّم أبدى توجسه من أن اتجاه التحركات الفعلية نحو خفض التصعيد في المنطقة كان "هشاً للغاية"، محذراً من أن "كل المشكلات لا تزال قائمة، وكما رأينا حدود الإجبار في عهد ترامب، فإننا الآن سنواجه حدود الدبلوماسية".