ما إن تبدأ أحداث جسام بالتململ حتى يُطلُّ علينا في كل مرة ملثم بالكوفية الحمراء، صاحب صوت قعقاعي شديد التأثير، يروي الحكاية بعيون المقاومة، يشد على أيدي الصامدين، الثابتين على الحق، مَنْ أيديهم على الزناد ومن يناصرون ويساندون، يهدد ويتوعد الاحتلال بنبرة تذيب حتى قلوب الحجارة الصماء، ولذا لا عجب أن ترى تل أبيب تقف على رجل واحدة وتهرع إلى الملاجئ أو تخرج للاستراحة والتنفس بعد رسالة يوجهها إليهم ويملي أوامره وتعليماته إبان حرب سيف القدس!
يبث هذا الرجل رسائل واضحة الهدف، شديدة التوجيه، لكافة الجبهات بصوت قعقاعي جهوري يجذب السامع رغماً عنه، مهما كانت جنسيته أو هويته أو انتماءاته، يدفعه لأن يصمت مصغياً بكل حواسه، ولا يقتصر الأمر على الاستماع فقط، أبداً، بل ينفذ الصوت إلى أعمق أعماق الروح والجسد، لتستجيب الحواس والذهن أيضاً.
يتكلم هذا القائد بطلاقة عجيبة، لا ينظر إلى ورقة ليتذكر ما سيقول، ولا يتلعثم لسانه فيعود لتصحيح ما نطق به، أبداً، هو يعرف تماماً ما يقول، وكيف سيقوله، وما الهدف من قول ما سيقول!
ولذلك أستطيع أن أقول وبثقة تامة إنه لا يمكن لاثنان أن يختلفا مهما كان مستواهما من العلم والتفكير والثقافة على أن " أبو عبيدة شخص مؤثر جداً صاحب كاريزما ليس له مثيل في العالم اليوم!"
ولا يقتصر أمر "أبوعبيدة" على الصوت شديد التأثير، أبداً، بل يعزز ذلك عيون لامعة شديدة الوثوق، تظهر من خلف الكوفية الحمراء الملفوفة بعناية، تنظر إلى الأمام بحدة وتركيز مثل عيون صقر عربي يرقب ما يجري على الأرض من عليائه في السماء، تروي العيون جزءاً من الحكاية بسردية شديدة التأثير، تدفع حتى الأعداء لأن يثقوا بما يقول، ويصدقوه دون أن يداخل قلوبهم أي شك في مصداقيته.
يزيد على ذلك اليد اليمنى التي ترتفع خلال جزء من الكلام لتؤدي وظيفتها المهمة في التأكيد على مصداقية الكلمات والجمل التي ينطقها، وسبابته التي تتوعد وتحذِّر أيضاً في ترسيخ وإقرار لما جاءت به الرسالة.
يهتز الرأس أيضاً في مرونة مناسبة في بعض أجزاء من الرسالة، مؤدياً الغرض الذي يؤديه تحريك اليد.
الجزء الظاهر من جسم أبوعبيدة (الناطق باسم كتائب القسام) يعمل معاً بانسجام تام ليؤكد على مدى صدق المقاومة التي يتكلم باسمها، ومدى إيمان المقاومة برسالتها العظيمة التي تؤديها. وفي كل مرة لا ينسى أيضاً أن يغرس الأمل في النصر وقرب الخلاص في كل من يصغي لكلماته من أبناء شعبه وأبناء العروبة والدين.
لننتقل إلى النقيض: نتنياهو، رئيس وزراء الكيان المحتل، هل يتكلم بالطلاقة ذاتها؟ وهل ينضح الإيمان من ثنايا عباراته؟ وهل يبدو الصدق جلياً في كلماته مثل غريمه؟ دعونا نقرأ تفاصيل جسده وما يشي لنا لنعرف ما يخفي نتنياهو عنا خلف أسوار جسده.
في مؤتمر صحفي بتاريخ 11 مايو/أيار 2021، وقف نتنياهو خلف منصة مرتفعة تخفي ثلاثة أرباع جسده، ويعلم خبراء لغة الجسد أن المنصات ما وُجدت إلا لتُشعر المتكلم خلفها بالحماية، فهي ستار واقٍ يُشعر الخطيب المتردد الوَجِل بالأمان! شيء آخر يلفت الانتباه إلى نتنياهو، فهو لا يكاد يقول جملة من دون أن يرجع بنظره إلى الورقة الموجودة أمامه على المنصة، وهو ما يدلل على انعدام الثقة بنفسه وبما يقول، فالمسألة ليست لأنه لا يعرف ما يريد قوله أو لأنه لا يحفظه، ولكنه يريد الهروب بعينيه اللتين انطفأ بريقهما ممن يتواجدون أمامه.
بالرغم من أن وجه نتنياهو يكون مكشوفاً وبادياً للحضور، فإنه لا يستعمل إيماءات وجهه لتعزيز ما يقول، والتأكيد على مصداقيته، ما يجعل لدى المشاهد شكَّاً فيما يتلفظ به هذا الرجل، فهو يقف على المنصة مثل تلميذ يشكُّ في قدراته، لا يحفظ الدرس جيداً، ولكنه يحاول إقناع المعلم أن يمنحه علامة جيدة ينجو بها من عقاب والده.
عندما قال: فجرنا عشرات المباني لقيادة حماس، وفجرنا أبراجاً تستخدمها المنظمات الإرهابية، هنا هرب نتنياهو بنظره إلى الورقة محتمياً بها، ولم يرفعه إلا عندما انتهى إلى فكرة جديدة.
لم يؤكد على تهديده بلغة جسده وهو يقول: حماس والجهاد الإسلامي دفعوا وسيدفعون ثمناً باهظاً على عدوانيتهم، بل عبر عنها سريعاً كأنه يفر من خطر يتهدد مصداقيته.
عندما وجه كلامه إلى مواطنيه طالباً منهم الالتزام بتعليمات وتوجيهات الجيش كان يجعل من إصبعيه السبابة والإبهام حلقة نستعملها للتهديد والوعيد، وكأنه هنا يتوعد مواطنيه ويهددهم، لا يطمئنهم!
رأسه يتحرك بصورة مبالغ فيها، مشيراً إلى مدى توتره وعدم ثقته بنفسه وبما يقول، خاصة عندما قال: هاجم جيشنا مئات الأهداف في غزة.
وهنا تحديداً فهمنا أنه يكذب..
استعمل يده في نهاية المؤتمر الصحفي ولفترة قصيرة، ثم غادر بعدها المنصة بسرعة وكأنه يهرب من الحاضرين قبل أن يكتشفوا حقيقة ما يشعر به من اضطراب وقلق ما إن نطق بعبارة: سنعيد الأمن لمواطني إسرائيل!
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.