رفض ممثلو قبائل في ناميبيا تعرضوا لإبادة جماعية على يد ألمانيا في بداية القرن العشرين، العرض الذي قدمته برلين لتعويضهم عن الضرر والذي حددته بمليار يورو، فيما طالبوا بمبلغ 480 مليار يورو، وفق ما ذكره تقرير لصحيفة The Times البريطانية، الأربعاء 2 يونيو/حزيران 2021.
الصحيفة البريطانية أشارت إلى أنه بموجب الاتفاقية التي تم التوصُّل إليها الشهر الماضي، مايو/أيَّار، سيقر الرئيس الألماني شتاينماير رسمياً بأن ألمانيا ارتكبت إبادة جماعية، وسيعتذر في البرلمان الناميبي في وقتٍ لاحق من العام الجاري. وستذهب الأموال لمشاريع إعادة الإعمار والتنمية في ناميبيا.
عرض ألماني "مهين"
مع ذلك، يقول ممثِّلون من قبيلتي هيريرو وناما، اللتين استهدفتهما الإبادة الجماعية بين عامي 1904 و1908 في ناميبيا، إنهم يعارضون الاتفاقية. وذكرت صحيفة Bild الألمانية أن ميناسي زيرايوا، رئيس السلطة التقليدية للقبائل، وصف العرض الألماني بـ"المهين"، وقال إنه فوجئ بنتيجة المحادثات وإنه يجب تعليق الاتفاقية بينما يستشير أفراد القبائل.
كما انضمَّت مجموعةٌ أخرى من قبيلة هيريرو إلى دعوته للحصول على 8 تريليونات دولار ناميبي، أو 480 مليار يورو، تُدفَع على فترة 40 عاماً، وهو مبلغ قالوا إنه يمكن مقارنته بالتعويضات التي دُفِعَت لليهود بعد الحرب العالمية الثانية. ودعوا أيضاً إلى دفع الأموال مباشرةً إلى الجماعات المعنية وليس عن طريق الحكومة الناميبية.
أيضاً انضمَّ عددٌ من السياسيين، بمن فيهم أعضاءٌ في حزب سوابو الحاكم، إلى منتقدي الاتفاقية. ووصف الوزير السابق في الحكومة الناميبية، كازينامبو كازينامبو، المفاوضين الناميبيين بـ"المهرِّجين"، واتَّهَمَ الحكومة الناميبية بأنها "دميةٌ في يد ألمانيا".
إبادة 75 ألفاً في ناميبيا
كان حوالي 75 ألف شخص قد قُتِلوا في ما عُرِفَ آنذاك بجنوب إفريقيا الألمانية، في الفترة بين سحق قوات الإمبراطورية الألمانية انتفاضة هيريرو وناما، وحتى دفع الناجين إلى الصحراء، حيث مات الآلاف من الجوع والجفاف.
حُصِرَ الناجون في معسكرات اعتقال، حيث مات ما لا يقل عن نصفهم بسبب المرض وسوء التغذية والإرهاق والضرب والإعدام. ووصف المؤرِّخون ذلك بأنها أول إبادة جماعية في القرن العشرين.
فيما شدَّدَت برلين على أن الفظائع كانت إبادةً جماعية "من منظور اليوم"، وأن المبلغ المُتَّفَق عليه يستند إلى التزامٍ أخلاقي وسياسي، وليس التزاماً قانونياً.
بحسب الصحيفة البريطانية لا تشكِّل قبيلتا هيريرو وناما سوى جزءٍ صغيرٍ من إجمالي السكَّان في ناميبيا، بينما تتكوَّن الحكومة في الغالب من أفرادٍ من جماعة أوفامبو العرقية.
إذ من المُقرَّر أن يسافر وزير الخارجية الألماني هيكو ماس إلى العاصمة الناميبية ويندهوك في 11 يونيو/حزيران للتوقيع على الاتفاقية، بعد يومين فقط من إقرارها المُنتَظَر في البرلمان الناميبي.
سنوات من المفاوضات لتقويض الأزمة
كانت الفظائع التي اقترفها الألمان في ناميبيا قد قوّضت العلاقات بين البلدين لفترة طويلة، وخاض البلدان عملية تفاوض مطوّلة دامت عدة سنوات من أجل التوصل إلى السبل الكفيلة بإزالة الإرث الثقيل لجرائم الإبادة تلك.
في عام 2018، أعادت ألمانيا إلى ناميبيا بعض الرفات البشري الذي كان قد استخدمه الألمان في "أبحاث علمية" سعت لإثبات التفوّق العرقي للأوروبيين البيض، وهي أبحاث ينظر إليها الآن على أنها سيئة السمعة.
فيما قال وزير الخارجية الألماني إن المفاوضات مع الجانب الناميبي كانت تهدف إلى "إيجاد أرضية مشتركة وطريق مشترك نحو صُلح حقيقي يستذكر الضحايا" مع أفراد جماعتي هيريرو وناما الذين كانوا ممن شاركوا في العملية التفاوضية.
كما أضاف في بيان رسمي: "سنشير رسمياً، ومن الآن فصاعداً، إلى تلك الأحداث من المنظور المعاصر ألا وهو أنها كانت جرائم إبادة جماعية".
كان فيكوي روكورو، وهو كبير زعماء الهيريرو القبليين، والذي كان قد حاول مقاضاة ألمانيا أمام القضاء الأمريكي، قد قال إن الاتفاق الأخير ليس كافياً للتعويض عن "الضرر الدائم" الذي تعرّض له شعبه على أيدي القوات المستعمرة.
كما قال روكورو لوكالة رويترز: "لدينا مآخذ على اتفاق بهذا الشكل، وهو اتفاق يمثل تنازلاً كاملاً من جانب الحكومة الناميبية".