بات لبنان مهدداً بظلام شامل، في ظل عجز الحكومة عن تأمين الوقود المخصص لتشغيل محطات توليد الكهرباء، جراء عدم توفر نقد أجنبي للاستيراد، ضمن أزمة اقتصادية حادة.
مصدر في مؤسسة كهرباء لبنان (رسمية) قال إن المخزون الحالي من وقود تشغيل محطات توليد الكهرباء يكفي تسعة أيام فقط، وأضاف المصدر طالباً عدم نشر اسمه، أن ثلاث سفن لاستيراد الوقود تنتظر موافقة المصرف المركزي لتحويل الأموال اللازمة، من أجل تفريغ حمولتها في خزانات محطات توليد الكهرباء.
فيما ترفض بواخر الوقود تفريغ حمولتها في المخازن على الموانئ، قبل تحويل مصرف لبنان قيمة المشتقات لصالح للشركات الموردة بسبب شح وفرة النقد الأجنبي.
وتبلغ كلفة الوقود الذي تحمله السفن الثلاث حوالي 42 مليون دولار، وهو يكفي لتشغيل المحطات بضعة أسابيع فقط، بحسب المصدر.
أزمات متتالية على لبنان
بينما يحتاج لبنان إلى قدرة 3200 ميغاواط من الكهرباء، انخفض إنتاجه مؤخراً إلى 800 ميغاواط، الأمر الذي زاد عمليات القطع وقلل فترات إمدادات الطاقة، مقارنة بحوالي 2100 ميغاواط قبيل الأزمة في أكتوبر/تشرين الأول 2019.
منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، يعاني لبنان انقطاع الكهرباء، حيث تشهد مناطقه كافة تقنيناً للتيار.
إلا أن الأزمة الاقتصادية، القائمة منذ الربع الأخير 2019، ضاعفت ساعات التقنين على السكان (6 ملايين نسمة)، حتى بات انقطاع التيار يصل إلى 20 ساعة في بعض المناطق.
وبلغت كلفة استيراد الوقود المخصص لتوليد الكهرباء 900 مليون دولار في 2020، في وقت سجل فيه احتياطي العملات الأجنبية في المصرف المركزي انخفاضاً غير مسبوق، من قرابة 40 مليار دولار إلى 16 ملياراً.
مصالح متضررة
أزمة الكهرباء زادت أوجاع اللبنانيين، الذين يعانون معيشياً بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية، وما يرافق ذلك من صعوبات يومية في الحصول على الوقود والأدوية.
فضلاً عن ضعف مصادر توليد الطاقة، فإن ثمة خسائر مالية ناتجة عن سوء إدارة قطاع الكهرباء تقدر بقرابة 45.165 مليار دولار بين عامي 1992 و2020، وفق خبراء.
علي الأتات (طبيب) قال إن ازدياد انقطاع الكهرباء يسبب أذى كبيراً في مصالح السكان والقطاعات الإنتاجية، لا سيما الطبي منها، الذي يحتاج إلى الطاقة باستمرار. وأضاف: "ما نعيشه يشعرنا بالقهر والذل"، مُحملاً المسؤولية لسياسات الدولة.
ويهدد النقص الحاد في العملات الأجنبية بإنهاء عقود القطاع الخاص لصيانة محطات الطاقة وتوليد الطاقة المؤقت، بحسب تقرير صدر الثلاثاء عن البنك الدولي.
وبحسب التقرير، فإن إيرادات شركة كهرباء لبنان التي تتم بالعملة المحلية (الليرة) ستتقلص، بسبب زيادة الخسائر وتراجع التحصيل، وتراجع فترات إمدادات الطاقة في عموم البلاد.
بدائل باهظة
ورأى المواطن موسى الحريري أن موضوع الكهرباء وصل إلى مرحلة حرجة، "ولم نعد نحتمل ازدياد ساعات انقطاع التيار"، وأضاف أن "الحلول البديلة التي نستخدمها، كاشتراك المولدات الخاصة أو البطاريات، لم تعد تنفع في ظل التقنين المتواصل، وباتت تكلفتها مرتفعة".
بجانب الكهرباء التي تؤمّنها الدولة، يعتمد اللبنانيون على مولدات الديزل الخاصة لتعويض ساعات انقطاع التيار، حيث يدفعون اشتراكات شهرية مقابل تزويدهم بالطاقة.
ويشكو أصحاب المولدات بدورهم من صعوبات كبيرة في تأمين الديزل لتشغيل المولدات، ويقولون إنهم يلجأون أحياناً إلى السوق السوداء لتوفيره، ما يؤدي إلى ارتفاع الاشتراكات، من خلال تحميل فروقات أسعار الصرف للمستهلك النهائي.
متفقاً مع الحريري، قال المواطن ربيع آغا إن اشتراك المولدات الخاصة لم يعد يكفي، وكلفتها باتت باهظة جداً، والوضع أصبح كارثياً، "من العار أنه في 2021 نعاني من انقطاع الكهرباء في لبنان، هذا وضع مخجل".
ومنذ 2013، كان لبنان يستأجر جزءاً من حاجته إلى الطاقة الكهربائية من شركة "كارادينيز" التركية، بواسطة باخرتين ترسوان عند شواطئه.
لكن منتصف مايو/أيار الماضي، أعلنت الشركة التوقف عن تزويد لبنان بالكهرباء؛ بسبب تأخر الحكومة في سداد 150 مليون دولار، بجانب إجراءات قانونية مع حكومة تسيير الأعمال في البلاد، فيما كانت الباخرتان تؤمّنان 370 ميغاواط من الكهرباء.