حماس من قفص الاتهام إلى طاولة التفاوض.. لماذا تغير الموقف المصري فجأة تجاه المقاومة الفلسطينية؟

عربي بوست
تم النشر: 2021/06/01 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/06/01 الساعة 12:59 بتوقيت غرينتش
رئيس حركة حماس في قطاع غزة يحيى السنوار يعانق رئيس المخابرات المصرية عباس كامل/ رويترز

في زيارة تعتبر الأهم في تاريخ القطاع، وصل إلى غزة مدير المخابرات العامة المصرية عباس كامل، لإتمام المباحثات التي تقودها مصر بين الاحتلال الإسرائيلي من جهة والمقاومة الفلسطينية من جهة أخرى، في إطار الوساطة المصرية التي أدت لوقف إطلاق النار بين الطرفين الشهر الماضي.

وكما كان متوقعاً سيطرت اللقطات الدبلوماسية على المشهد، فعلى وقع الأغاني المصرية الوطنية استقبلت حماس المدير السابق لمكتب السيسي، الذي تبادل العناق مع يحيى السنوار، الرئيس التنفيذي لحركة حماس في القطاع وأحد أهم المطلوبين لدى الاحتلال الإسرائيلي.

عناق مليء بالتفاصيل

مشهد العناق الذي استفز البعض رغم كونه معتاداً في مثل تلك اللقاءات الدبلوماسية، ترك خلفه الكثير من التساؤلات حول الموقف المصري تجاه المقاومة، التي تقودها الذراع السياسية لحماس في غزة، فالحركة التي تُبادل عباس كامل العناق كانت قبل أسابيع قليلة من الحرب الأخيرة محط هجوم وتحريض مستمرين من الإعلام المصري، خاصة الوسائل الإعلامية المقربة للسيسي، والأمر لم يقتصر يوماً على الهجوم الإعلامي على الحركة، بل وصل حد اتهامها رسمياً بالوقوف وراء عدد من العمليات الإرهابية في مصر، وتحميلها مسؤولية الانفلات الأمني الذي صاحب ثورة يناير، بالإضافة لحبس عشرات المصريين على ذمة قضايا "التخابر مع حماس".

لكن هذا التحول في المشهد بين تحريض أحمد موسى للجيش المصري على قصف قطاع غزة، وعناق رئيس المخابرات والسنوار لم يكن غريباً، فإذا نظرنا إلى الوراء قليلاً سنفهم "شيزوفرينيا" النظام المصري في التعامل مع خصومه، فقبل أشهر قليلة من استقبال السيسي لوزير الخارجية القطري عكف الإعلام المصري على مهاجمة الدوحة والتحريض على مقاطعتها اقتصادياً وسياسياً، وهو الموقف نفسه الذي اتخذه إعلام "أحمد موسى" من الحكومة التركية، قبل أن يتوقف عن تناول الشأن التركي تماماً بأمر رئاسي، وفقاً لصحف مصرية مستقلة.

وفي كلا المشهدين سيطرت المصالح المصرية على تحركات القاهرة، سواء بالهجوم والتحريض أو التقارب والتودد، وهو بكل تأكيد السبب ذاته لتغير الموقف المصري تجاه المقاومة الفلسطينية ككل، وعلى رأسها حركة حماس.

فماذا تستفيد القاهرة من التقارب مع غزة، التي كانت قبل عقود قليلة تحت الوصاية المصرية؟

1- إخضاع بايدن

على عكس حالة القلق التي كانت واضحة على الإعلام والمسؤولين في القاهرة جراء وصول الديمقراطي جو بايدن إلى سدة الحكم في واشنطن، بدت تعليقات الصحفيين المقربين للنظام في مصر أكثر هدوءاً وارتياحاً في الأيام الأخيرة، بعد نجاح السيسي في وضع نفسه كحجر أساس لأي وساطة محتملة بين المقاومة والاحتلال، ما دفع بايدن للاتصال بالسيسي لأول مرة منذ وصوله إلى البيت الأبيض، لبحث سبل وقف إطلاق النار الذي سعت إليه تل أبيب، وبهذه الطريقة حوّل السيسي قلقه تجاه المكالمة الأولى مع الرئيس الأمريكي الجديد، التي كان من المتوقع أن تتناول شؤوناً مصرية داخلية، كملف حقوق الإنسان سيئ السمعة دولياً، إلى مكالمة ودّية حاول خلالها بايدن استجداء السيسي لوقف الرشقات الصاروخية التي أجبرت الإسرائيليين على الهرولة نحو الملاجئ، والوقوف على رِجل واحدة.

2- صدارة المشهد الإقليمي

تقارير إعلامية عدة تناولت التوتر في العلاقة بين القاهرة وحلفائها الإقليميين مؤخراً، وعلى رأسهم أبوظبي، هذا التوتر نتج عن مشروع التطبيع الذي مضت فيه الإمارات والبحرين دون الرجوع لمصر أولاً، التي ما كانت لتُعارضه بدورها، إلا أن القاهرة تسعى دائماً للحفاظ على صدارتها للموقف العربي تجاه الاحتلال، سواء بالحرب أو التطبيع، فالطاولة التي جمعت ترامب ونتنياهو وعبدالله بن زايد وغاب عنها السيسي تسببت في إحباط مصري بالغ، حيث وجد السيسي نفسَه خارج قواعد اللعبة في المنطقة، على عكس ما كان عليه كل الزعماء المصريين في السابق، ما دفعه بالتأكيد للدخول سريعاً على خطّ الحرب الأخيرة سعياً لتصدّر أي وساطة محتملة بين الطرفين، الأمر الذي ما كان لِيحدُث في ظل التحريض الإعلامي على القطاع أو الحصار غير الإنساني على سكانه.

3- سد النهضة

الإدارة المصرية تدرك جيداً أن الثقة البادية على الخطاب الإثيوبي أثناء مفاوضاته مع القاهرة والخرطوم ليست وليدة الأهمية الإقليمية أو الدولية لأديس أبابا، بل تستمدها من القوى الدولية التي تدعمها في مشروع سد النهضة، وعلى رأسها إسرائيل، التي تُموّل السد ومشروعات إنتاج الطاقة الملحقة به بمليارات الدولارات، بالإضافة لمدّها أديس أبابا بأحدث أسلحتها الدفاعية، ما يعني أن حلّ أزمة سد النهضة الذي يهدد حياة المصريين لن يكون في الداخل الإفريقي، بل على القاهرة أن تبحث عن الحل في أروقة البيت الأبيض وأهم حلفائه على الإطلاق في الأراضي المحتلة.

وبدخول مصر على خط الأزمة وتصدرها للدفاع عن القضية الفلسطينية من جديد، منحها ورقة ضغط جديدة من الممكن أن تستخدمها في إطار بحثها عن حل لأزمة المياه، خاصة أن المفاوضات بين إسرائيل والمقاومة الفلسطينية ستمتد لفترة طويلة، في إطار بحث دولة الاحتلال عن حلول مستدامة لحماية سكانها من الرشقات الصاروخية.

مصالح سياسية إذاً على الصعيد العربي والإفريقي تسعى القاهرة وراءها من خلال القطاع المحاصر، وكأن مصر وجدت العصا السحرية لحل كل مشكلاتها عبر بوابة المقاومة الفلسطينية، وإن لم يثبت للكثيرين أن المقاومة الفلسطينية يجب أن تكون الحليف الأقرب للقاهرة، فإنه يثبت بكل تأكيد أن العدو الأبدي لمصر هو دولة الاحتلال الإسرائيلي.

فهل تعيد القاهرة ترتيب أوراقها الخارجية بعد الحرب الأخيرة على غزة؟

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر عادل
صحفي مصري
حاصل على بكالريوس الإعلام
تحميل المزيد