نحن شعب لا نستسلم، ننتصر أو نموت. هكذا يبدأ الشعب العراقي افتتاحيته لثورة 5/25 وهو يعيد الكرة بدون ملل أو تعب معلناً عن متطلباته للعيش بحياة كريمة وشريفة، وهي ثورة امتداد لثوراته السابقة خصوصاً ثورة أكتوبر لعام 2019 التي أدهشت العالم بأسره بسلميتها وحجمها الكبير ووقتها الطويل، وللعراقيين باع طويل في مجال الثورات بدأت ثورتنا الأولى بوجه ظلم المستعمر الإنجليزي في ثورة العشرين من القرن المنصرم وها هي أجيال كاملة تربّت على أن صاحب الحق لا يترك حقه، وكانت تلك الثورة شرارة لبقية الثورات التي تتالت في تاريخ ثوراتنا المجيدة.
ومما يدهش في الأمر حقاً أن الشباب حريصون على أن ينظفوا ساحة التحرير وما يحيط بها مع تزينيها والحرص على أمنها، وهذا قد لا تشاهده في دول متقدمة مثل الولايات المتحدة الأمريكية التي شهدت العام الماضي مظاهرات حرة وعارمة بسبب مقتل فلويد واندلعت شرارة المظاهرات في بقية الولايات وشاهد العالم أجمعه ما حدث، لكننا رأينا على جانب آخر من عبروا عن غضبهم أو تنفّعوا منه بنهب المحلات التجارية وتخريبها، وهذا ما لم نشاهده في ساحات التحرير، والحق يقال إن مدى رقي أفراد الشعب لا يقاس بمدى رفاهيتهم ولا مدى صياغتهم للكلمات المعبرة والمؤثرة ولا الشعارات الرنانة، ولكن المظاهرات هي العامل الأكبر لقياس مدى رقي أفراد الشعب وتلاحمهم وحرصهم على ممتلكات البلاد، وكيف أطاح إنسان العالم الثالث -كما يسمونه- بإنسان العالم الأول المتحضر كما يدعون، والمفارقة المدهشة حقاً أن الشباب رغم حاجتهم الماسة لأي مبلغ مادي فإنهم متمسكون ببلادهم وبحفظ سلامة أمنهم، ولم يخرقوه، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن الشباب على وعي كبير بمصطلح "الثورة" وتحقيق أهداف عامة لا أهداف شخصية أو أطماع بسرقة حذاء ماركة "نايكي" كما شاهدنا في أمريكا.
ومما يدهش أكثر أن العراقيين ألغوا مصطلح اليأس وألغوا كل الحسابات لما يتعلق بقوة مكافحة الشغب وواجهوا الظلم وطلقاته النارية بصدور عارية كما واجه جدنا سيد الشهداء الحسين بن علي، في معركة الطف، رغم قلة مناصريه فإنه سطر لنا بطولة خلدها التاريخ لمواجهة الظلم، وبأن كل ساكت عن الحق هو شيطان أخرس، وعلمنا ألّا نستوحش طريق الحق لقلة سالكيه وبأن التاريخ لن يرحم المتخاذلين الساكتين عن حقهم، فمن يضربك الآن على خدك سيقتلك غداً!
طالب المتظاهرون بحقوق شهداء ثورة أكتوبر فعادوا شهداء، ومما يثير الدهشة من فظاعة النظام شهيد يطالب بحق شهيد! هكذا هم السفاحون لا يشبعهم إلا كثرة الدم وإسكات كلمة الحق لأنها تزعجهم حقاً وتقتلهم.
ورغم أن الإعلام لعب دوراً كبيراً لتخفيف عقول الشباب وجعلهم ينحرفون إلى اتجاهات بعيدة عن الحق وإضعاف ثقافاتهم والتقليل من مستواهم المعرفي، فإن جيل "الآيباد" كما يسمونه أسقط عنه هذه التهمة وأصبحوا "جيل تشرين" الواقفين بوجه الظلم وفعل الويلات، هذا الجيل بجيل كامل من الطغاة المدججين بالسلاح، الذين أذاقوهم طعم الرعب والخوف.
حق مسلوب، وظلمهم يزداد، وهذا لا يذكرني إلا بنهاية الظالم، فإن ارتفاع الظالم لا يعني إهمال الله له، فكلما ارتفع الظالم بظلمه لشعبه وأبناء بلدته كان سقوطه مدوياً ومرعباً والتاريخ يشهد وزاخر بتلك الأمثلة لسقوط الجبابرة الظالمين ويقول الله: (وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ)، فويل لعاقبة الظالم.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.