كشفت صحيفة The Guardian البريطانية، في تقرير نشرته الأربعاء 26 مايو/أيار 2021، كواليس ما دار قبل اتهام ولي العهد الأردني السابق الأمير حمزة بن الحسين واثنين من مساعديه المقربين بالتدبير للإطاحة بالملك عبدالله عاهل الأردن.
إذ قالت الصحيفة إن مكالمة هاتفية جرت في مارس/آذار 2021، بين السفارة الأمريكية ودائرة المخابرات العامة في عمَّان، طلبت خلالها السفارة عقد لقاء عاجل بشأن مسألة ذات أهمية وطنية، حيث اندهش مسؤولو المخابرات في المملكة، لكنهم أُبلِغوا أنَّ الخطر كان يختمر على الجبهة الداخلية، ويمكن أن يُشكِّل قريباً تهديداً للعرش.
اعتقال الأمير حمزة
في غضون ساعات، حوَّلت دائرة المخابرات كل منظومة مواردها نحو واحد من أرفع الأمراء بالبلاد، الأمير حمزة بن الحسين، ولي العهد السابق والأخ غير الشقيق للملك، الذي شكَّ الأمريكيون في أنَّه كان ينثر بذور الشقاق وبدأ في حشد المؤيدين.
فيما يستعد اثنان من المدبرين المزعومين للمثول أمام المحكمة في عمَّان، تظهر صورة أكثر اكتمالاً للأسابيع الثلاثة التي زلزلت العائلة الحاكمة. حيث ستحدد النيابة العامة، التي توجد بحوزتها تسريبات هاتفية ورسائل مُعترَضة ومحادثات مُسجَّلة، الأدلة التي تدعم اتهامات الفتنة ضد باسم عوض الله، الرئيس السابق للديوان الملكي الهاشمي ورجل الأعمال، والشريف حسن بن زيد، أحد أقارب الملك.
نزاع عائلي في الأردن
لكن بعيداً عن المحكمة، تتبلور أيضاً أدلة على أنَّ النزاع العائلي يمكن أن يكون مدفوعاً بمؤامرة أوسع. ويُنظَر إلى الأعمال المزعومة للأمير حمزة والمتآمرين المتهمين، على نحو متزايد، باعتبارها أصداءً لمؤامرة أكبر، يؤججها أقرب حلفاء الأردن، وكان يمكن أن تُعرِّض قبضة الملك عبدالله على العرش للخطر، في حال كان دونالد ترامب فاز بولاية ثانية رئيساً للولايات المتحدة.
مع انحسار اضطرابات ولاية ترامب، تتبلور تداعيات محاولاته إعادة رسم خريطة إسرائيل وفلسطين من خلال ما يُسمَّى بصفقة القرن. ويخشى المسؤولون في إدارة بايدن، التي أعادت نهجاً أكثر تقليدية تجاه الدبلوماسية الإقليمية، من أنَّ مصالح الأردن كانت ستُمزَّق في ظل ولاية ثانية لترامب. وكان من المحتمل جداً أن تكون قيادته ضحية لذلك.
يقول مسؤولون إقليميون إنَّه ربما تكون هناك صلات بين أفعال الأمير حمزة المزعومة، التي يصفها المسؤولون في عمَّان بأنَّها فتنة لكن ليست انقلاباً، والنهج الذي قاده صهر ترامب ومبعوثه إلى الشرق الأوسط، جاريد كوشنر، تجاه شؤون المنطقة بدعم صديقه وحليفه، ولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
أما الاتهامات الموجهة لحمزة فتتهمه بحشد الدعم باستخدام ثلاثة أحداث رئيسية: وفاة 7 أشخاص بأحد مستشفيات مدينة السلط في مارس/آذار 2021 نتيجة انقطاع الأكسجين بسبب الإهمال، وإحياء ذكرى معركة بين إسرائيل والفلسطينيين تعود لعام 1968، وميلاد حركة شبابية أردنية قبل قرابة عقد.
التدبير للقيام باستعراض
قال مسؤول بارز: "اتجه حمزة إلى السلط، ونعلم أنَّه كان يدبر مع مساعديه للقيام باستعراض. كانت تلك هي اللحظة التي تحوَّل فيها الأمر برمته من فكرة مجردة إلى شيء أكثر تماسكاً وتنظيماً بكثير. كانت هناك كلمات مثيرة، واستخدام لأساليب مثل عوامل تثبيط المعنويات، وطرق جرى استكشافها لاستغلال مصاعب الشعب".
فيما تُصوِّر مكالمات هاتفية مُعترَضة من تلك الفترة، استمعت إليها صحيفة The Guardian البريطانية، وجود تنسيق وثيق بين الأمير حمزة والشريف حسن. وكثيراً ما تحدث الاثنان باللغة الإنجليزية وأشارا إلى بعضهما بـ"أخي".
يقول مسؤولون أردنيون كبار إنَّ العلاقة التي لا تشوبها شائبة بين واشنطن وعمَّان، والتي تقوم على 50 عاماً من التعاون الأمني، بلغت مرحلة حاسمة بولاية ترامب الأولى، في ظل متابعة البيت الأبيض أجندته الخاصة في الشرق الأوسط من خلال فريق من الموالين المُنتَقين بعناية.
كان المخطط الأول ضمن مخططات الإدارة هو محاولة إرساء السلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وعلى الرغم من تأثر الأردن المباشر بها، لم يكن يعرف أيّاً من عناصرها حتى موعد الإعلان الكبير في مطلع 2019.
كشف الخطة في مراحلها الأخيرة
حين كُشِفَ عن الخطة أخيراً، شعر القادة الأردنيون بخطر مميت ناجم عن عزم الخطة الضمني على مشاطرة الإشراف على مجمع الحرم الشريف في القدس، والذي تحتفظ العائلة الهاشمية التي ينتمي إليها ملك الأردن بالوصاية عليه منذ عام 1924. وبخلاف ذلك، رفضت الخطة العديد من نقاط الانطلاق في مباحثات السلام الماضية. كان العرض لا يُحتمَل بالنسبة للأردن لدرجة أنَّ رئيس الوزراء آنذاك، عمر الرزاز، حذَّر من أنَّ معاهدة السلام مع إسرائيل في خطر.
بحلول منتصف 2020، كان الملك عبدالله تحت ضغط متزايد، إذ عصفت به الرياح العاتية القادمة من واشنطن، واضطرب بالقدر نفسه نتيجة الفتور المنبعث عبر الحدود مع السعودية. إذ كان الأردن معتمداً بشدة على كلا البلدين، الولايات المتحدة بالأساس من أجل تمويل أجهزته الأمنية، والرياض للمساعدة في دفع أجور القطاع العام.
سياسة ترامب في الشرق الأوسط
وفقاً لمسؤولين في الرياض وعمَّان، أشعرت الرياض الأردن، سراً، باستيائها من إحجام عمَّان عن اتباع سياسة ترامب في الشرق الأوسط. إذ كان من شأن خطة كوشنر تعزيز السعودية باعتبارها لاعباً محورياً في المنطقة بعد إعادة تشكيلها وتمهيد الطريق أمام السلام مع إسرائيل.
فيما تكثَّفت المطالب بإنجاز الصفقة خلال الأشهر الأخيرة لإدارة ترامب. لكنَّ مقاومة الأردن أثارت غضب كوشنر والأمير محمد بن سلمان.
قال رجل أعمال سعودي له صلات بالديوان الملكي السعودي، متحدثاً عن القيادة الأردنية: "كان يُنظَر إليها على أنَّها مثل اللبنانيين. فهي تأخذ الكثير ولا تقدم شيئاً. والنظام الجديد للأمير محمد يريد عائداً على الاستثمار. وقد ارتبط هو وكوشنر بطريقة التفكير هذه".
فيما كانت الصداقة بين كوشنر والأمير محمد تزدهر، كانت العلاقات بين باسم عوض الله والرياض أيضاً تتعمق. إذ انضم عوض الله، وهو وزير مالية أردني سابق، إلى إحدى حلقات النقاش بـ"مبادرة مستقبل الاستثمار" في الرياض عام 2019، حيث كان كبار الشخصيات هناك يعرفونه جيداً منذ أن كان يتولى منصب المبعوث الأردني للرياض.
رحيل ترامب ومستقبل صفقة القرن
مع رحيل ترامب، بقيت ركيزة واحدة من صفقة القرن المتداعية: السعودية. زار وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، عمَّان للقاء المسؤولين الأردنيين بعد إلقاء القبض على عوض الله في 3 أبريل/نيسان.
كان حمزة آنذاك قيد الإقامة الجبرية، وتفهم صحيفة The Guardian البريطانية أنَّ فرحان طلب إطلاق سراح عوض الله، لكنَّ مضيفيه رفضوا. وقالت السعودية إنَّ فرحان لم يقدم طلبات للأردن، وإنَّه زار عمَّان للإعراب عن الدعم للملك عبدالله.
بحلول ذلك الوقت، كانت دائرة المخابرات العامة تخوض في مئات الساعات من المكالمات المُعترَضة التي جرى تسجيلها كلها منذ 15 مارس/آذار 2021 . ويقول المسؤولون إنَّه قبل وقت ليس بطويل من ذلك، تواصَل الشريف حسن مع إحدى السفارات (تفهم صحيفة The Guardian أنَّ هذه السفارة هي السفارة الأمريكية في عمَّان)؛ لحشد الدعم لحمزة. وأدَّى هذا التواصل إلى قلق الولايات المتحدة ومسارعتها لفهم ما كان يجري.
قال مصدر استخباراتي إقليمي: "المحصلة هي أنَّ ترامب خسر وانتهى كل شيء. لو كان فاز بإعادة الانتخاب، لأصبحت هذه المنطقة مختلفة تماماً".
امتنع كبار المسؤولون في عمَّان عن الحديث عن احتمال وجود عنصر أجنبي في المؤامرة المزعومة، ولم يؤكدوا أنَّ شريكهم الأمني الأكثر موثوقية، الولايات المتحدة، قد نبَّههم إلى تهديد محتمل. لكنَّ المسؤولين شعروا بارتياح واضح من حقيقة أنَّ الإدارة الأمريكية الجديدة لجأت إلى علاقة أمنية تقليدية، علاقة كانت قد شُوِّهَت في عهد ترامب.
مجالات تمويل الأردن
في المقابل أكَّد مسؤولون أمريكيون للصحيفة أنَّ مسؤولين سعوا في الأشهر الأخيرة من 2020، للحصول على النصح، بشأن أي مجالات التمويل المُوجَّه للأردن يقع خارج نطاق موافقة الكونغرس، وبالتالي يمكن قطعها دون نقاشات.
نجت عمَّان في النهاية من توجيه ضربة لميزانيتها. فمع استتباب الأمور لجو بايدن، تنفَّس القادة الأردنيون الصعداء بشكل جماعي، وهم يُفضِّلون عدم التركيز على فكرة كم كانت الإطاحة بالملك عبدالله على يد اثنين من أوثق حلفاء الأردن قريبة.
في المقابل، يُشغِل كبار المسؤولين أنفسهم بالبُعد المحلي للمؤامرة المزعومة. ويبدو أنَّ المكالمات المُسجَّلة في مارس/آذار وأجهزة التنصت تُظهِر مطالبة المنظمين بأن تقتصر اجتماعات المسؤولين العسكريين على سبعة أفراد كحد أقصى، في حين أنَّ الاجتماعات القبلية تتألَّف مما لا يزيد على 15 فرداً.
يقولون: "إضافة إلى ذلك، لم يكونوا ينفذون نهجاً ممنهجاً لبناء توافق بين أهل الضفة الشرقية (الأردنيين من غير ذوي الأصول الفلسطينية) وحسب، بل كانوا أيضاً يستميلون الجزء الفلسطيني من السكان الأردنيين".
في حين رفض المسؤولون الأردنيون الحديث عما إذا كانت السعودية لعبت دوراً أم لا، حيث يُفهَم أنَّ تفاهماً ثنائياً قد انهار في وقت قريب من الوقت الذي اكتُشِفَت فيه المؤامرة المزعومة.
فمن دلالات انهيار هذا التفاهم، أن الجراد يظهر كل خريف في الصحاري السعودية ويتجه شمالاً نحو الأردن وسوريا ولبنان.
عادةً ما تصل الأسراب في ثلاث موجات، وقد كانت توضع أنظمة إنذار مبكر؛ لمنح المزارعين الأردنيين الوقت لحماية محاصيلهم. لكن لم تكن هناك تحذيراتٌ هذا العام.