بدأت الصورة تتّضح مبكراً فيما يخصّ مستقبل البرلمان الجزائري المنتظر، من خلال الأيام الأولى للحملة الانتخابية، التي أظهرت تفوقاً ملحوظاً للأحزاب التقليدية عبر عدد اللقاءات والتجمّعات الميدانية.
ومن الجلي أن الأحزاب التقليدية الإسلامية والوطنية في ظل مقاطعة معظم الأحزاب العلمانية، لن تفرّط بسهولة في حصصها من المقاعد البرلمانية المعتادة لصالح القوائم الحرة قليلة الخبرة (80% منها ترشح للمرة الأولى).
ووفق خرجاتها الأولى الترويجية، يبدو أن المنافسة ستكون حامية الوطيس بين الأحزاب فيما بينها، عكس ما كان مأمولاً من طرف القوائم الحرة الشبابية المدعومة مالياً من طرف الدولة.
وبدت القوائم الشبابية الحرة تائهة في الأيام الأولى للحملة الانتخابية بحيث ركنت إلى الترويج لنفسها على مواقع التواصل الاجتماعي، بدل النزول إلى الشارع والاحتكاك بالناخبين كما تفعل الأحزاب السياسية التي تملك في غالبها مناضلين وقاعدة جماهيرية حقيقية.
الأحزاب التقليدية
تتمتع الأحزاب التقليدية على غرار جبهة التحرير الوطني (حزب الرئيس السابق بوتفليقة)، والتجمع الوطني الديمقراطي (حزب الوزير الأول الأسبق أويحيى) وحركة مجتمع السلم (إخوان مسلمين)، وحركة البناء (إخوان مسلمين)، بقوة تنظيمية كبيرة وانتشار يغطي كامل التراب الوطني وخبرة كبيرة في خوض المواعيد الانتخابية.
وتضاف إلى هذه الأحزاب، أحزاب أخرى تسمى بالقوى الصاعدة مثل: جبهة المستقبل (وطني)، وجيل جديد (علماني)، والعدالة والتنمية (إسلامي).
ويتوقع مراقبون ألا تتغير تركيبة البرلمان الجزائري القادم كثيراً بحيث ستحافظ الأحزاب التقليدية على المراكز الخمسة الأولى على الأقل مع إمكانية تغيّر الترتيب، لعدة أسباب، أبرزها مقاطعة أغلب الأحزاب العلمانية الانتخابات، وقلة خبرة القوائم الحرة وكثرتها في الوقت نفسه، إضافة إلى تمتُّع هذه الأحزاب بوعاء انتخابي ثابت لا يتغيّر مهما كانت الظروف في غالب الأحيان.
وكان البرلمان المنحل من طرف "تبون" مؤخراً، يتشكّل من قوتين أساسيتين هما: حزب جبهة التحرير والتجمع الوطني الديمقراطي، وتأتي بعدهما حركة مجتمع السلم ثم بقية الأحزاب الأخرى.
وتوقَّع المحلل السياسي مصطفى بونيف أن "يكون البرلمان القادم عبارة عن خليط متوازن بين القوائم الحرة والأحزاب السياسية الكبيرة".
وحسب "بونيف" الذي صرح لـ"عربي بوست"، فإن "حزب التجمع الوطني الديمقراطي سيكون الخاسرَ الأكبر في التشريعيات، بسبب قضايا الفساد التي لاحقت مسؤوليه الكبار".
وأضاف المتحدث أن "حزب جبهة التحرير الوطني رغم الضغوطات التي يعانيها فإنه سيحافظ على مركزه كأحد أبرز القوى في البرلمان".
القوائم الحرة.. هل تقلب الطاولة؟
رغم دعم الدولة لهذه القوائم بالمال، فإنه من الصعوبة منافستها لأحزاب متمرسة في العملية الانتخابية منذ عقود.
وحسب ما استشفه "عربي بوست" خلال مراقبته الأسبوع الأول من الحملة الانتخابية، فإن القوائم الحرة تبدو تائهة وسط سيطرة الأحزاب الكبيرة، طولاً وعرضاً على الميدان.
ومما يزيد من صعوبة بروز القوائم الحرة قانون الانتخابات الجديد، الذي ينص على التصويت الفردي بدل القائمة، وهو ما جعل المنافسة بداية بين المترشحين داخل القائمة الواحدة قبل منافسة القوائم الأخرى.
ويرى المترشح الحر في قائمة "نداء الأوراس" بولاية "باتنة" شرقي الجزائر بلال شبيلي، أن "القوائم الحرة تواجه عديداً من التحديات، أبرزها قلة الخبرة والإمكانات".
وأشار شبيلي الذي تحدث لـ"عربي بوست"، إلى أن "العتبة التي يحددها قانون الانتخابات، وهي 5% من مجموع المصوتين في الولاية للفوز بمقعد، تعتبر أيضاً عائقاً كبيراً أمام القوائم الحرة" .
ويعتقد المتحدث أن "الغضب الشعبي من الأحزاب السياسية التي كانت تتماهى مع "بوتفليقة" طيلة السنوات الماضية، ستكون في صالح القوائم الحرة التي تتكوّن بالأساس من الشباب الذين لم يتورطوا في الفساد السياسي أو المالي بتلك الفترة" .
وعن لجوء القوائم الشبابية إلى مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لبرامجها، قال "شبيلي": "نحن نعتمد في حملتنا الانتخابية على مواقع التواصل الاجتماعي بشكل كبير؛ نظراً إلى وجود فئة كبيرة من الشباب عبر هذه المنصات، ما يجعل أفكارنا وبرامجنا تصل بسرعة وإلى عدد أكبر من الشباب، الذي لا يحبّذ أغلبه حضور التجمعات واللقاءات الجوارية".