من أنفاق غزة إلى ملاجئ تل أبيب.. 4 مشاهد تؤكد لك انتصار الفلسطينيين

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/24 الساعة 10:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/24 الساعة 14:27 بتوقيت غرينتش

في أحد أنفاق غزة الممتدة لمئات الكيلومترات أسفل تربة المدينة سقط قرابة 9 مرابطين من أعضاء كتائب الشهيد عز الدين القسام، بينما كانوا يواجهون العدو من داخل تلك الأنفاق التي باتت تعرف بـ"شبكة مترو حماس" في الصحافة الإسرائيلية، وفي مشهد استثنائي قد لا تراه إلا في قطاع غزة خرج الآلاف من أهالي المدينة بجوار أسر الشهداء الـ9 الذين أطلق عليهم لقب "الأقمار" لتشييع جثامينهم إلى مثواها الأخير، لكنهم استبدلوا بالدموع الزغاريد ولم يتشحوا بالسواد كما تجري العادة، وإنما بالألوان الزاهية والورود، وقاموا بتوزيع الحلوى بدلاً من القهوة الخالية من السكر، بينما على بعد كيلومترات قليلة منهم وفي عالم موازٍ حرفياً للمدينة، كان يهرع العديد من المستوطنين على مدار أيام إلى أنفاق أخرى أسفل الأرض لكنها ليست كتلك الموجودة في غزة وإنما أنفاق تعرف بالملاجئ جهزت خصيصاً لا لمهاجمة العدو بل للاختباء منه. 

ومن هذين المشهدين لحال أهل المدينة والمحتلين، ومن هذين الغرضين المختلفين للأنفاق ذاتها، يمكن لعقلك أن يصل بسهولة لنتيجة المعركة ويعرف أي الطرفين المنتصر حتماً وأيهما المهزوم من قبل أن يطلق صاروخاً واحداً.

فكما يقولون دائماً "الرؤية وحدها تنبئك أرض من هذه ومن الدخيل".

انتصرت غزة إذاً أو انتصرت غزة كما جرت العادة، فهناك دائماً بعض الأشياء التي تحسم قبل بدايتها مهما طال أمدها، وفي هذا العدوان تحديداً كان الانتصار كاسحاً للمقاومة وفادحاً للعدو الإسرائيلي الذي أعلن للمرة الأولى في تاريخه عن وقف إطلاق نار أحادي، ولا أشك للحظة أن رئيس وزراء العدو كان مستعداً لتقديم أكبر قدر من التنازلات في سبيل إنهاء مغامرته غير المحسوبة حال لم توافق المقاومة الفلسطينية على بنود الوساطة المصرية.

ليشكل قرار الاحتلال المنتظر والمتوقع بطلب إنهاء الحرب ووقف إطلاق النار المشهد الأول للانتصار، لكن هناك مشاهد أخرى أبلغ لتريك إلى أي درجة أهانت المقاومة الفلسطينية العدو وفرضت كلمتها على الجميع، لتطفو الأنفاق التي حفرتها تحت الأرض فوق الطاولة وتتحول المدينة في نظر الجميع إلى "غزة فوق العالم".

المشهد الثاني لم يكن في غزة بل في مدينة أخرى أكثر قدسية وتميزاً من سائر مدن البلاد وربما العالم، حيث مر الشبان المقدسيون أمام أعين جنود الاحتلال على عتبات المسجد الأقصى المبارك -هؤلاء ذاتهم الجنود الذين أطلقوا في وجوههم الرصاص المطاطي والقنابل الصوتية- ما أشعل المعركة من الأساس قبل 11 يوماً من وقف إطلاق النار، لكنهم لم يمروا هذه المرة مختنقين جراء الغاز المسيل للدموع ولم يمروا محاصرين بسبب ضيق حواجز الاحتلال الأمنية على بوابات الحرم القدسي، بل هم من حاصروا الجنود عند الأبواب العتيقة، ليمروا بجوارهم مكبرين ورافعين رؤوسهم لتكون نظراتهم المباشرة إلى أعين الجنود المشهد الأكثر جمالاً وكمالاً على الإطلاق، نظرة صاحب الأرض إلى ضيف غير مرحب به أطال المكوث وأساء الأدب، وإذا أردت أن تفهم هذه النظرات فعليك أن تسأل أي مصري عن طبيعتها وسيرد بعفوية بالغة وبليغة "صاحب الأرض عفي يا صاحبي".

المشهد الثالث كان في سائر مدن الضفة الغربية الواقعة تحت الاحتلال وتحت سلطات التنسيق الأمني، حيث خرج الشعب الفلسطيني بشكل عفوي وجماعي إلى الشوارع عقب انتهاء مهلة "أبوعبيدة"، التي منحها للاحتلال حتى الثانية صباحاً للتأكد من جديته في وقف إطلاق النار، عشرات الآلاف من الفلسطينيين خرجوا إلى الشوارع مكبرين محتفلين بصخب حتى الصباح. لم يكن للاحتلال أو لأي قوة في العالم أن توقف هؤلاء فربما للمرة الأولى أيضاً نسي الشعب الفلسطيني بأكمله الخلافات والتحزبات السياسية وخرج ليحيي المقاومة وينعى الشهداء، فمن فرَّقَتهم السياسة جمعتهم خطب أبوعبيدة وكأن كوفيته الحمراء تشير لهم إلى الطريق الذي يقودهم إلى الخلاص من المحتل إلى الأبد، وتلخيصاً لتأثير خطب هذا الملثم سأستعين بما أنشده المطرب الشعبي الفلسطيني عدي زاغة في نابلس "هيبة كل الكون يا أبوعبيدة".

المشهد الرابع كان في قلوبنا وفي قلوب كل صاحب ضمير حي حول العالم، المشهد الرابع كان هذا الأمل الذي مَسَّنا وهذه الدموع التي ملأت أعيننا فرحاً بانتصار الشعب الفلسطيني، وكأننا شاهدنا أخيراً -وعلى غير العادة في واقعنا- مشهداً سينمائياً ينتصر فيه الخير في النهاية وتقهر فيه قوى الشر المحتشدة، لترسم ابتسامة على وجوهنا تحمل أسمى معاني الحب والشكر والامتنان، ليس للشعب الفلسطيني فحسب بل لكل ذرة رمال تسير عليها نعال المقاومين في غزة أو المرابطين على أعتاب الأقصى في القدس والشيخ جراح وكامل التراب الوطني الفلسطيني.

المشهد الختامي كان في غزة مجدداً عشرات الشباب والفتيات والأطفال والنساء والرجال من أهل المدينة يخرجون بعد أيام قليلة من الحرب حاملين في أيديهم أدوات تنظيف بدائية وحاملين في قلوبهم الكثير من الأمل، يكنسون الشوارع ويرصفون الطرقات، يلونون الجدران ويزرعون الأزهار في بقايا الصواريخ غير المنفجرة لتتولد من رحم معاناتهم حياة جديدة تؤكد أن مدينتهم أقوى من القصف وأجمل من الوصف وأوسع من أن يضيقها حصار، وتنذر أيضاً بأن القادم لهم بكل تأكيد وأن وعد الله آت لا محالة. 

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال كتاباتكم عبر هذا البريد الإلكتروني:[email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

عمر عادل
صحفي مصري
حاصل على بكالريوس الإعلام
تحميل المزيد