يقود وزير الخارجية المصري، سامح شكري، زيارة لكل من العاصمة الأردنية عمّان ورام الله في فلسطين؛ للتباحث في القضية الفلسطينية، بعد الحرب الأخيرة على غزة والتي أعادت رسم المشهد السياسي الفلسطيني.
وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر خاصة، فإن وزير الخارجية المصري ناقش خلال زيارته ورام الله، ضرورة تحقيق مصالحة داخل حركة فتح، وتحقيق الوحدة بينها وبين حماس، كوسيلة لإعادة إعلاء القضية الفلسطينية إلى السطح بعد الشعور بأنها قد طُمست في السنوات الأخيرة.
وأضافت المصادر نفسها أن زيارة الوزير المصري جاءت بطلب من البيت الأبيض، واستبقت زيارةَ وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن المرتقبة الأربعاء 26 مايو/أيار 2021، للمنطقة؛ لبحث الأفق السياسي وسبل التوصل إلى تهدئة طويلة الأمد في قطاع غزة.
وتُحاول مصر أن تجعل من حرب غزة الأخيرة رافعةً لتحريك الموضوع السياسي الفلسطيني الكبير، لكن المهمة المصرية تبدو صعبة وفق تقديرات سياسية، في ظل الانقسام الفلسطيني وعدم وجود حكومة مستقرة في إسرائيل، التي يُسيطر عليها اليمين.
مصالحة داخل فتح
وتعتقد مصر والأردن أن السلطة الفلسطينية في وضع صعب وضعيف، الأمر الذي يجعل موضوع وحدة فتح أمراً ضرورياً ومُلحاً لتوحيد الفلسطينيين خلف حكومة واحدة، ما يخلق بيئة لإطلاق مفاوضات فلسطينية-إسرائيلية قادمة.
وكشفت مصادر "عربي بوست"، أن مصر بحثت مع السلطة الفلسطينية كيفية تقوية مكانتها، وضرورة إعادة اللُّحمة إلى فتح، وهو ما يعني خلق مصالحة بين التكتلات الثلاثة (فتح الرسمية، وتيار محمد دحلان، وتحالف ناصر القدوة-الأسير مروان البرغوثي).
قيادي مقرب من رئيس السلطة محمود عباس، قال لـ"عربي بوست"، إن "الوزير المصري حمل رسالة من القاهرة يُطالب فيها بضرورة ترميم الوضع الداخلي الفلسطيني عموماً دون أن يذكر اسم محمد دحلان؛ وذلك لمعرفته بحساسية الموضوع، فضلاً عن أن المخابرات المصرية هي التي تفتح تفاصيل الموضوع وليس ذلك من مهام الخارجية".
وأضاف المتحدث أن سامح شكري جاء من منطلق توزيع المهام بين الخارجية والمخابرات؛ إذ إن المخابرات المصرية تبذل جهوداً للانتقال من مرحلة وقف إطلاق النار في غزة إلى تهدئة طويلة، فيما تتولى الخارجية المصرية مهمة العمل على إحياء المسار السياسي.
تفاصيل زيارة وزير الخارجية المصري لرام الله
تسعى مصر من خلال زيارة وزير خارجيتها لرام الله، إلى خلق مصالحة داخل حركة فتح، كما أن القاهرة تسعى إلى لقاءٍ يجمع رئيس السلطة محمود عباس مع نظيره المصري عبدالفتاح السيسي.
القيادي الفلسطيني المقرب من رئيس السلطة قال لـ"عربي بوست"، إن "وزير الخارجية المصري ناقش مع محمود عباس ثلاث قضايا رئيسية؛ أولاها الموقف الأمريكي الجديد الذي فرضته الأحداث الميدانية في فلسطين، هذه الأخيرة التي أصبحت على جدول الأعمال الإقليمي والدولي، وسط إيمان بوجوب فتح أفق سياسي لتخفيف الأضرار".
وأما القضية الثانية حسب المتحدث، فتتجلى في الوضع الداخلي الفلسطيني ووجوب إصلاحه سواء داخل فتح أو مع حماس.
وتتمثل القضية الثالثة بملف إعادة إعمار غزة، إذ إن هذا الملف ربطته الدول المانحة بوجود أفق سياسي، من باب أنها "غير مستعدة لدفع الأموال ثم تتكرر الحروب ويحصل دمار لكل شيء تبنيه".
واشترطت الدول المانحة- بناءً على إصرار إسرائيلي- إشراف السلطة في رام الله على أموال إعمار غزة، إضافة إلى ضرورة تشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك فيها حماس.
دعم الأردن ومصر
النائب الأردني سمير عويس قال في حديث لـ"عربي بوست"، إن "الأردن ومصر أهم دولتين قادرتين على معالجة القضية الفلسطينية سواء سياسياً واجتماعياً، والتواصل بين القاهرة وعمّان بالسنوات الأخيرة شبه يومي فيما يخص موضوع القضية".
وأضاف المتحدث أن "التنسيق بين الأردن والقاهرة أصبح على أعلى مستوى بعد الأحداث الميدانية الأخيرة في الأراضي الفلسطينية وحرب غزة، هذا التحرك يهدف بطريقة أو بأخرى إلى حفظ توازن القوى الداخلية الفلسطينية، خاصة مع صعود نجم حركة حماس داخلياً وخارجياً، مقابل غضبٍ شعبيٍّ من قيادة السلطة الفلسطينية في رام الله؛ لعدم اتخاذها موقفاً يقترب من الشعب؛ للمحافظة على دورها ومكانتها".
وأشار المتحدث إلى أن "السلطة الفلسطينية تحتاج الدعم المصري والأردني؛ للحد من صعود حركة حماس على حساب قوة السلطة ومكانتها، هذه الإدارة المشتركة هي التي ستشرف على إعادة إعمار غزة، إذ ستتولى السلطة الفلسطينية مهمة شكلية، لكن الملف سيكون بيد مصر والأردن".
خطة أمريكية
وعلى الرغم من أن الإدارة الأمريكية لم تضع خطتها الاستراتيجية فيما يخص الملف الفلسطيني-الإسرائيلي، فإنها عادت لتتبنى رؤية جديدة في أعقاب الانفجار الأخير بالأراضي الفلسطينية.
وتهدف الرؤية الأمريكية إلى ضرورة إطلاق مسار سياسي، وإلا فإنَّ خطر الفوضى سيُنقل إلى دول عديدة.
وكشفت مصادر "عربي بوست" أن "إدارة بايدن كلفت مصر، بحكم خبرتها في موضوع المفاوضات الفلسطينية-الإسرائيلية، واطلاعها على الوضع الفلسطيني الداخلي، تفكيك العُقد اللازمة لإطلاق مفاوضات".
الصحافة الإسرائيلية هي الأخرى تواصل قراءتها المكثفة لمسألة التعاطي الأمريكي والدولي مع حماس والسلطة الفلسطينية.
والمحلل السياسي الإسرائيلي تسيفي برئيل قال لصحيفة "هآرتس"، إن "السؤال المطروح هو: كيف ستتمكن إسرائيل من مواجهة الإدارة الأميركية إذا قررت تغيير نظرتها تجاه حماس، وإذا زادت المساعدات لغزة مباشرة أو عن طريق مصر".
من جهته يقول يائير غولان، عضو الكنيست الإسرائيلي عن حركة ميرتس، إنه من الضروري خلق أفق سياسي مع الفلسطينيين.
وقال المتحدث: "بدلاً من المحافظة على التفريق بين الضفة الغربية وغزة وحماس كطريقة لمنع المفاوضات، يجب تقوية محمود عباس بقدر المستطاع، وفي الأساس تقوية الأطراف المعتدلة الجديدة".
وأضاف غولان، صاحب الخلفية العسكرية، في مقالٍ كتبه، أنه "لهذا الغرض يجب وضع شروط: تقديم الأموال من أجل إعادة إعمار غزة من خلال السلطة الفلسطينية والإمارات والبحرين، وليس مباشرة إلى حماس، إضافة إلى العمل على استئناف مفاوضات ناجعة مع السلطة".