بعد أيام من عبور آلاف المهاجرين للحدود بين المغرب ومدينة سبتة المحتلة الخاضعة للسيطرة الإسبانية، هدأت الأوضاع الآن في المركز الحدودي الواقع على "شط التراجل"، بعد أن كانت السلطات في حالة استنفار، ولم يتبقَّ سوى مجموعات من الجنود وعمال الصليب الأحمر والشرطة المدنية.
تقرير لصحيفة The Times البريطانية نشر، الأربعاء 19 مايو/أيار 2021، أشار إلى أن نحو 500 شخص حاولوا العبور إلى سبتة في هذا اليوم لكن الشرطة المغربية، على خلاف الأيام السابقة التي وقفت فيها مكتوفة الأيدي، قطعت الطريق عليهم وفرَّقتهم.
هجرة قصيرة قبل العودة
هزَّ يوسف كتفيه بلا إجابةٍ محددة عندما سُئل عن سبب انضمامه إلى حشدٍ ضم 8 آلاف من رفاقه المغاربة الذين سبحوا إلى الشاطئ للدخول بطريقة غير قانونية إلى مدينة سبتة الخاضعة للحكم الذاتي تحت السيادة الإسبانية ويعتبرها المغرب مدينة محتلة.
قال يوسف لصحيفة The Times، وهو في طريق عودته إلى بلده عبر معبر حدودي بين مجموعة من العائدين: "أردت أن أرى كيف هو الأمر. وربما للحصول على فرصة عمل ما".
كان يوسف البالغ من العمر 16 عاماً، ويقطن بلدة حدودية قريبة، قد انطلق بعد أن سمع على وسائل التواصل الاجتماعي أن الشرطة المغربية لن تمنع الناس من محاولة الوصول إلى سبتة الخاضعة لإسبانيا.
من ثم وصل هو ومجموعة من أصدقائه إلى شواطئ المدينة مرتين في غضون يومين بعد أن طردهم الجنود الإسبان في المرة الأولى. وفي سبتة، ناموا ليلة في الشوارع، وأعطاهم سكان محليون بعض الطعام والملابس واشتبكوا مع بعض الشباب من المدينة، وبات لديهم الآن ما يكفي للعودة إلى ديارهم.
آلاف المهاجرين في شوارع سبتة
قالت الحكومة الإسبانية إنها أعادت أكثر من 5600 مهاجر، وانتقدت مجموعات معنية بالدفاع عن حقوق الإنسان إعادةَ أطفال دون سن 18 عاماً عبر المنافذ الحدودية، لأنه بموجب القانون الإسباني يجب أن تأخذ السلطات القُصَّر الذين ليس معهم ذووهم تحت رعايتها.
من جهة أخرى، قال مسؤولون في مقابلات خاصة إن سبتة، التي يبلغ عدد سكانها 80 ألف نسمة، لا يمكنها التعامل مع تدفق من هذا النوع. وكانت أعداد كبيرة من المهاجرين أمضت الليل في مستودعات مكتظة تحرسها الشرطة الإسبانية.
قضى نحو ألفي قاصر آخر الليل في مستودعات تديرها منظمات خيرية. كما رافقت الشرطة عديداً من المهاجرين من وسط المدينة، حيث كانوا يختبئون في ضواحيها، وأنذرتهم بضرورة المغادرة في غضون يومين أو إجبارهم على المغادرة.
أزمة دبلوماسية بين المغرب وإسبانيا
على الرغم من انتهاء موجة الهجرة غير المسبوقة، فإن الأزمة الدبلوماسية التي نجمت عنها تركت العلاقات بين المغرب وإسبانيا في أدنى مستوياتها منذ عقود.
جاء الحادث بعد أسابيع من التوتر بين البلدين في أعقاب سماح إسبانيا لزعيم جبهة البوليساريو، إبراهيم غالي، وهي الجبهة التي تعترض على مطالبة المغرب بالسيادة على الصحراء المغربية، بالانتقال إليها لتلقي العلاج في مستشفى إسباني.
في أول تعليق علني لمسؤول مغربي عن الوضع في سبتة، قال المصطفى الرميد، وزير الدولة المكلف بحقوق الإنسان، في منشور على موقع فيسبوك يوم الثلاثاء 18 مايو/أيار، إن إقدام إسبانيا على استقبال زعيم البوليساريو كان إجراء "متهوراً غير مسؤول وغير مقبول إطلاقاً".
تساءل المسؤول المغربي مستنكراً: "ماذا كانت تنتظر إسبانيا من المغرب، وهو يرى جارته تؤوي مسؤولاً عن جماعة تحمل السلاح ضد المملكة؟".
من جانبٍ آخر، هاجمت أحزاب المعارضة الإسبانية الحكومةَ التي يقودها الاشتراكيون برئاسة بيدرو سانشيز، رئيس الوزراء، لسماحها سراً بدخول غالي إلى البلاد.
زاد قرار الحكومة تعقيداً استدعاء المحكمة العليا لإبراهيم غالي في جلسة استماع أولية بخصوص قضية مرفوعة ضده في إسبانيا في عام 2016 بدعوى ارتكابه جرائم حرب.
غير أن غالي رفض التوقيع على الاستدعاء. وقال مصدر لوكالة Reuters إنه ربما يحمل جواز سفر دبلوماسياً جزائرياً، ما قد يمنحه حصانة من الملاحقات القانونية من هذا النوع.
مدريد تتهم الرباط بـ"الابتزاز"
في آخر تعليقاتها على الحادث، اتّهمت وزيرة الدفاع الإسبانية مارغريتا روبليس المغرب، الخميس 20 مايو/أيار، بـ"الاعتداء" و"الابتزاز" بعدما وصل أكثر من 8000 مهاجر منذ الاثنين إلى جيب سبتة الإسباني.
قالت روبليس في مقابلة مع الإذاعة العامة في إسبانيا "إنه اعتداء على الحدود الإسبانية وحدود الاتحاد الأوروبي، وهذا أمر غير مقبول بموجب القانون الدولي"، مضيفة أن الرباط "تستغل" القصّر، وفق ما ذكرته وكالة الأنباء الفرنسية.
أضافت: "نحن لا نتحدث عن شبان تتراوح أعمارهم بين 16 و17 عاماً، سمح لأطفال لا تتجاوز أعمارهم 7 أو 8 سنوات بالمرور وفقاً لمنظمات غير حكومية… في تجاهل للقانون الدولي".
كما تابعت: "سمّوا هذا الوضع ما تريدون لكنني أسميه ابتزازاً". وأشارت إلى أنه "ليس من المقبول تعريض حياة قُصر أو مواطنين للخطر لأسباب لا أفهمها".
بينما أعربت العديد من المنظمات غير الحكومية الإسبانية والمغربية عن قلقها إزاء العدد الهائل من القصَّر الذين عبروا الحدود إلى سبتة من المغرب وحقيقة أن مدريد تعيدهم إلى بلادهم.