بعد ثلاثة أيام من ظهوره في فيديو وهو يطمئن ابنتيه ويدعوهما لعدم الفزع من أصوات الغارات التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة، استشهد أحمد المنسي، مخلفاً وراءه طفلتين يتيمتين وزوجة وفيديوهات توثق لهول الهجمات التي تشنها القوات الإسرائيلية على القطاع.
يقول حامد شقيق أحمد الأكبر، وهو مصور معروف في غزة، لصحيفة The Independent البريطانية، إن أحمد قبل يومٍ واحد من استشهاده، أقام حفلة عيد ميلاد لابنته البالغة من العمر 6 سنوات. وأضاف حامد: "كان يحاول فعلَ أي شيء ليُدخل الفرح عليهما، ويشغلهما عن الكابوس" الذي يعيشه سكان القطاع.
قصف إسرائيلي لا يتوقف
"لا تخافا، واصلا اللعب، ستنتهي الغارات قريباً"، يكرر الأب الفلسطيني هذه الكلمات على مسامع ابنتيه، اللتين تعالى صراخهما خوفاً: "أبي"، وهما تفزعان بحثاً عن غطاءٍ يقيهما أصوات تحليقِ الطائرات الحربية الإسرائيلية وغاراتها في سماء المنطقة.
قبل دقائق قليلة من الغارة، صوَّر الأب أحمد المنسي (35 عاماً) ابنتيه، اللتين تبلغان من العمر 6 أعوام و12 عاماً، وهما تلعبان بلعبة صيد السمك المغناطيسية التي كان قد اشتراها لهما للتو في العيد ليشلغهما عن القصف الإسرائيلي العنيف المستمر على قطاع غزة منذ أيام.
نُشر الفيديو يوم الأربعاء الماضي 12 مايو/أيار على قناة اليوتيوب العائلية التي تحمل اسم ابنتيه "سارة وهالة ستارز"، والتي وثَّقت عبر الأشهر الأربعة الماضية حياة الفتاتين في غزة، ومن ذلك الغارات الجوية الإسرائيلية التي اشتدت في الآونة الأخيرة.
حصدت القناة عشرات الآلاف من المشاهدات، وجعلت العائلة مشهورة بدرجة ما في أوساط سكان القطاع، حيث قال كثير منهم إنها كانت تدخل قدراً من البهجة والراحة عليهم.
آخر فيديو قبل استشهاده
لكن هذا الفيديو، الذي يصور أحمد نفسه فيه وهو يلعب مع طفلتيه باللعبة الجديدة، سيكون آخر فيديو له. والسبب في ذلك، أن غارة جوية إسرائيلية قتلته بعدها بثلاثة أيام.
يقول المنسي مبتسماً: "أتمنى لكما عيداً سعيداً. لن نستطيع اتباع تقاليد العيد المعتادة… لأن قيادة السيارة في الشوارع (في ظل القصف) سيكون أمراً خطيراً للغاية".
قبل أن يضيف، "لكن هالة متضايقة. أريد أن أفعل شيئاً يُسعدها. سأشتري لها شيئاً يُفرِحها".
لكن على الرغم من الجهود التي بذلها أحمد لطمأنة ابنتيه وإشعارهما بالأمان، فإن سلسلة غارات جوية إسرائيلية شرسة على منطقته في شمال القطاع قتلته في نهاية الأسبوع.
ليلة مروعة في غزة
كشفت مقاطع الفيديو التي التقطها أفراد من العائلة حجم الهول الذي عاشته الأسرة في هذه الليلة المروعة، وسط وابل من الهجمات الإسرائيلية التي لا هوادة فيها: ما لا يقل عن 10 ضربات جوية في 15 ثانية فقط. وفي الظلام، يمكنك سماع صراخ الأطفال وتقيّئهم.
يأتي ذلك فيما ادَّعت إسرائيل في تلك الليلة أنها كانت تستهدف شبكات أنفاق تحت الأرض تستخدمها الفصائل في القتال.
بينما قالت وزارة الصحة في غزة إن أحمد من بين 213 شخصاً قتلتهم الغارات الجوية والقصف المدفعي الإسرائيلي على غزة، ومن بين هؤلاء 61 طفلاً و36 امرأة.
كما قالت الأمم المتحدة يوم الثلاثاء 18 مايو/أيار إن نحو 52 ألف شخص تركوا منازلهم هرباً من القصف في غزة، وإن أكثر من 2500 شُردوا من جراء القصف الإسرائيلي لمنازلهم وأبراجهم السكنية. وفي غضون ذلك، تستمر أعداد القتلى في الارتفاع.
صاروخ ينهي حياة أخوين
في يوم الغارات الذي شهد مقتله، نقلَ أحمد أسرته، ثم جاء مع شقيقه الآخر يوسف لمساعدة حامد في نقل أطفاله إلى أماكن أبعد عن القصف المكثف الذي كانت تشهده منطقتهم السكنية. وتُظهر مقاطع فيديو لهذا القصف، التقطتها حنين زوجة حامد، أصوات قصف جوي كثيف لا هوادة فيه.
تقول حنين إنها بدأت التصوير لتوثيق اللحظات التي اعتقدت فيها أن عائلتها بأكملها ستُقتل في هذا القصف، ليكون دليلاً موثقاً على ما حدث لهم. وأضافت: لقد أمطرونا بالشظايا. كنت خائفة جداً، و"انتظرت الموت في أي لحظة".
أما حامد، فيروي أنه تمكن في النهاية من نقل زوجته وأطفاله وعاد إلى المنزل ليجد أخويه ينتظرانه في الشارع.
تابع بصوتٍ مرتجف: "كنت على بعد 10 أمتار منهم عندما أصابهم صاروخ إسرائيلي". ويقول طاعناً في رواية الاحتلال: لم يكن أخواي يحملان صواريخ أو حجارة. لقد جاءا فقط للاطمئنان أنني وعائلتي بخير.