في أقل من 24 ساعة، تمكن آلاف المغاربة والأفارقة المقيمين في المغرب، من عبور الحدود الفاصلة بين مدينة الفنيدق (شمال المغرب) ومدينة سبتة (تحتلها إسبانيا)، مشكلين بذلك أكبر موجة هجرة من المغرب تجاه جارته الشمالية.
المشاهد الإنسانية القادمة من المدينة المحتلة، تُعد محطة جديدة من الصراع السياسي بين إسبانيا والمغرب، على خلفية ما تعتبره الرباط عدم احترام العلاقات الذي مارسته إسبانيا بعد قيامها باستقبال رئيس جبهة البوليساريو على أراضيها.
أزمة الهجرة بين المغرب وإسبانيا
استفاقت سلطات سبتة على آلاف الأفراد وعشرات الأسر، التي تتبعت السياج الفاصل بين المغرب وسبتة، وقطعت أمتاراً قليلة داخل البحر، لتصل إلى الفردوس الأوروبي.
يقول شهود عيان لـ"عربي بوست": "في تمام منتصف ليلة الأحد صباح الإثنين، اختفت القوات الأمنية المغربية من النقطة الحدودية (معبر باب سبتة)، ثلاثة أنواع من القوات الأمنية تتواجد بالعادة قبل المعبر، الشرطة، والقوات المساعدة (قوات شبه عسكرية ملحقة بوزارة الداخلية)، والجمارك".
وتابعت مصادر "عربي بوست" أن "انسحاب قوات الأمن بدا كأنه مخطط له وليس محض صدفة، إذ لم تختف القوات الأمنية فقط، بل حتى الحواجز المعدنية التي تتواجد بالعادة هناك أزيلت تماماً وكأنها لم تكن".
وعن كيفية وصول الخبر إلى الناس، أفادت المصادر: "في كل النقاط الحدودية المغربية الإسبانية، هناك تواجد شبه دائم لمئات الراغبين في الهجرة، الذين يراقبون ويتحينون أي هفوة صغيرة للانتقال إلى الضفة الأخرى، فما بالك بانسحاب الأمن وزوال الحواجز".
غياب الأمن، وزوال الحواجز، شكل فرصة غير قابلة للتكرار، دفعت بأفواج المتربصين إلى اقتناص الفرصة، كما دفعت بهم إلى دعوة أصدقائهم ومعارفهم، ما أنتج هذه الأفواج من المهاجرين الذين قطعوا الحدود إلى سبتة.
وشددت المصادر على أن "الصور والفيديوهات التي يتم ترويجها، لا تنقل الحقيقة، ما نستطيع تأكيده أن أسراً بأكملها رحلت إلى سبتة المحتلة، بخلاف ما يشاع من كون الأمهات رافقن أبناءهن في تلك الرحلة، فالمسألة ليست مجرد قاصرين، بل عائلات كاملة رحلت".
ارتباك في مدريد
وعاشت مدريد وحكومة سبتة المحلية أجواء ارتباك غير مسبوق نهائياً، حيث فوجئت الحكومتان بأكثر من 5000 مهاجر داخل البلد في أقل من 24 ساعة، دون سابق إنذار.
ونشرت الحكومة المركزية وحدات من الجيش الإسباني، من أجل توفير الدعم اللوجستي للحكومة المحلية، وذلك بسبب عدم قدرة المستودعات التجارية المغلقة المتواجدة في منطقة "تراخال" الحدودية على استيعاب هذه الأعداد الكبيرة من المهاجرين.
وانتشر أفراد الجيش الإسباني في شوارع سبتة، وشرعوا في توفير أسرّة بطابقين لاستيعاب المهاجرين، فيما قامت الثكنات العسكرية المتواجدة في المدينة بتعزيز احتياطاتها الأمنية، كإجراء احترازي، فيما تحاول السلطات المحلية تجميع المهاجرين من أجل البحث عن أماكن لإيوائهم.
هذا الارتباك ظهر في قرار رئيس حكومة سبتة المحلية، خوان فيفاس، الذي قطع زيارته إلى مدينة إشبيلية بشكل مستعجل للعودة، كما عقد مع وفد الحكومة في سبتة المتواجد في إشبيلية اجتماعاً طارئاً لحسم الإجراءات التي سيتم اتخاذها.
من جهتها اختارت وزيرة الشؤون الخارجية والاتحاد الأوروبي والتعاون بإسبانيا، أرانشا غونزاليس لايا، عدم التصعيد تجاه المغرب، وهي تتحدث إلى الصحافة، الإثنين 17 أيار/مايو الجاري.
وأكدت في تصريح مقتضب: "لا يوجد دليل من حكومة بلادها على أن المغرب رفع يده عن ملف الهجرة السرية وقرر السماح بمغادرة المهاجرين إلى إسبانيا كوسيلة للضغط على مدريد".
وسجلت مسؤولة الخارجية الإسبانية، في معرض جوابها على أسئلة الصحافة حول إمكانية قيام المغرب برفع يده عن ملف الهجرة السرية للضغط على إسبانيا، قائلة: "لسنا على علم".
وترى وسائل إعلام إسبانية، أن سهولة وصول المهاجرين إلى سبتة وعدم تدخل السلطات المغربية كما كانت تفعل سابقاً، يأتي كرد فعل من المغرب على أزمة استقبال مدريد لزعيم جبهة البوليساريو الانفصالية.
رسالة الرباط
"بعد حوالي 24 ساعة من الانسحاب المفاجئ للأمن الحدودي، وفي وقت تزايدت فيه أفواج المهاجرين القادمين من مختلف مدن شمال المغرب، والذين استعانوا في انتقالهم إلى الحدود بمختلف وسائل النقل وصولاً إلى الانتقال عبر الأقدام مع دخول حظر الطوارئ في تمام الثامنة ليلاً (19:00 بالتوقيت العالمي)، عادت القوات العمومية إلى مكانها".
من جهة أخرى، كشفت مصادر من الرباط، أن "إسبانيا حرصت على تجاهل ورفض التجاوب مع المطالب المغربية، والتعامل بعدم احترام مع العلاقات الثنائية بين البلدين والتي كان آخرها ملف قائد البوليساريو، إبراهيم غالي، الذي أدخلته أراضيها بقصد العلاج".
وتابعت مصادر "عربي بوست"، أن "هذا الملف ليس الوحيد الذي يشكل موضوع خلاف بين البلدين، لكنه يعد أحد أسباب التوتر بين الجانبين، خاصة الطريقة التي تعاملت بها إسبانيا مع المغرب، ودعواته لعدم احتضان خصم وحدة المملكة، خاصة أن "غالي" لم يدخل التراب الإسباني منذ سنوات عديدة بعد شكايات التعذيب والاغتصاب المرفوعة ضده".
وشددت المصادر ذاتها على أن "إسبانيا تعمل منذ وقت ليس بالقصير على تجاهل مصالح المغرب، وذلك عبر المشاريع التي شرعت في تنفيذها في مدينة مليلية المحتلة".
هذا وتضع السلطات الإسبانية في مليلية المحتلة، والسلطات الجزائرية اللمسات الأخيرة على مشروع ربط بحري بين ميناء مليلية وميناء مدينة تلمسان بالجزائر.
وتعمل الحكومة اليمينية المحلية في مليلية المحتلة، بتنسيق مع الحكومة المركزية في مدريد، على إعداد قانون يسمح للمواطنين الجزائريين بدخول المدينة المغربية المحتلة دون الحصول على تأشيرة.
وسجلت المصادر، هذه الأعمال مرفوضة، فسبتة ومليلية مدينتان مغربيتان، لا يعقل أن يمنع المغاربة من دخولهما، فيما تسمح إسبانيا لغير المغاربة بهذا الحق.
وفي إطار صراعه مع إسبانيا، كان المغرب قد قرر إغلاق معبري سبتة ومليلية المحتلتين، اللذان يعدان أكبر ممرات لتهريب السلع والبضائع بين الرباط ومدريد.