فكّرت لو بدأت بالتذكير أن فلسطين أم القضايا والمقاومة، لكنّي أجِد حرجاً أن أُذكّر أقواماً بكلمات بينما ما يحدُث ليس فقط بمُذكّر لكنّه مُزلزِل للأدمغة وحافر للأحداث في أعمق نقطة في الذاكرة. فكّرت لو قلت إنّه واجب علينا التعاطف لكن نحن لا نتعاطف مع الفلسطينيين وإنما نحاول جاهدين أن نفعل بعضاً من واجبنا، وقليلاً من آدميّتنا. الأغراب فقط من نشاركهم بالتعاطف لكن هم نحنُ، وهذه القضية قضيّتنا مثلهم تماماً، هي همّنا وشغلنا الشاغل وملء أفئدتنا.
دائماً وأبداً، في وقت اشتداد الحرب ووقت تراخي حبالها، في اللحظات التي يكتُب عنها الجميع وفي اللحظات التي لا يذكرها أحد، تبقى فلسطين منفذ الأعياد الصادقة والجنازات الفرِحة الحزينة، فلسطين القضية التي لن تأخذ من منطقك خمس ثواني لتحديد وجهة الحق المحفوفة بدويّ الصواريخ ورماد ما بعد القصف.
والمجتمع الدولي الأعمى المُتاجر بالقضايا الإنسانية التي تروق له وحسب، تجده أسداً أمام أي جريمة ولو بسيطة من أي عربي مُسلم، وتجده فأراً أعمى وأصمّ أمام كل جرائم الاحتلال. لكن في نظري، الحق ليس عليه أن ينتظر تأشيرة سيادة المجتمع الدولي، الحق حدٌّ فاصلٌ بين القضايا الحقيقية والفعل الدولي غير المُنصِف. ورغم الفزع وتسارع الأحداث في فلسطين فإنّه مع كل تأوُّه للشعب الفلسطيني يصل الصدى والألم في قلوب العرب فتحترق أكذوبة السلام وكل الذي قدّمه ترامب للصهاينة وقت حُكمه، فها هي الشعوب العربية الصادقة تسحب ذلك البساط من تحتهم.
وعلى الجانب الآخر لا أحد يستطيع إنكار قيمة الكلمة، الكلمة التي يقولها الضعيف الذي لا يرى أنّه لا حيلة له، أنا وأنت وكل الذين لا تسعهم القوّة ولا يملكونها كي يُحرّروا بأيديهم، لكنّنا نحكي، نحكي للذاكرة وللتاريخ، وللأجيال الجديدة وللعالم المُتخاذل.
لا يجب تقليل قيمة هذه الكلمة التي نحسبها من قلة الحيلة، فإن هذه الكلمات حروب، حروب ضد المُحتل الذي يُنفق كل ما بوسعه كي لا تصلنا الحقيقة، أو كي ننسى الحقيقة.
الكلمة التي تُزلزل تحت قدميه ثبات الأرض المُغتَصبَة، وصمت العالم المُتآمر، ولو كلّنا في سجنٍ واسع فإنّنا أحرار بالكلمة، بالقول الصادق الفاصل بين وحشية الاحتلال وصلابة المُرابِط. أن نُحاربهم بأدواتهم التي لطالما زرعوا خلالها كل ما يُزعزع عقيدتنا أنّهم العدو الأول، أن نحول كل اتفاقياتهم ومساعيهم إلى رماد، ونكشف كل أكاذيبهم الواضحة.
ولو أن الكلمة وحدها هي الفعل الثابت المُستمر لرأيت هشاشة الاحتلال يوماً بعد يوم، هشاشته التي لا يقوى حتى على غلبة إيمانك بكل ما أوتي من قوة وسلاح وعالم مُسانِد وإعلام مُضلِّل مُجرِم.
فيا عزيزي تكلّم واحكِ، حتى لو تظاهر العالم أنّه لا يسمع فكلماتك يوماً سُتعيد إليه سمعه وترُد إليه بصره وتنتصر القُدس بالذي ظننته يوماً ما قلّة حيلة، فلنكن العقبة والشوكة في طريقهم واستماتتهم نحو تضليل العالم وحصار غزة.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.