تدخل المواجهة العسكرية في غزة بين فصائل المقاومة ودولة الاحتلال أسبوعها الثاني، وسط حالة من عدم اليقين لدى إسرائيل بشأن سقف التحرك في هذه العملية، والتي تنحصر في ثلاثة خيارات، إما استمرارها بهذا المستوى الحالي، أو توسيعها استراتيجياً باجتياح بري داخل غزة، أملاً في تحقيق إنجاز عملياتي على الأرض، أو التراجع خطوة للوراء بمحاولة الوصول لاتفاق لوقف لإطلاق النار.
من الملاحظ أن اليومين الأخيرين شهدا زيادة في وتيرة القصف الإسرائيلي للبنى التحتية في غزة، ما تسبب في ارتكاب مجازر بشعة بحق عشرات العائلات التي أبيدت في هذا العدوان بأشكال مختلفة من الصواريخ وقذائف المدفعية والبوارج الحربية، وزاد عدد الشهداء عن مئتين، بينهم 59 طفلاً و35 سيدة، و1300 إصابة وصفت جراح بعضهم بالخطيرة.
رفع مستوى التهديد
رغم أن إسرائيل لم تحدد هدفاً واضحاً لهذه الجولة من المواجهة فإن الساعات الأخيرة بدأت الرقابة العسكرية تكشف أن السقف الذي وضعته المؤسسة الأمنية والسياسية هو اغتيال قيادات الصف العسكري الأول لحماس، الذين تتهمهم إسرائيل بإدارة هذه المعركة، وهم: محمد الضيف، يحيى السنوار، مروان عيسى، أحمد غندور، محمد السنوار، فتحي حماد، وأبو عبيدة، الناطق باسم كتائب القسام.
الجنرال الإسرائيلي أمير افيفي انتقد أداء الحكومة في هذه المواجهة قائلاً: "إذا لم نقم في هذه الجولة باغتيال الضيف والسنوار فلن نستطيع القيام بذلك مستقبلاً، وسنظهر بأننا هزمنا أمام أعدائنا الآخرين، وإذا ظهرنا بمظهر الضعفاء فإن ذلك سيعني حرباً في جبهة أخرى، لأننا سنكون قد فقدنا الردع".
فقدان الردع
معاوية موسى، الباحث في مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست" إنه "لا شيء لدى الجيش حتى هذه اللحظة يستطيع تحقيقه في هذه الجولة، فالأولوية الآن باتت استعادة الردع الذي فقدته إسرائيل في هذه الجولة، كما يمكن تفسير أن زيادة مستوى القصف الذي يستهدف البنى التحتية تغير في استراتيجية المواجهة التي حددتها إسرائيل من اغتيال قادة المقاومة، إلى رفع تكلفة أي مواجهة قادمة عبر القصف المكثف والهمجي للبنى التحتية وبيوت المواطنين".
ورأى أن "الأزمة السياسية في إسرائيل حاضرة في هذه الأزمة، صحيح أن صاحب القرار لهذه المعركة هو الجيش، لكن ما يصدر من تغريدات لتحميل نتنياهو الفشل جزء من حرب المناكفة السياسية مع خصومه".
تضخيم الإنجازات
في السياق ذاته يمكن ملاحظة أنه مع كل عملية قصف واغتيال تجري في غزة تبدأ عملية تضخيم الإنجازات من قبل رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وكأنه يحاول أن ينقل صورة للجبهة الداخلية التي اهتزت ثقتها بالجيش للقضاء على حماس وإضعاف بنيتها التحتية.
يوسف الشرقاوي، اللواء المتقاعد والخبير العسكري قال لـ"عربي بوست"، إن "المتتبع لسلوك القصف الإسرائيلي على غزة، خصوصاً في الأيام الثلاثة الأخيرة، يجد أنها تتبع النمط الكلاسيكي القديم في المواجهة العسكرية، وتقوم على افتراض أن تحقيق الانتصار يقوم بإيقاع أكبر قدر ممكن من الضحايا في الطرف الآخر، لأنها عجزت عن تحقيق الهدف الأول وهو اغتيال صيد ثمين من قادة الفصائل المسلحة".
هذا الأمر ترجم على الأرض بتراجع نتنياهو في اللحظات الأخيرة عن الإدلاء بمؤتمر صحفي بعد القصف الشديد الذي شنته الطائرات الإسرائيلية في ساعة مبكرة من صباح الإثنين، واستهدف مقار حكومية ومدنية في منطقة غرب غزة بقنابل مجنحة شديدة الانفجار تستخدم لاختراق المواقع العسكرية شديدة التحصين.
عماد أبو عواد، مدير مركز القدس للدراسات الإسرائيلية قال لـ"عربي بوست"، إن "ارتباك الاحتلال على المستوى السياسي والميداني والإعلامي نابع من عدم وجود استراتيجية واضحة لديه للتعامل مع أزمة غزة، لذلك هو متردد بشأن مستقبل العملية الجارية الآن، والشكل الذي يجب أن تكون عليه، فإذا قرر التوقف الآن يعني انتحاراً سياسياً أمام جبهة كانت تحتل أولوية في المرتبة الثالثة، بعد إيران أولاً وحزب الله ثانياً".
وأضاف أن "من يتحكم الآن في سيناريو المعركة هي المقاومة، فيما تهدف إسرائيل لتحسين شروط التفاوض، وخفض سقف مطالبها للوصول لاتفاق تهدئة تأمل إسرائيل أن يكون في حدود 3 سنوات".
انتقادات لضعف الأداء الميداني
الانتقاد الإسرائيلي لأداء الحكومة في التعامل الميداني في هذه المعركة لم يقتصر فقط على المراسلين العسكريين، بل شمل مسؤولين حكوميين على المستوى السياسي والأمني، حيث وجه وزير الدفاع السابق أفيغدور ليبرمان نقداً لاذعاً لنتنياهو قائلاً: "حرب غزة بلا سياسة واضحة، فإذا أنهيناها دون نزع سلاح حماس، وإعادة الأسرى، فكل هذا الجهد سيذهب سدى، وسنصل لنفس النقطة، ثم عملية عسكرية لاحقة، في ظروف أكثر صعوبة، تشكل خطراً أكبر علينا، وحماس ستخرج فيها منتصرة، لأنها كشفت عورة جبهتنا الداخلية.
أطماع نتنياهو السياسية
إسلام شهوان، المختص في الشؤون الأمنية والعسكرية، قال لـ"عربي بوست" إن "عناصر القوة التي تمتلكها إسرائيل خسرتها في هذه المعركة، أهمها عدم حيازتها لعنصر المفاجأة، والافتقار للتحكم في نسق ومستوى الرد، وغياب الجاهزية والاستعداد الكامل لهذه المعركة، فيما تمكنت المقاومة من توجيه ضرباتها بدقة، ووصلت لأهداف استراتيجية بالغة الأهمية في الدولة، وبثت الرعب في الجبهة الداخلية، ونزعت الثقة بين الجمهور الإسرائيلي وقيادته السياسية".
تتحدث أوساط عسكرية إسرائيلية أن مهاجمة الجيش للمباني العالية في غزة ليست رادعة للفلسطينيين، بل إن أداءه الحالي فاشل مقدماً، ورغم الاغتيالات والدمار في غزة فما زالت يد حماس هي العليا، لأنها حققت إنجازات تتباهى بها بإطلاق الصواريخ نحو القدس، وتحولت بنظر الفلسطينيين مدافعة عن الأقصى.
أحمد الفليت، مدير مركز نفحة للدراسات الإسرائيلية، قال لـ"عربي بوست" إن "الأداء الإسرائيلي في هذه المواجهة مع حماس يأخذ مستويين، الأول العسكري بمنح قيادة الجيش تفويضاً بتحقيق أكبر قدر ممكن من الإنجازات على الأرض لتحييد وإضعاف قوة المقاومة، والثاني السياسي عبر محاولة نتنياهو استثمار هذه المعركة لصالحه بعيداً عن الحسابات الميدانية، آملاً إعادة تفويضه من جديد لتشكيل الحكومة".
وأضاف أن "نتنياهو يمتلك مجموعة أوراق يستطيع المناورة فيها، وتتمثل بإمكانية الطلب من رئيس الدولة استمرار عمل الحكومة التي يرأسها لمدة ستة أشهر إضافية، وتجميد التفويض الممنوح لخصمه يائير لابيد، أو الطلب من الكنيست المصادقة على حكومة طوارئ يرأسها في حال قدم خطة عسكرية ضد قطاع غزة".