لا أدري إن كان هناك أقسى من أن يعيش الإنسان منّا انهيار حلمه وتبدده في حطام حرب يُقال إن مُنفذها ينتمي إلى بني البشر، ولم أقرأ في التاريخ أصبر من الشعب الفلسطيني الذي ما زال يعيش الاستعمار بتجدده واختلاف أسمائه.
ليس سهلاً أن يتقبل العقل البشري الطبيعي انهيار أركان حياته من عائلة ينتمي إليها، أو ذكريات بيت أصبح في مهبّ الريح بقرار عنجهي صلف صهيوني يبيد البشر والحجر، لا أعلم حقيقة ما هو شعور الغويّ إذ ينام ويستيقظ على صوت القصف ونحن إذ يزعجنا صوت الرياح يطرق النوافذ، ويعكر صفو يومنا صوت عامل بناء قريب من المنزل، كما لا أعلم حقاً ماهية الشعور الذي يمكن الحديث عنه أو حتى وصفه عندما يؤلم أطفالنا أننا لم نستطع أن نؤمن لهم هداياهم الفارهة.
كل ذلك، بينما أطفال غزة أكبر أحلامهم أن يعيشوا في أحضان عوائل ليست منقوصة العدد أو مشوّهة الجسد إثر قصف الاحتلال، أو حتى دون أن يكبر الأطفال فجأة فيقول أحدهم للمسعف: "لا تتعب نفسك، أهلي تحت الأنقاض جميعهم شهداء وأشلاء!" يا الله ما أقسى هذا الشعور، كيف لطفل أن يشيّع عائلته ويبقى هو امتداد الوجع فيها على هذه الحياة! كيف لامرأة أن تدفن نجلها وهي التي لو خُيرت لاختارت الموت لنفسها على أن يموت هو!
إن في غزة الحياة ليست كما نحياها نحن، معاني الحياة كلها مختلفة، رغم ذلك، فإن في غزة هاشم كل شيء مُعرّض للموت إلا الحياة والأمل، لا شيء يمكنه أن يقتل الوجود الفلسطيني ولا اقتلاع الحياة الفلسطينية، أعتقد أن الله خلق الصبر والثبات والتضحية والفداء والكرامة والشموخ والعزّة واليقين فقال لفلسطين تخلّقي وكوني.
إن الفلسطيني إذ يقاتل على عدة جبهات فهو يقاتل بشرف، لأنه صاحب الحق التاريخيّ في الأرض المقدسة، يقاتل بيقينه أنه المنتصر، وأن الله لم يجعله في مهبّ هذه المواجهة إلا لعلمه يقيناً أنه سينتصر بقوته الإيمانية والعقلية والنفسية والجسدية.
ذات يوم قرأت مذكرات لجنود شاركوا في الحرب الصهيونية على غزة مطلع عام 2009، هذا الجيش الذي تمده أمريكا بأقوى الأسلحة وأكثرها فتكاً في الشعب الفلسطيني، كان ينهار نفسياً أمام مشاهد الصمود الفلسطيني الذي سطره الشعب صاحب الأرض والحق، فلم يكن يستوعب جيش الاحتلال أنه كيف لإنسان أن يحتمل ضربات قاسية وهو يصرّ على الثبات على أرضه، وذلك لم يكن إلا دليلاً على أن الفلسطيني هو الأصيل، والصهيوني هو المأزوم المارق على هذه الأرض.
لا شك أن الثمن الذي يدفعه الفلسطيني باهظاً لا يقتصر على أمور مادية، إنما على صعيد بشري كبير، كأن تعلن وزارة الداخلية في غزة أن عوائل بأكملها مُسحت من السجل المدني جرّاء هستيريا القصف الصهيوني المستمر على قطاع غزة، إلا أن العالم ما زال يدعي أن الاحتلال يدافع عن نفسه أمام ما يسمونه "الإرهاب الفلسطيني"، متجاهلين التاريخ، معتمدين على رواية القوة فقط.
ولكن الفلسطيني لا يسأل الشعوب والعالم إلحافاً، يسأل الله فقط نصره على عدوه ومن خذله، حتى يُقال "لمن النصر اليوم؟" فهو لله ولمن قاتل باسم الله ولدين الله ولمقدسات عقيدة أمرنا بها الله، النصر لمن رفع راية الله على أرض الله.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.