سيظل تصدُّر لاعبي كرة القدم سفينة الدفاع عن القضية الفلسطينية بمثابة الهروب من طوفان خيانتها. ويمكننا أن نرتبها إلى عدة أشكال حسب شكل الدفاع وتأثيره أو يمكن أن يختلف الناس ويتعمقون في أن فلان يتضامن قاصداً كسب بعض التعاطف أو بعض "المشاركات" على فيسبوك أو منصات التواصل الاجتماعي، ولكن يظل هنالك بعض تلك المواقف التي تظل عالقه في رؤس المشجعين والمتابعين، بل وحتى يستشهد به من لا يعرف عن المستديرة غير استدارتها.
في خضم الحرب على غزة عام 2008 ومن المشاهد الأيقونية في رؤوس العرب والمصريين ومن الأهداف التي جعلت حتى السودانيين يحتفلون بهدف دخل مرماهم، ذلك القميص الأبيض وتلك الكتابة الخضراء التي ظهرت بعد ارتفاع القميص المصري الأحمر والذي خيل للجميع حينها أنه أشبه بدماء الفلسطينيين في ذلك الوقت، ما جعل الجميع يصرخ من شدة الفرح. ولأول مرة لا يكون هذا بسبب دخول الكرة الشباك، بل دخول محمد أبو تريكة القلوب ليتوج حينها ملكاً للقلوب.
ومهما ظل البعض يشكك في موقف هذا وذاك من تضامنه مع القضية الفلسطينية، فسيظل أبو تريكة ممن تراه "ابن الشعب"، فلا يعيش في برجه العاجي، وينعم علينا بتعليق أو بتغريدة لكي يرضي الأرقام المتفاعلة بالـ"أغضبني"، أو انتظاراً لخبر يعلنه مخرساً لألسنة جميع المشككين، بل ظل نجم الكرة المصرية والعربية لا يدع مجالاً في أي منصة إلا وأعلن فيها دعمه الأبدي للحلم الفلسطيني، وبغضه للاحتلال الصهيوني واستنكاره لجرائمه.
ومن بعد أبو تريكة خلف بعده محمد النني الذي لم ينتظر ولم يفكر للحظة قبل نشرة لدعمه بقلبه وروحه للقضية الفلسطينية، رامياً خلفه كل المخاطر، فلا نظر لرعاة ولا بحث عن خطورة ما يمكن حدوثه، رغم ردود الفعل القوية من داعمي الدولة المزعومة حول العالم، فلم يكن هنالك أغلى عند النني من قضيته.
وحتى حكيم زياش، المغربي الذي يلعب في نادٍ يملكه أحد رجال الأعمال الصهاينة لم يمنعه هذا عن إعلان موقفه بكل صراحة، بل وفي بث مباشر خيري على موقع الإنستغرام وبمشاركة نجوم الكرة المغربية، استطاع المساعدة في جمع التبرعات للشعب الفلسطيني ومساعدتهم في رفع الاضطهاد عنهم حتى لو كان بالدعم المادي.
وقضية فلسطين ليس حكراً على العرب فقط، بل فقط بل هي قضية كل إنسان، لذلك لم تكن هنالك أي غرابة في وجود ساديو مانيه السنغالي، بل ليست حكراً حتى على المسلمين، فنجد التضامن من أندية مثل نادي ولفرهامبتون الإنجليزي. تلك القضية تضيف للمدافع عنها ولا يضيف إليها داعم.
وقطعاً وجود المؤثرين في مجال كرة القدم، خصوصاً في الصورة، يضيف إلى الزخم والوعي عن القضية كثيراً، فبهؤلاء المؤثرين يمكنك أن تستغني حتى عن الإعلام الغربي الذي نظل نتغنى دائماً بعدم نزاهته وعدم عرضه للحقائق، وتعمد التعتيم على انتهاكات الصهاينة، في حين أنه بتغريدة واحده قد تتمكن من الوصول إلى الملايين حول العالم.
فغرضنا من مشاركات هؤلاء هو من باب المساهمة الإعلامية ليس إلا، خاصة أن تلك المنابر هي أكبر منابر إعلامية، وقد تكون تلك المساهمات تصل إلى شرائح من الناس حول العالم لا يعلمون عن قضيتك شيئاً ولم يسمعوا بها قط، ولكن صرخات الجماهير أمام العالم أجمع فرحاً بأهدافك، ثمنها على الأقل صرخة أمام العالم، وهذا أقل هدف يفيدهم هم للمرة الأولى.
ولا شك أن الزخم الإعلامي في قضيتنا وبزيادته قد يكون مؤثراً بشكل أو بآخر إذا انتشرت القضية في تلك المنابر، وحتى لو لم يكن هذا بالتأثير الكبير فعلى أقل تقدير قد يقلل هذا من تطورات العدوان على الشعب الفلسطيني.
وكما ذكرنا من قبل فلا تتشرف فلسطين بداعميها ولا بشهرتهم ولا حتى بمدى تأثيرهم، ولكن سيذكر في التاريخ وسيعلق في الأذهان كل من دعم القضية وأخذ على عاتقه توصيل صوت أهله كلما استطاع، حتى لو أصبح مستقبله المهني مثل مسعود أوزيل الذي تعرض لضغوطات رهيبه بسبب تضامنه مع مسلمي الإيغور، بل ورحل من نادي أرسنال الإنجليزي، ولكن هذا لم يجعله يفكر أو يتأخر قبل إعلان دعمه الكامل وتضامنه مع فلسطين أرضاً وشعباً وإن كان مسعود ممن كان يعرف الجميع أنه سيكون من المتقدمين والمتصدرين في تلك المواقف التي يعرف فيها الرجال.
وما يؤكد على أن قضية فلسطين ليست مقتصرة على العرب فقط موقف حمزة تشادري لاعب ليستر سيتي بعد فوزهم بالكأس الإنجليزي برفعه علم فلسطين في الاحتفالات، ونهنئ حتى حمزة نفسه بفوزه بقلوب الملايين، ومثل تلك المواقف هي التي تخلد أسماء اللاعبين في قلوب المشجعيين، حتى لو لم يحرزوا في النهائيات أو يلعبوا في كبار الفرق حول العالم. ولكن يمكنك حتى وأنت لاعب مغمور في نادٍ متوسط مثل ليستر سيتي أن يظل اسمك على كل لسان وأن تتحول إلى قدوة للأطفال حول العالم.
إذن وفي النهاية.. ما يمكننا أن نتأكد منه أن مهمة الرياضي أو لاعب كرة القدم لا تقتصر فقط على إحراز الأهداف ولا على ما يفعله داخل المستطيل الأخضر.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.