منذ نحو أسبوعين بدأت أحداث حي الشيخ جراح شرقي مدينة القدس، التي جاءت كشرارة لما يحدث الآن في فلسطين، وكأنه ناقوس يدق ليعلن للعالم أن فلسطين الحبيبة على مشارف انتفاضة ثالثة، وعلى الإنسانية أن تصلي من أجل القدس، وأن تولي وجهها شطر ما يحدث في فلسطين.
استيقظ العالم على معلومات يتم تداولها عبر مواقع الأخبار وصفحات التواصل الاجتماعي عن تهجير إجباري لأهالي فلسطين الذين يسكنون الحي منذ ما يزيد على 70 عاماً، مُنذ سنة 1948، ليأتي بعد ما يقارب القرن من الزمن مستوطنون صهاينة يدّعون أنهم يمتلكون وثائق تعود أصولها لملكيتهم منازل الفلسطينيين، ومن ثم يرفض السكان الحقيقيون للوطن وهم الفلسطينيون ترك منازلهم، لتقوم قوات الكيان الصهيوني المُحتل بالاشتباك مع الأهالي واعتقالهم على خلفية رفضهم التنازل عن حقوقهم في الأرض والعرض.
بدأ الأمر خلال الأيام الأولى للأحداث وكأنه خبر عاجل كعادة الأخبار التي يتم تداولها عن فلسطين، أو مُجرد فصل قصير من أحداث قصة النضال الشعبي الفلسطيني الذي نعيشه مُنذ عام 1948، لكن كعادة فلسطين وأهلها، نرى ونتعلم منهم وهم يسردون فصلاً جديداً من تعاليم الحرية والعزة والكرامة، وهم يصنعون التاريخ كعادتهم.
أنا هنا ليس لأتحدث عن أي فصيل سياسي أو عسكري، أنا هنا لأتحدث عن فلسطين التي شاء القدر أن تكون الحكايةَ المُستمرة التي تعلم البشرية من خلالها معنى الإنسانية، معنى مقاومة الاستبداد ودفع ثمن الحرية، معنى الابتسامة في عز المحَن، تلك الابتسامة التي كنا نراها في لحظة اعتقال الفلسطينيين، وكأنهم يقولون بها للعالم: كلّما اشتدّ البلاء زادت المقاومة والصمود، لا بكاء ولا لحظة انكسار بعد اليوم، ابتسامة من شدّة صدقها أبكت العالم، فلسطين هي مِنحة الله لتعليم البشرية مفاهيم الحرية التي نتحدث عنها ونتداولها في أحلامنا، هي الفكرة التي لا نستطيع أن نعبر عنها بمجرد الكلمات.
تخيّل أنها أرضك، تخيّل أنّ ذلك الشيخ أبوك، وأنّ تلك المسنّة أمّك، تخيّل أنّ هؤلاء الرجال والنّساء إخوتك، تخيّل الخوف والرعب وأصوات القنابل والرصاص، تخيّل الضرب والركل والسّحب، ثمّ ضع يدك على قلبك، إن لم يتحرّك، إن لم يهتزّ، فاعلم أنك فقدت إنسانيتك، لم تكن القضية الفلسطينية هي قضية فلسطين وحدها، ولم تنحصر في عرب أو مسلمين، إنّما هي قضية الإنسانية كلّها.
عندما كُنت أرى تدوينات الشباب الفلسطيني ليلة عيد الفطر المبارك، أثناء القصف الوحشي من جيش الاحتلال على قطاع غزة، وقفت مذهولاً أمام تدوينة إحداهن وهي تقول: "أمي برغم القصف والحرب القائمة مُصرة وحالفة يمين ما نموت وإلّا والمنزل جاهز للعيد".
ما هي تلك العقيدة التي يؤمن بها هؤلاء؟ وما هو الأمان الذي يمتلكه هذا الشعب العظيم؟ ما هي ماهية الطمأنينة التي يصدرونها إلينا نحن بني البشر؟ وما أعظم هذا الصبر الذي سيجازون عنه كل الخير يوماً ما.
لا أحد من جيلي يمكنه أن ينسى مشهد الشهيد الطفل "محمد الدرة" هذا الأسطورة الخالدة في أذهاننا أبد الدهر الذي نعيشه، الذي راح ضحية للأعمال الوحشية التي يستخدمها الكيان الصهيوني المُغتصب لحقوق الشعب الفلسطيني.
ففي سبتمبر/أيلول من عام 2000 أثناء انتفاضة فلسطين الثانية، استيقظ العالم على مشهد لا يمكن محوه من ذاكرة العالم، على وابل من الرصاص نحو طفل مُختبئ بين أحضان أبيه مُحتمياً به، ذلك المشهد الذي كان ضمن مشاهد عديدة دليلاً على خسّة جيش المُحتل، والذي جعل العالم وما تبقى فيه من إنسانية يدين أفعال إسرائيل تجاه فلسطين.
ما يحدث في فلسطين وغزة الآن لا يمكن النقاش فيه مع من يرى أن عليك النظر من أكثر من زاوية، لا زوايا متعددة حين تكون إسرائيل في الطرف الآخر من القضية، لا تناقش مَن يفضل أن يكون محايداً، لا حياد هنا، القضية قضية عقيدة، قضية وطن، قضية إنسان، سكوتك عن الظلم ظلم، وإن كانت عينك لا تبصر، فليبصر قلبك.
تذكروا ما قالته جولدا مائير رئيسة وزراء الكيان الصهيوني عندما اغتيل الكاتب الفلسطيني "غسان كنفاني" على يد الموساد: "اليوم تخلصنا من لواء فكري مسلح، غسان بقلمه كان يشكل خطراً على إسرائيل أكثر مما يشكله ألف فدائي".
وخلال الأيام القليلة الماضية وأنا أتابع ما يحدث في الأراضي المُحتلة، كُنت أتساءل ماذا الذي عليّ فعله تجاه ما يحدث من انتهاكات ضد الشعب الفلسطيني؟ لا أملك سوى الكلمة والدعاء بأن نصر الله قريب.
لذا تحدثوا عن فلسطين، تكلموا عن نضال شعبها، أخبروا العالم بما يتعرضون له من أعمال إجرامية، تحدثوا عنهم عبر مواقع تواصلكم الاجتماعية، اجعلوا أنفسكم جسراً يحمل مُعاناة شعب لتعبر قصتهم من خلالكم إلى أجيال سيأتون من بعدكم، "فالكلمة سلاح لكلّ من لا يملك رصاصة".
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.