تركز العدوان الإسرائيلي على غزة في أيامه الأولى على استهداف البنية التحتية لوسائل الإعلام، إذ قامت الطائرات الإسرائيلية بتدمير أربعة أبراج سكنية تضم مقرات ومكاتب لمؤسسات صحفية محلية وعربية ودولية.
وتسعى إسرائيل في معركتها إلى كسب معركة الرواية من خلال تحييد وسائل الإعلام عن نقل صورة الوضع وحقيقة المجازر التي ترتكبها، وتغييب الرواية الفلسطينية.
آخر المؤسسات الإعلامية التي جرى تدميرها مقار شبكة الجزيرة الإعلامية القطرية ووكالة أسوشيتد برس الأمريكية، عبر تدمير كامل لبرج الجلاء وسط مدينة غزة، ليصل إجمالي عدد المؤسسات التي جرى تدمير مقارها بشكل كامل إلى 25 مؤسسة صحفية وإعلامية.
ورغم أن العدوان الإسرائيلي يدخل يومه السابع، إلا أن عدد المؤسسات الصحفية المستهدفة في هذه المواجهة تجاوز ما تم تدميرها في حرب غزة الأخيرة صيف 2014 والتي استمرت 51 يوماً، وتضررت بها 23 مؤسسة صحفية خلال فترة الحرب.
خسائر إعلامية باهظة
تحسين الأسطل، نائب نقيب الصحفيين الفلسطينيين قال إن "عدد المنشآت الصحفية والإعلامية التي تضررت بشكل جزئي وكلي منذ بدء هذه المواجهة تجاوزت 40 مؤسسة، من بينها مكاتب لقنوات تلفزة إعلامية محلية وعربية ودولية ناطقة باللغات الإنجليزية والفرنسية، إضافة إلى مؤسسات إذاعية وصحف محلية، ومؤسسات الإعلام الجديد، ومكاتب إعلامية تقدم خدمة البث الفضائي".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "الخسائر الأولية لهذه المجزرة التي ارتكبتها إسرائيل تتجاوز عشرات الملايين من الدولارات، من ضمنها فقدان معدات التصوير، وتدمير أبراج الإرسال والاستقبال، وتدمير ترددات البث الهوائي، وممتلكات خاصة بهذه المؤسسات كسيارات البث المتنقلة".
وأشار المتحدث إلى أن "الخسائر البشرية حتى هذه اللحظة هي إصابة عشرة صحفيين بجراح متفاوتة أثناء تغطيتهم للأحداث الميدانية، كما وثقنا استهدافاً مباشراً للصحفيين أثناء قيامهم بمهامهم في نقل الحدث على الهواء مباشرة، إضافة إلى تعمد استهداف الصحفيين أثناء نقلهم لصور ومعاناة النازحين".
معركة الرواية
يشير السلوك الإسرائيلي في تركيز الاستهداف على المؤسسات الصحفية إلى تأثرها الكبير بخسارة معركة "الرواية"، فحتى هذه اللحظة تسجل المقاومة الفلسطينية نقاط إنجاز تتمثل في استمرار حالة التضامن الشعبي العربي والدولي معها، ومن مؤشرات ذلك خروج مظاهرات في العشرات من المدن العربية والأوروبية والأمريكية تندد بالاستهداف الوحشي الذي يتعرض له المدنيون في غزة، إضافة إلى حشد الجماهير في الضفة الغربية والداخل لتشتيت التركيز الإسرائيلي من استمرار العدوان على غزة.
علاوة على ذلك وظفت المقاومة وسائل الإعلام العاملة في غزة في نقل رسالتها السياسية للأطراف الخارجية عبر ظهور قيادات حركة حماس على وسائل الإعلام، وما يحسب لحماس في هذه الجولة نجاحها في استخدام الإعلام كوسيلة دعائية تظهر تطور قدراتها القتالية في هذه المعركة، وعلى العكس من ذلك كانت وسائل الإعلام تنقل صورة للجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق المدنيين.
وسام عفيفة، رئيس تحرير شبكة الأقصى الإعلامية، قال لـ"عربي بوست" إن "الإعلام بات القوة الأكثر تأثيراً في المعركة الدائرة بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية وهي لا تقل أهمية عن المعركة الميدانية، والتخبط الإسرائيلي بات واضحاً في السيطرة على الصورة التي تأتي من غزة، من خلال ما تتناقله وسائل الإعلام من صور لقصف وحشي مُمنهج يستهدف المدنيين، وفي الجانب الآخر فقدت إسرائيل السيطرة على الجبهة الداخلية من خلال عشرات آلاف الصور والمشاهد التي يتناقلها الجمهور الإسرائيلي عن قصف المقاومة لمناطق الداخل، ما تسبب في اهتزاز صورة إسرائيل أمام حلفائها في العالم الخارجي".
وأضاف المتحدث أن "الغباء في السلوك الإسرائيلي السياسي والعسكري هو تكرار الاستهداف للمؤسسات الإعلامية في كل جولة تصعيد، رغم أن النتيجة هي ذاتها وهو استمرار نقل الصورة الحية باستخدام أدوات أخرى نظراً للبدائل الأخرى المتوفرة، ومن أهمها منصات التواصل الاجتماعي التي جعلت كل مواطن بمثابة وسيلة إعلام يمكنه أن يؤدي ذات الهدف لوسيلة الإعلام والاتصال الخارجي".
استهداف وسائل الإعلام الأجنبية
ومن أوجه المقارنة بين العدوان الحالي وما سبقه من جولات قتال سابقة هو عدم تفريق إسرائيل بين وسائل الإعلام المحلية والدولية، ففي السابق كانت تركز إسرائيل على استهداف وسائل الإعلام المحلية باعتبارها مؤسسات تابعة للفصائل الفلسطينية، ولكن هذه المرة شمل الاستهداف الإسرائيلي وكالات ووسائل إعلام دولية، ما زاد من حدة الغضب على السلوك الهمجي الإسرائيلي.
وأصدرت وكالة "أسوشيتد برس" بياناً أدانت فيه تعرض مكتبها الرئيسي في غزة لقصف مباشر من قبل إسرائيل، ووصف المدير التنفيذي للوكالة غاري برويت ما جرى بأنه يشكل صدمة، مضيفاً أن "هذا تطور مزعج بشكل لا يصدق، لقد تجنبنا بصعوبة خسارة فادحة في الأرواح، إذ كان هناك العشرات من صحفيي الوكالة والعاملين المستقلين داخل المبنى، ولحسن الحظ تمكنا من إجلائهم في الوقت المناسب".
أما شبكة الجزيرة الإعلامية فأصدرت بياناً أشارت فيه إلى أن "ما قامت به إسرائيل يعتبر تصرفاً همجياً يستهدف سلامة الصحفيين ويمنعهم من ممارسة دورهم في كشف الحقيقة، وأن الشبكة تحمِّل الحكومة الإسرائيلية المسؤولية الكاملة عما جرى وتستخدم الإجراءات القانونية لذلك".
رئيس شبكة الصحافة الأخلاقية الدولية آيدن وايت، أعلن أن "استهداف إسرائيل لمكاتب صحفية دولية في غزة يرقى إلى جريمة حرب تستحق المساءلة".
من جهته، يرى أبوقمر، نائب رئيس منتدى الإعلاميين الفلسطينيين، في حديثه لـ"عربي بوست" أن "معركة الصورة خسرتها إسرائيل، والدليل هو استهدافها المباشر للصحفيين، فرغم أن 55 صحفياً ارتقوا شهداء منذ بدء انتفاضة الأقصى حتى اليوم، إلا أن ذلك لم يكن عاملاً في وقف التغطية، بل زاد من الإصرار على تأدية هذه الرسالة، رغم وجود حالة تهديد إسرائيلي مستمرة للعمل الصحفي في الأراضي الفلسطينية".
وأشار المتحدث إلى أن "معركة الصورة والرواية مهمة جداً، والاحتلال يعول على وقف الكاميرا للتغطية إلى جرائمه، وقد لامسنا ذلك في استهداف الكوادر الصحفية في مراحل مختلفة، وأهمها الحروب الإسرائيلية الثلاث على غزة وفي مسيرات العودة".