في أبريل/نيسان 2020، أقر مجلس النواب اللبناني المشروعَ الذي يسمح بزراعة القنب الهندي أو الحشيش، من أجل استخدامه طبياً وصناعياً. وأتى هذا القانون في ذروة الأزمة الاقتصادية التي يمر بها لبنان والمتمثلة بانهيار العملة اللبنانية الى أدنى مستوياتها بعدما أصبح الدولار الواحد يساوي 12 ألف ليرة لبنانية.
كان لإقرار هذا القانون أهميته في تحريك العجلة الاقتصادية، إذ إن القنب الهندي له مردود مادي كبير، ولكنه مصدر لأهم مزارعي الحشيشة في منطقة اليمونة داخل البقاع، حسب "ر.ش"، وهي من أكثر المناطق زراعة لها، يقول لـ"عربي بوست" إن إقرار القانون يعتبر حتى هذه اللحظة حبراً على ورق، مشيراً إلى أنه لم يُعمل بعد بهذا القانون حتى اللحظة.
يتابع "ر.ش" أنه بالفعل تم إنشاء لجنة تشريع ولكن كل شيء لايزال معلقاً، بسبب عرقلة الأحزاب السياسية للموضوع. لكن ومن ناحية ثانية، يرى مختار منطقة اليمونة جمال شريف، أن التشريع هو في سبيل نهب الدولة للأموال التي يحصدها تصدير الحشيش إلى الدول المجاورة والدول الأوروبية بعدما كان يعود بالربح على المزارعين.
لا يخلو الأمر في لبنان من التدخلات السياسية، فهذا الملف يعتبر من الأكبر والأهم في البلاد، يستطرد المصدر لـ"عربي بوست" بالقول إن "أغلبية المزارعين في البقاع من الطائفة الشيعية، لذا يغلب الطابع الطائفي على الملف، حيث تضيع الحقيقة حول روايتيْن: الأولى معركة بين حزب الله وأمريكا والسعودية، بحسب المزارع، لأن زراعة الحشيش وعدم القبول بالمشروع يعتبران أن حزب الله يحارب هذه النظرية ويحد من مؤامرات هاتين الدولتين عليه.
أما الرواية الثانية فأسبابها دينية، إذ يعتبر حزب الله أن الحشيش حرام شرعاً، لأنه من المواد المخدرة التي تذهب العقل، وكحزب ديني يرفض هذه "الزراعة الحرام"، كما أنه إن كشف فرداً تابعاً له يتعاطى الحشيشة فإنه يفصله ويمنع أعضاء الحزب من التعامل معه. لكن حزب الله ليس المعرقل الوحيد لهذا الملف فينضم إليه تيار المستقبل برئاسة سعد الحريري، لأنه لا يريد الخوض في هذا الموضوع، ولا يملك مصالح عديدة فيه، فبحسب المختار شريف فإن الزراعة لا تتم في مناطق الوجود السني، وهذا يجعل أبرز الكتل النيابية معرقلة لهذه الزراعة.
أما المسهلون لعملية التشريع فكان الحزب الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط والوزير السابق أكرم شهيب، ليس فقط لأهمية مردوده المادي وتغذيته لخزينة الدولة، إنما لتفعيل مبدأ اللامركزية الاقتصادية فبذلك يحصد اللبنانيون منافع عديدة.
وتشتهر منطقة البقاع اللبنانية بسهولها الضخمة والواسعة، فهذه السهول تشتهر بزراعة الحشيش، وفي العام 2017، أعلنت الأمم المتحدة أن لبنان رابع منتج لنبتة الحشيش في العالم، ولكن الزراعة غير شرعية.
الأرباح المادية
يؤكد "ر.ش" أن زراعة الحشيش التي تتم على طول سهل البقاع ومنطقتي اليمونة ودير الأحمر، تعطي مردوداً مالياً ضخماً، فالحشيش مردوده أكثر بثلاث مرات من زراعة الخضار الذي يصدّره لبنان.
ولكن يشترط هذا المردود تفعيل عملية التصدير إلى الخارج، إذ إن "ر.ش" يؤكد أن الاستخدام الداخلي لا يحقق أرباحاً تُذكر، وعلى هذا، التصدير يكون شرعياً، لأنه وحتى يومنا هذا ما زال التصدير غير شرعي رغم إقرار القانون.
وعدم شرعية التصدير لا يعني أنها لا تصدّر إلى الدول العربية والأجنبية، فأكثر الدول المصدر إليها هي الأردن، ليبيا، ومصر، إضافة إلى بعض الدول الأوروبية. ن حيث الأرقام، يشرح "ر.ش" أن تكلفة التصدير إلى مصر على سبيل المثال، نحو 100 ألف دولار، يصدر إلى مصر بقيمة مليون دولار ليكون ربح التاجر ما يقارب 900 ألف دولار.
التصدير والمحسوبيات السياسية
بما أن عملية التصدير غير الشرعي سارية على 4 دول عربية وبعض الدول الأوروبية، فإن الغطاء السياسي موجود بغية تقسيم الأرباح بين الأفرقاء السياسيين.
أما مختار منطقة اليمونة جمال شريف، فلا يوافق على كلام "ر.ش"، حيث يقول إن هذه المحسوبيات كانت موجودة أثناء الحرب اللبنانية فقط، أما اليوم فالجميع يعمل معاً. كما أنه أشار إلى أن الدولة اللبنانية هي التي تتسلم التصدير إلى الخارج، بطريقة غير قانونية، من خلال تجار تابعين لها.
الخلاف على نوع الحشيش
عندما أقر مجلس النواب اللبناني قانون تشريع الحشيش، حدد النوعية والاستعمال بحيث تكون النوعية القنب الهندي وهي البذرة المستوردة من الهند، أما الاستعمال فيقتصر على الطب والصناعة لا للتعاطي.
وهنا، ينشب خلاف جديد بين الدولة اللبنانية والمزارعين متعلق بنوعية البذرة التي يريدون أن يزرعوها، فبحسب المصدر فالدولة تريد حصر الزراعة بالقنب الهندي الذي يستخرج منه زيت للاستخدام الطبي، ولكن التي يصر المزارعون اللبنانيون على تشريعها هي تلك البذرة التي تحتوي على مادة الـCBD، وهي عبارة عن بودرة تستخدم للتكييف والتخدير وهي الأكثر استهلاكاً في الخارج. ولكن حتى نوعية الحشيش المزروع في لبنان يمكن استخدامها طبياً في صناعة الأدوية.
رغم تداول مسألة عدم شرعية زراعة الحشيش في لبنان، فإنها موجودة على امتداد العين والنظر وبعلم الدولة والمسؤولين، ولكن إبقاء هذا الملف معلقاً يشكل أهمية عند القوى السياسية، إذ إن الربح مضاعف، وذلك بسبب تشغيل تجار الأحزاب السياسية بين لبنان والخارج. إلى حين استكمال العمل بالقانون الذي شرع الزراعة، يبقى الأمر استنسابياً.