أرى تلك الانتفاضة أتت في موعدها المرتب من الله كي لا يأتي جيل يصعب عليه فهم أسبابنا، كي لا يأتي جيل يسأل لماذا القدس قضيتنا من الأساس؟ لماذا لا تتحمل تلك القضية تحديدا الآراء أو التأويل؟
أياً كان مذهبك أياً كانت عقيدتك، إن كان دافعك الإيمان فالأقصى ينتهك، وإن كان دافعك العروبة فالدم العربي يسفك، وإن كان دافعك الإنسانية فالإنسان يسرق وينهب ويقتل دون وجه حق. لماذا يركض صاحب الأرض؟ لماذا يسقط قتيلاً أو جريحاً المدافع عن الوطن والعرض؟ هل انقلبت الآية؟ أم أن هذا هو واقعها من البداية وانقلابها لم يكن يوماً إلا محض حلم متوارث وبعيد غاية؟
إن كان حلماً فأنا لست صاحب حلم كبير، لا أطلب قطعة من السماء، كل ما أطلب هو حقي في الانتماء، أيعقل أن يكون الحق حلماً؟ علمت أن الحلم ليس بحق إلى أن يتحقق، ولكن أيسرق الحق حتى يصير حلماً؟! هل نحن نمضي إلى الأمام أم نعود إلى الوراء؟ نشأت صغيراً وأوبريت "القدس هترجع لنا" يعرض كل يوم على شاشات التلفاز، وكبرت ومرت السنوات والقدس لم تعد.
أعزائي، من هم في مثل عمري يصعب عليهم أن ينسوا قضية القدس، أتعرف معنى أن تكون طفلاً لا يعلم من الدنيا سوى اللعب، وتشاهد على الشاشات طفلاً في مثل عمرك ترى فيه يومك وأمسك ونفسك يقتل بدم بارد دون سبب سوى أنه قرر أن يبقى داخل أرضه؟ دون سبب تنتهي حياته، وهو لا يعرف عن الحياة شيئاً حتى يعرف عن الموت؟
لم تلمسني يوماً معاني أنشودة "وطني حبيبي الوطن الأكبر" في الحقيقة، ليس بسبب جفاء قلبي ولكن الأمر كأن تسمع أغنية عن ألم الفراق وأنت يوماً لم تحب، تحدثني عن وطن عربي كبير وأنا لم أره يوماً يفعل شيئاً من أجل قطعة منه سوى الإدانة، المخزي في تلك الأيام أن بعض الدول العربية صارت تدين الدائنين الذين من المفترض أن يُعَدوا بين صفوفهم.
موقف يدعو للجنون، أيعقل أن تكون الحجارة أمام الرصاص وسيلة هجوم؟ أيعقل أن أصبح مداناً عندما أطالب سارقي بإعادة أملاكي؟ أم أن الأيام تنسي وتجعلني غريباً وتعطي الحق في انتهاكي؟
دعنا نقُل نعم الأيام تنسي! دعنا نقل بقوانين العالم الجديد الموحوش ذلك قد يعطي الحق، إذاً ماذا نفعل؟ هل نغير العالم أم نغير ما بأنفسنا؟
أؤمن كل الإيمان أن القدس ستنصر وأن فلسطين سوف تعود فقط عندما نستوعب نحن العرب أن الحروب ليست كما مشاجرات الشوارع، ليس من يملك فيها كماً أكبر من الشتائم والجعجعة بالكلام الفارغ هو من ينتصر في النهاية، بل من يملك قدراً أكبر من العلم والتأثير العالمي والنمو الاقتصادي والمصالح الإقليمية المشتركة.
فأن تعمل على أن تصبح لبنة صالحة في بناء عربي ضخم قادر على الصمود سيكون ذلك أكثر تأثيراً مما تتصور أن تفعل الشتائم التي لا يفهمها سوانا، وحتى يأتي ذلك الحين لن أقول لك أن تكف عن الشتائم، لأنها وسيلة التفريغ الوحيدة، ولكن لا تنشغل بتلك الوسيلة دون غيرها مقابل السعي وراء أسباب ستسوقنا إلى نصر حقيقي.
أتذكر أنني حين كنت صغيراً، كنت طفلاً مندفعاً، وكان هناك طفل آخر يتفنن في إثارة غيظي وإيذائي، يخبطني دون سبب ويركض كما الفئران، يضع القمامة على تختتي ويهرب، وفي كل مرة أركض وراءه بحماقة للأخذ بثأري كنت أقع في فخه المعتاد، حيث كان يركض دائماً باتجاه المشرفين فتكون الصورة أمام أصحاب الفصل والقرار أن طفلاً مشاغباً يضرب ملاكاً بريئاً، كنت أظهر مذنباً رغم أنني لم أرتكب أي شيء سوى محاولة استرداد حقي، ربما لو أن اللعبة ليس بها حكام وقوى خارجية لتمكنت من الأخذ بثأري من أول مرة لأنني دون مناقشة صاحب الحق الوحيد، وهذا ما يفعله الاحتلال مع المجتمع الدولي إزاء رد المقاومة.
في النهاية أود أن أقول: رحم الله شهداءنا الأبرار، ومهما طال زمن الحصار سيظل المرابطون في القدس أحراراً، ومهما طالت نكبة فلسطين، فالنصر آتٍ ولو بعد حين.
أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]
مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.