لماذا لا يجلسون في بيوتهم؟ الفلسطينيون ونظرية البحث عن معنى

عربي بوست
تم النشر: 2021/05/10 الساعة 13:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/05/10 الساعة 13:27 بتوقيت غرينتش
المسجد الأقصى في عام 2021/ الأناضول

تتوالى الأحداث فى هذا الشهر الكريم بسرعة شديدة ما بين نضال إخواننا المرابطين فى الأقصى وتهجير إخواننا فى حي الشيخ جراح، وقد ساهم الإعلام البديل في نقل الأحداث صوتاً وصورة ببث حي ومباشر إلينا في بيوتنا، ونحن نرى النساء والأطفال قبل الشباب يدافعون عن قضيتهم ببسالة وعزيمة أدهشتنا.

أعترف أني مقصرة في متابعة الشأن الفلسطيني وقد يكون نابعاً من عجز عن مساعدة إخواننا وأحبائنا هناك، وظني أن القضية أصبحت شبه مستحيلة وأن لا فرار من هذا الواقع الأليم، وانشغالنا بشؤوننا الداخلية والأحداث المتعاقبة في البلدان العربية المختلفة.

حتى رأيت تلك المشاهد التي تمثل ملحمة الصمود ما بين كر وفر، بين شباب عزل لا يملكون شيئاً وبين جنود مدججين بالسلاح، وبين نساء ضعيفات مرابطات في ساحات مفتوحة ومجندات يلبسن الخوذ ويحتمين وراء الأسوار، بينما أصحاب الحق يُطردون من بيوتهم ويتم الاستيلاء على ممتلكاتهم بدون أدنى حق أو خشية أو رادع.

وتساءلت كيف لهم أن يصمدوا طوال تلك السنين، كيف لم ينتابهم اليأس والوهن طوال تلك السنوات؟ وهل سيستطيعون الصمود؟ هل سيقعدهم الخوف يوماً ما؟ هل يقتلهم الحزن؟

وتذكرت فجأة عالم النفس الشهير فيكتور فرانكل صاحب نظرية "البحث عن معنى"

تقول تلك النظرية:

إن الإنسان لديه الحرية في العثور على معنى لما يفعله ولما يعانيه، أو على الأقل فى الموقف الذى نتخذه حين نواجه حالة من المعاناة غير قابلة للتغيير، ولأن الحياة لها معنى تحت جميع الظروف حتى الأكثر بؤساً منها، وأنك تستطيع أن تأخذ كل شيء من الرجل إلا المعنى الخاص به، فتلك هي حريته ومسؤوليته الخاصة، وأن إيجاد المعنى هو الذي يمكِّن الإنسان من التغلب على التجارب المؤلمة.

ويقول فرانكل إنه يمكن اكتشاف المعنى الخاص بك عن طريق:

– تجربة شيء ما أو مواجهة شخص ما.

– من خلال عمل أو القيام بعمل ما.

– من خلال الموقف الذي نتخذه تجاه معاناة لا مفر منها.

وأعتقد أن إخواننا الفلسطينيين قد اكتسبوا المعنى الخاص بهم من خلال معاناتهم المستمرة التي لا فرار منها ومن خلال قيامهم رغم ذلك بالدفاع عن قضيتهم وفق معطيات الواقع الأليم وتشويه الحقائق، أو بصورة أخرى، يعتمد فرانكل في نظريته في علاج الاكتئاب على "نظرية العلاج بالمعنى"، حيث يرى أن الاكتئاب يحدث نتيجة الشعور بعدم الكفاءة وعدم القبول وأنه لا يوجد لنا مكان في هذا العالم، ولا أحد سيساندنا أو يدعمنا أو يرانا ويشعر بآلامنا. وعليه فإن الاكتئاب يتصدر الآن المركز الأول في قائمة الأمراض، بل يوصف بأنه مرض العصر.

والأولى أن يصاب به هؤلاء المقهورون المظلمون والمهجرون من أراضيهم، الذين يقف العالم كله يراقبهم من بعيد، ولا يمد لهم يد العون. ولكني أراهم صامدين في عزة وشموخ وعزيمة أدامها الله عليهم نعمة.

ويعالج فرانكل الاكتئاب مثلاً في نظريته من خلال ثلاثة مستويات عن طريق إيجاد معنى داخل الإنسان.

وأعتقد أني رأيت المستويات الثلاثة مجسدة أمامي في ملحمة صمود الشعب الفلسطيني.

أولاً المستوى النفسي: الشعور بعدم الكفاءة.

وسببه وضع مهام لا تناسب قدراتنا وبالتالي نعجز عنها أو لا نؤديها بالكفاءة المطلوبة. هؤلاء المقاومون العزل من السلاح لم يقف أي منهم عاجزاً ولم يجعل شعور عدم الكفاءة يتسرب إليه، بل دافعوا عن حقوقهم بالرباط في المسجد الأقصى، وبالهتافات ونشر قضيتهم والدفاع عن أرضهم.

ثانيا المستوى الفسيولوجي:

تناقص في الطاقة المادية، حيث تكون الأهداف بعيدة المنال فيفقد الفرد إحساسه بهُنا والآن، ويفقد المستقبل أيضاً.

ولكن يبدو أن هؤلاء الأبطال متصلون بالماضي والحاضر والمستقبل، وأن الانتصارات البسيطة تعطي دافعاً قوياً لهم في المضي قدماً. لم يكن هدفهم الحالي تحرير الأقصى الآن ولكن هناك هدف بسيط؛ نصلي الآن هنا في الأقصى، ونرابط لنحميه من الاحتلال هنا والآن.

ويؤكد فرانكل أن المستوى الثالث المستوى الروحي:

ومن أهم مظاهره فتور الهمة، وأن يتعلق الرجل بما يجب أن يكون، ويرفض الواقع ويؤكد أن هذه هي الهاوية، وأننا مرة أخرى لا نستطيع تغيير المحددات التي تحيط بنا.

والقبول يعني أن لا نسأل لماذا حدث هذا، وإنما ماذا يجب أن نفعل مع الحدث؟ ويصير المعنى بداخلنا هو السند والدعم في تلك الحياة وهو اختيارنا الحر الذي نتحمل مسؤوليته، وهو بوابة الحرية والأمان مهما حدث.

ويبدو لي أن المعنى بداخل هؤلاء المرابطين العزل الأحرار هو القوى المحركة الحقيقية لهم، فهنيئاً لكم أيها الأحرار بمعانيكم العظيمة التي قد لا أعلمها ولكني أرى بعيني مدى تأثيرها عليكم في الصبر والرباط والحماس الذي لا يفتر مهما طال الزمن.

دمتم صامدين.

أنتم أيضاً يمكنكم المشاركة معنا في قسم الآراء والتجارب الشخصية عن طريق إرسال مقالاتكم عبر هذا البريد الإلكتروني: [email protected]

مقالات الرأي المنشورة في “عربي بوست” لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

رانيا ضياء
كاتبة مصرية مهتمة بالعلاقات الأسرية
حاصلة على دبلوم العلاج المعرفي السلوكي من المؤسسة المصرية للعلاجات المعرفية، أعمل في مركز أبسال لتنمية المهارات الحياتية والتربوية بالإسكندرية
تحميل المزيد