لم تمضِ ساعات على حادثة إطلاق النار على حاجز "زعترة" جنوب نابلس، وأسفرت عن مقتل مستوطن وإصابة اثنين آخرين، حتى أعلن جيش الاحتلال تعزيز قواته المنتشرة في مناطق الضفة الغربية، وعلى نقاط التماس في القدس المحتلة، تحسباً لتكرار عمليات مشابهة أخرى خلال الأيام القادمة.
جاءت عملية نابلس في ظل مؤشرات على تصاعد حدة الغليان الشعبي والفصائلي لقرار الرئيس الفلسطيني محمود عباس بتأجيل الانتخابات التشريعية، كما أن توقيت العملية يأتي بعد ساعات فقط على توتر شهده حي الشيخ جراح في شرقي القدس بين سكان المدينة ومجموعات من المستوطنين، لترحيل العشرات من العائلات المقدسية بزعم عدم امتلاكهم أوراقاً ثبوتية.
من جانب آخر، شهد قطاع غزة عودة لإطلاق البالونات الحارقة والمتفجرة باتجاه مستوطنات غلاف غزة، بعد موجة تصعيد استمرت لعدة أيام تخللها إطلاق العشرات من الصواريخ من قِبَل الفصائل المسلحة رداً على الأحداث التي شهدتها مدينة القدس في بداية شهر رمضان الجاري، وثمة سيناريوهات محتملة للتصعيد في الضفة وقطاع غزة.
سيناريو الفوضى
واصف عريقات، اللواء المتقاعد والخبير العسكري، قال لـ"عربي بوست" إن "سيناريو الفوضى الذي كان متوقعاً حدوثه بدأ الآن يترجم على الأرض بوتيرة أسرع مما كانت تتوقعه إسرائيل، فعملية نابلس أحدثت زلزالاً في مؤسستها الأمنية والعسكرية، نظراً لأن موقع العملية يعد من أكثر الحواجز تحصيناً وانتشاراً مقارنة بباقي مناطق التماس، كما أن جرأة المنفذين في إطلاق النار بشكل مباشر على رؤوس المستوطنين من مسافة صفر دفعت بالشاباك إلى إعادة النظر في التقدير الأولي الذي كان يشير إلى أن منفذي العملية تحركوا من تلقاء أنفسهم وهم غير منظمين في فصائل مسلحة".
وأضاف أن "الخشية أن تكون حادثة إطلاق النار في نابلس حافزاً لتكرار مثل هذه العمليات نظراً لحالة الغضب الشعبي لما يجري في مدينة القدس، مما يعزز فرص الانتقام لدى الشباب الفلسطيني، كما أن إسرائيل في هذا التوقيت غير مستعدة للتعامل مع سيناريو اشتعال الضفة الغربية، كما حدث في الأعوام الأخيرة، نظراً لأولويات الدولة في الجبهة الشمالية التي استنزفت قدرات الجيش والاستخبارات".
وتابع أننا "قد نرى تصعيداً في اللهجة الإعلامية من قِبَل السياسيين في إسرائيل ضد السلطة الفلسطينية، لتحميلها مسؤولية ما يجري من فوضى تضر بالأمن القومي الإسرائيلي، سواء بسبب ملف تأجيل الانتخابات، أو لتحميلها مسؤولية التقصير في ملاحقة منفذي العمليات، ما يعني أن دولة الاحتلال ستنقل دفة المواجهة من مواجهة فلسطينية – إسرائيلية لتكون مواجهة فلسطينية داخلية بين حركتي حماس وفتح".
الأزمة الإسرائيلية الداخلية
بالنظر إلى الوضع السياسي الذي تعيشه إسرائيل، هناك حالة من الضغط الداخلي والخارجي الذي يواجه رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، فلا تزال أزمة تشكيل الحكومة تراوح مكانها، وهنالك خشية من أن تشهد كتلة اليمين تفككاً منعاً للذهاب لجولة انتخابات خامسة في سبتمبر/أيلول القادم، كما أن التوتر الذي تشهده العلاقات الإسرائيلية – الأمريكية بسبب الملف النووي الإيراني قد تدفع بإسرائيل إلى التحرك عسكرياً بشكل استباقي منعاً لفتح جبهة توتر أخرى في الضفة الغربية أو قطاع غزة.
لا تخفي إسرائيل قلقها من تصاعد حدة التوتر، نظراً لما يجري في مدينة القدس المحتلة من احتكاكات يومية بين المستوطنين والفلسطينيين، كما أنها تأخذ بجدية التحذير الذي أطلقه رئيس حركة حماس في الخارج خالد مشعل قبل أيام من أن الحركة لن تترك الفرصة أمام المستوطنين للتفرد بمدينة القدس دون أن تتحرك الحركة نصرة لهم، يحمل تهديداً بإمكانية ذهاب الأمور إلى ما هو أبعد من هبة شعبية محدودة.
القناة "12" العبرية أشارت في تعليقها على حادثة العملية إلى أن تهديد حماس ينذر باشتعال الوضع، فالمؤسسة الأمنية الإسرائيلية ترى أن حماس تحاول نقل غضبها الداخلي على شكل هجمات تستهدف المصالح الإسرائيلية في الضفة الغربية، بما يسبب إحراجاً للسلطة الفلسطينية، ومن غير المستبعد أن نشهد إطلاقاً للصواريخ من غزة باتجاه البلدات الإسرائيلية.
انتفاضة ثالثة
نهاد أبوغوش، الباحث في المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية "مدار"، قال لـ"عربي بوست" إن "هنالك مؤشرات واحتمالات أن نرى انطلاقة لانتفاضة ثالثة، بالنظر إلى حجم الضغط الذي يتعرض له الفلسطينيون، فهنالك حالة من الجمود السياسي فيما يخص تجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية، كما أنه ليس هنالك أي فرص لإمكانية تحقيق إنجاز سياسي بالمفاوضات مع إسرائيل، وهنالك حالة من الغضب الشعبي الكبير بسبب ما يجري في مدينة القدس".
وأضاف أن "التقدير الإسرائيلي يرى أن مرحلة ما بعد مرسوم تأجيل الانتخابات ستكون مختلفة عن سابقتها، فالضغط الداخلي والفوضى إما أن يذهب في وجه إسرائيل عبر العمليات الفدائية أو انتفاضة شعبية كما جرى في عام 2015، أو قد نجد سيناريو فوضى وحرب داخلية بسبب النزاع والصراع على مقاليد الحكم في السلطة الفلسطينية، وتحديداً في الضفة الغربية والقدس".
وتابع أنه "في حال تكررت عمليات إطلاق نار كما جرى في مدينة نابلس، ستطلب إسرائيل تدخلاً رسمياً لدى السلطة لزيادة مستوى التنسيق الأمني بينهما، الأمر الذي سيضر بالعلاقة مع حركة حماس التي قد ترى أنها مستهدفة أمنياً من قِبَل أجهزة أمن السلطة، ما يعني وصول الحالة الفلسطينية إلى مرحلة اللاعودة".
كان من اللافت في ردود الفعل الفلسطينية غياب أي تعليق رسمي من قِبَل السلطة الفلسطينية على حادثة إطلاق النار في حاجز "زعترة"، رغم مباركة الفصائل الفلسطينية لهذه العملية، التي اعتبرتها رداً طبيعياً على جرائم المستوطنين والجيش الإسرائيلي.
مصطفى الصواف، رئيس التحرير السابق لجريدة فلسطين اليومية من غزة، قال لـ"عربي بوست" إن "السلطة الفلسطينية لا تزال تراقب إلى أي مدى يمكن أن تذهب إليه ردة الفعل الشعبي والفصائلي نتيجة قرار تأجيل الانتخابات، وهي تدرك أيضاً أن عملية "زعترة" ستسبب لها إحراجاً بسبب اتهام إسرائيل لها بالتقصير في منع هذه العملية قبل حدوثها، ولكن ما هو غير محسوب بالنسبة للسلطة أن تكون هذه العملية شرارة لانتفاضة أكبر في كل نقاط التماس في غزة والضفة الغربية والقدس، الأمر الذي يهدد باستقرارها، وهو ما يفسر صمتها عن التعليق على العملية الفدائية".