نفت مصادر من داخل وزارة الخارجية المغربية لـ"عربي بوست" أن يكون المغرب قد قايض إسبانيا بفتح معبري سبتة ومليلية، مُقابل حصوله على اعتراف رسمي منها بمغربية الصحراء.
الأخبار التي تداولتها الصحافة الإسبانية حول مقايضة المغرب جاءت بالتوازي مع أزمة تعيشها المملكة مع جارتها الشمالية إسبانيا، هذه الأخيرة التي استقبلت زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم الغالي الذي يُعالج من كورونا في أحد مستشفياتها.
ولأول مرة يخرج المغرب بشكل رسمي ليُعبر عن غضبه من إسبانيا، شريكته الدبلوماسية في عدد من القضايا والملفات الحساسة، وذلك بسبب انحيازها غير المعلن لـ"البوليساريو".
المغرب قال رسمياً إن "إسبانيا انتهكت حسن الجوار، واستقبلت زعيم جبهة انفصالية، الذي تم إدخاله خفية بجواز سفر مزور، متناسية الشكاوى العديدة في المحاكم الإسبانية ضد الغالي".
وقبل ذلك استدعى المغرب، السبت 24 أبريل/نيسان 2021، السفير الإسباني في الرباط بعد استقبال إسبانيا زعيمَ جبهة البوليساريو إبراهيم الغالي، الذي يُعالج في أحد المستشفيات الإسبانية.
هجوم مألوف
قلّلت مصادر من وزارة الخارجية المغربية في حديثها مع "عربي بوست" من قيمة ما وصفته بـ"هجوم الصحافة الإسبانية الجديد على المغرب"، إذ اعتبرته "غير مفاجئ، بل أصبح أمراً معتاداً، كلما تعلق الأمر بوجود سوء تفاهم بين الرباط ومدريد".
وتولت كبرى المؤسسات الصحفية الإسبانية الضغط على الرباط من خلال نشر جريدة "الباييس"، "تسريبات" تفيد بأن المغرب عرض مقايضة فتح معبري سبتة ومليلية مقابل اعتراف إسباني بمغربية الصحراء، وكذلك نشر "الموندو" حواراً مع قائد حراك الريف السابق ناصر الزفزافي (مدان بـ20 سنة سجناً)، يدين تعامل السلطات الأمنية المغربية، هذا الحوار الذي نفى والده إجراءه.
وتابعت المصادر ذاتها أن "المغرب كان واضحاً في مطالبه التي عبّر عنها بلاغ مسؤول لوزارة الخارجية، وهذا ما تم تأكيده للسفير الإسباني في الرباط، من خلال رسالة الاحتجاج على استقبال زعيم الانفصاليين".
واتهم المغرب سلطات مدريد بإدخال زعيم جبهة البوليساريو إبراهيم غالي (لتلقي العلاج)، إلى التراب الإسباني بجواز سفر مزور، حتى ينجو من تحريك مسطرة المتابعة القضائية في حقه، بالنظر لوجود شكاوى لدى القضاء الإسباني ضده.
وزادت المصادر، "بالرغم من كون العلاقة بين البلدين لا تمر بأحسن فتراتها، فإن الطريقة التي تم بها إدخال إبراهيم غالي إلى إسبانيا، وهو المتابَع من طرف القضاء الإسباني بسبب جرائم ضد المدنيين، استوجبت رداً مغربياً".
أسباب "إنسانية"
كانت وزارة الخارجية الإسبانية قد أعلنت، الخميس 22 أبريل/نيسان الجاري، أن الأمين العام لجبهة البوليساريو إبراهيم غالي، قد نقل إلى إسبانيا لتلقي العلاج.
وشددت وزيرة الخارجية، في جواب على سؤال صحفي حول تداعيات الحدث، على أن دخول إبراهيم غالي إلى مستشفى إسباني "لا يمنع ولا يخل بالعلاقات الممتازة التي تربط إسبانيا بالمغرب".
وبحسب ما نشرته "إلباييس"، نقلاً عن مسؤول بوزارة الخارجية الإسبانية، فإن غالي نقل إلى إسبانيا لـ"أسباب إنسانية بحتة"، وأضاف أنه لن يتم تقديم مزيد من التفاصيل "بسبب الطبيعة الإنسانية لهذه الخطوة".
وتابعت الجريدة الإسبانية أنه جرى تنسيق "بين مدريد والبوليساريو والجزائر لنقل إبراهيم غالي إلى إسبانيا بجواز سفر جزائري"، إذ "جرى نقله في طائرة خاصة من الجزائر نحو إسبانيا على وجه السرعة، بسبب تدهور حالته الصحية وصعوبة تعامل المستشفيات الجزائرية مع حالته".
وأضافت "إلباييس" أن اختيار نقل إبراهيم غالي للعلاج في إسبانيا، جاء بحكم تواجد إبراهيم غالي سابقاً في هذا البلد الأوروبي كممثل لحركة البوليساريو.
وجود زعيم البوليساريو في إسبانيا تزامن مع وجود قضية مرفوعة ضده أمام المحكمة الوطنية في العاصمة مدريد، بتهم التورط في جرائم ضد الإنسانية ما بين 1976 و1987.
خلفيات وخلافات
في تعليق له على التطورات الأخيرة لملف العلاقات المغربيةـ الإسبانية، سجل إسماعيل حمودي، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية، بجامعة فاس، أنه "يتزامن مع مرور العلاقات بين الرباط ومدريد بأزمة قد تكون الأطول في الفترة الأخيرة".
وتابع إسماعيل حمودي في تصريح لـ"عربي بوست" أنه "منذ تشكيل الحكومة الإسبانية طفت على السطح كثير من الملفات العالقة، لم تُفلح زيارة الملك الإسباني الجديد وتوقيع اتفاق الشراكة الاستراتيجية في إزالتها".
وأفاد حمودي أنه "عموماً يُمكن الحديث عن ملفين كبيرين يشهدان على وقوع الرباط ومدريد في طريق مسدود، الأول متعلق بمسألة ترسيم الحدود البحرية، والثاني مرتبط بالموقف من الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء".
وذهب المحلل السياسي "إلى أن الاعتراف الأمريكي بسيادة المغرب على الصحراء تعاملت معه إسبانيا ببرود غير متفهم، ويمكن وصفه حتى بالسلبي، وهي الدولة الجارة والشريك الاستراتيجي، الأمر الذي زاد من حدته استقبال زعيم البوليساريو هذه الأيام".
وقال المتحدث: "لا يجب أن ننسى الصعوبات الحقيقية التي تواجه البلدين في ملف ترسيم الحدود البحرية، وهذا ملف شائك آخر، لم ينجح الطرفان في تجاوز عقباته".
وختم الباحث أن "ملف الصحراء والحدود البحرية لا يجب أن ينسينا ملفات أخرى، من قبيل عدم التزام إسبانيا بعدد من التعهدات تجاه المغرب، والاعتداءات المتكررة على القنصليات المغربية، ناهيك عن التصريحات المناوئة للمغرب التي يطلقها بعض وزراء حكومة مدريد".
ويتوقع مراقبون أن تحتوي الرباط ومدريد هذا الخلاف المتصاعد بينهما، خاصة أن البلدين يحتاجان إلى التعاون والتنسيق في ملفات كثيرة، وعلى درجة عالية من الأهمية، من قبيل الاقتصاد، والهجرة، والإرهاب.
لأول مرة.. رد رسمي
واستدعت وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، السفير الإسباني في الرباط، لإبلاغه أسف المغرب وإحباطه من استقبال إسبانيا إبراهيم غالي، وطلب تفسير لموقف حكومة مدريد.
وقال البلاغ الذي نشرته وزارة الخارجية المغربية، الأحد 25 أبريل/نيسان الجاري "تم استدعاء السفير الإسباني بالرباط إلى وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، لإبلاغه بهذا الموقف، وطلب التفسيرات اللازمة بشأن موقف حكومته".
وزاد البلاغ المقتضب أن "المغرب يأسف لموقف إسبانيا التي تستضيف على ترابها المدعو إبراهيم غالي، زعيم ميليشيات (البوليساريو) الانفصالية، المتهم بارتكاب جرائم حرب خطيرة وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان".
وسجل أن "المغرب يعرب عن إحباطه من هذا الموقف الذي يتنافى مع روح الشراكة وحسن الجوار، والذي يهم قضية أساسية للشعب المغربي ولقواه الحية. وموقف إسبانيا يثير قدراً كبيراً من الاستغراب وتساؤلات مشروعة".
هذا ولم تنفِ مدريد الاتهامات المغربية بإدخال زعيم الانفصاليين إلى أراضيها بجواز سفر مزور، من أجل تمكينه من تفادي المتابعة القضائية بحقه، بسبب الشكاوى المرفوعة ضده في إسبانيا.