"عاد بخفي حنين" هكذا تحدث المثل العربي قديماً، واصفاً اليوم حال الحاخام الإسرائيلي من أصول مغربية شلومو ميارا، الذي رجع إلى بلده إسرائيل دون أن يُنفذ البرنامج الذي خطط له في المملكة.
وحسب المعلومات الحصرية التي حصل عليها "عربي بوست"، فإن الحاخام الإسرائيلي، من أصول مغربية، كان يُخطط للقاء الملك محمد السادس ورئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران، بالإضافة إلى مسؤولين آخرين في الدولة.
الرفض المغربي لاستقبال الحاخام الإسرائيلي يأتي بعد توقيع المغرب وأمريكا وإسرائيل إعلاناً مشتركاً يقضي باعتراف أمريكي بسيادة المغرب على صحرائه في مقابل انطلاق مسلسل تطبيع العلاقات مع إسرائيل.
رفض استقبال الحاخام
حصل "عربي بوست" على معلومات حصرية من مصادره أن الحاخام شلومو ميارا طلب لقاء العاهل المغربي الملك محمد السادس، لكن طلبه قوبل بالرفض، وأكثر من ذلك تم تجاهله بعدم الرد.
وأضافت المصادر ذاتها أن الحاخام شلومو ميارا غادر المغرب دون أن يحقق أهداف زيارته، رغم استفادته من احتضان إعلامي للصحافة الراعية للتطبيع في المغرب.
وتابعت أن شلومو ميارا، الذي يقدم نفسه في المغرب بصفته "حاخاماً"، تقدم بطلب للقاء الملك، وذلك من أجل تسليمه كتابين جديدين عن دور ملوك المغرب في تأمين الوجود اليهودي في المغرب عبر التاريخ.
واعتبرت المصادر أن الحاخام استغل الاحتفاء بذكرى محرقة الهولوكوست، في 7 و8 نيسان/أبريل، ليقدم طلب اللقاء مع الملك، ومع تأخر جواب القصر الملكي، قرر الانتقال إلى طلب لقاء مسؤولين آخرين، كان من بينهم عبدالإله بنكيران، رئيس الحكومة المغربية السابق.
وزادت المصادر أن الحاخام طرق باب رئيس الحكومة السابق، وأمين عام حزب العدالة والتنمية السابق، لكنه تلقى جواباً سريعاً مفاده "امتناع عبد الإله بنكيران عن استقبال ضيوف في الفترة الحالية، والمعروف أنها طريقة بنكيران في رفض استقبال الضيوف".
وكان الحاخام شلومو ميارا قد حظي بلقاء مع الملك أثناء تدشين العاهل المغربي المتحف اليهودي في مدينة الصويرة (جنوب المملكة) سنة 2018، رفقة عدد من الشخصيات اليهودية من أصول مغربية.
محاولة توريط
إسماعيل حمودي، أستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق تازة (شمال شرق)، قال إن "تزامن زيارة الحاخام الإسرائيلي للمغرب وطلب لقائه الملك مع ذكرى محرقة الهولوكوست، والترويج لفكرة توشيح الملك بوسام، كان هدفه واضحاً في محاولة توريط العاهل المغربي في الظهور بمظهر المساند لإسرائيل ضد حقوق الشعب الفلسطيني".
وأضاف إسماعيل حمودي، في تصريح لـ"عربي بوست"، أن "حديث الحاخام لوسائل الإعلام المغربية عن عمله من أجل حصول ملك المغرب على وسام (أنصار الشعب اليهودي)، محاولة تدليسية واحتيالية لا يمكن أن تمر على الدولة والشعب المغربيين".
ويُقدم المركز العالمي التوثيقي والبحثي لتخليد ذكرى الهولوكوست (ياد فاشيم)، منذ سنة 1963 وسام "أنصار الشعب اليهودي"، وذلك من خلال لجنة يترأسها قاضٍ في المحكمة العليا، عبارة عن ميدالية وشهادة تقدير إلى جانب تخليد أسمائهم في "جبل الذكرى" المقام داخل مقر مؤسسة (ياد فاشيم) في القدس.
وأشار إسماعيل حمودي أن "هذا الوسام تُقدمه مؤسسات إسرائيلية، وهذا يعني أن الحاخام يعمل على الحصول على اعتراف بمؤسسات دولة إسرائيل، في حين أن المغرب يرفض لحد الآن التعامل المباشر مع إسرائيل، ويحرص على التعامل مع مغاربة إسرائيل كجالية مغربية مقيمة بالخارج".
وتابع المتحدث: "ما يجب على الحاخام أن يفهمه أن المغرب وملوك المغرب عاملوا اليهود باعتبارهم مواطنين مغاربة كنظرائهم المسلمين، وبالتالي فتعامل الملوك عبر التاريخ كان من منطلق مؤسساتي كرؤساء للدول، وكأمراء للمؤمنين، مع التأكيد على مسألة أن إمارة المؤمنين وفق تصور الدولة في المغرب، تعني رعاية المؤمنين باختلاف أديانهم، بما يتجاوز الجنسية القانونية للأفراد".
وقال الباحث السياسي: "يبدو أن تحركات هذا الحاخام باءت بالفشل، وستفشل مستقبلاً مادام يتجاهل هذه الحقائق، فالتسامح مع اليهود وحمايتهم لا يمكن أن تكون على حساب الشعب الفلسطيني".
حملة منسقة
حظي الحاخام شلومو ميارا بتغطية إعلامية كبيرة، من خلال التناول الكثيف للمنابر الصحفية الداعمة للتطبيع، والتي حرصت على الاحتفاء به وتقديمه كأحد وجوه المغرب البارزة في إسرائيل.
وتزعمت المنابر "المحتفية" بالحاخام "المؤسسة المغربية لوسائط الاتصال" المالكة لجريدة "الأحداث المغربية" (مقربة من الأجهزة)، وجريدة الصباح ومنابر مؤسسة "إيكوميديا" (محسوبة على رجال الأعمال) الدعاية والترويج لهذه الزيارة.
وكانت وقعت كل من مجموعتي "لوبسيرفاتور دو ماروك"، فرع "المؤسسة المغربية لوسائط الاتصال" ومجموعة "جيروزاليم بوست" الإسرائيلية أول اتفاقية شراكة وتعاون بين الإعلام المغربي والإسرائيلي.
وتنوعت الحملة ما بين حوارات مكتوبة ومصورة، كما شملت تغطيات لـ"أنشطة" الحاخام التي لم تكن إلا تصريحاته لتلك المنابر وحواراته معها، ودعايته للكتب التي ألفها عن علاقة ملوك المغرب مع اليهود المغاربة.
كما كان لافتاً تخصيص هذه المنابر جزءاً من عملها إلى الحديث عن المحرقة النازية وعرض تفاصيل عنها، وهي من المرات النادرة التي تحظى بها المحرقة بهذا الكم من التغطية، بحسب مراقبين.
وحرصت البلاغات الرسمية المغربية التي تزامنت مع التطبيع على الحديث عن العلاقات بين المغرب، ملكاً ودولة، مع الجالية اليهودية المغربية في إسرائيل كغيرها من الجاليات المقيمة بالخارج.
كما أن الخطاب الرسمي المغربي ظل يربط أي حديث عن إسرائيل بضرورة الوفاء بالتزاماتها تجاه الشعب الفلسطيني وحقوقه، ومفاوضات السلام، والحق في السيادة على القدس.