معارض عابر للعصور.. لماذا على السوريين أن يحزنوا لرحيل ميشيل كيلو الذي واجه عائلة الأسد 50 عاماً

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/20 الساعة 10:47 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/20 الساعة 10:47 بتوقيت غرينتش
المعارض السوري الراحل ميشيل كيلو - مواقع التواصل

خسرت المعارضة السورية، الإثنين 19 أبريل/نيسان 2021، واحداً من أبرز رموزها على مدى عقود من الزمن، بعد الإعلان عن وفاة المفكر ميشيل كيلو في فرنسا، متأثراً بتداعيات إصابته بفيروس كورونا.

عقود من مواجهة النظام 

يُنظر إلى كيلو على أنه إحدى أيقونات النضال ومجابهة حكم عائلة الأسد في سوريا، فالمفكر الذي توفي عن عمر ناهز 81 عاماً، يُعد من بين أكبر شخصيات المعارضة السورية سناً، وقضى أكثر من 50 عاماً من عمره منادياً بالحرية ورافضاً لنظام الاستبداد. 

وُلد كيلو في مدينة اللاذقية عام 1940 لعائلة مسيحية، ودرس الصحافة في مصر وألمانيا، وكان شاهداً على فترات الانقلابات المتعاقبة التي عاشتها سوريا، ووصول عائلة الأسد إلى السلطة التي لا تزال تحكم سوريا منذ عقود.

وبينما كانت عائلة الأسد في بداية استلامها للسلطة بعهد حافظ الأسد توطد إمساكها بمفاصل السلطة، وتُشيع سياسة الرعب والتخويف من أي صوت مناهض للحكم، كان كيلو واحداً من الذين هاجموا حكم الأسد الأب الذي عُرف بعنفه الشديد في مواجهة معارضيه. 

في عام 1979 كان كيلو قد شن هجوماً خلال مداخلة له في اتحاد الكتاب العرب على "الجبهة الوطنية التقدمية" التي دعمت حافظ الأسد، والتي تتألف من مجموعة أحزاب يقودها "حزب البعث" لفرض الهيمنة السياسية في سوريا، وإعلاء صوت السلطة الحاكمة فقط. 

كان من بين ما قاله كيلو في تلك المداخلة انتقاده للعلاقة بين الجبهة والبنية التي يقوم عليها النظام السياسي في سوريا أيام حافظ الأسد، واعتبر أنه من غير الصحيح إطلاق اسم أحزاب على "أحزاب الجبهة الوطنية" بالمعنى المتعارف عليه.

وقال حينها: "هذه القوى التي تجلس في الجبهة لم تعد كذلك، إنها في نظر الشعب لم تعد أحزاباً، وبالعلم ليست أحزاباً، إنها تجمعات حول شخص أو حول خط، يمكن أن تروى عنه الحكايات والأساطير في الخمسينات والستينات، لكنها لم تعد تعبر عن مصالح شرائح شعبية، مصالح اقتصادية اجتماعية سياسية متبلورة في خط له استقلالية نسبية، أصبحت توابع تدور في الفلك الأكبر، الذي هو فلك لست أدري من!".

مداخلة ميشيل كيلو في مؤتمر اتحاد الكتاب العرب عام 1979

تعذيب ميشيل كيلو في السجون 

اعتُقل كيلو مرات عدة، أثناء حكم حافظ الأسد بين عامي 1980 و1983، وتم سجنه في سجن المزة سيئ الصيت، وروى في إحدى المقابلات التلفزيونية عن أصناف التعذيب التي كان قد تعرّض لها، من بينها معاقبته على طريقة فرنسي كان يساعد المقاومة الجزائرية قبل أن تكتشفه سلطات بلاده، وتعاقبه بالوقوف، وكلما جلس يُضرب حتى يقف مجدداً.

قال كيلو إنه عُوقب بالوقوف مدة 72 ساعة وإنه كان على وشك الموت لأن الدورة الدموية توقفت في جسده. 

في مقابلة تلفزيونية أخرى يروي كيلو مواقف إنسانية مؤثرة شاهدها خلال فترة اعتقاله، وتحدث عن طفل رآه ووالدته في المعتقل، وكان يبكي وهو يروي القصة. 

كيلو وربيع دمشق 

انتهت حياة حافظ الأسد في عام 2000، ولم تنتهِ معارضة كيلو لحكم العائلة، وواصل المفكر السوري نضاله، وبرز اسمه فيما يُعرف بـ"ربيع دمشق". 

تسلم بشار الأسد مقاليد السلطة في 10 يونيو/حزيران 2000، بعد تعديل دستوري خفض سن الترشح من أربعين إلى 34 عاماً، وبدا حينها الأسد بمظهر الإصلاحي الذي يخطط لتحرير الاقتصاد والانفتاح بخجل على الغرب.

شهدت سوريا بين أيلول/سبتمبر 2000 وشباط/فبراير 2001 فترة انفتاح وسمحت السلطات نسبياً بحرية التعبير، ودعا نحو مئة من المثقفين والفنانين السلطات إلى "العفو" عن سجناء سياسيين وإلغاء حالة الطوارئ السارية منذ 1963، وسميت هذه الفترة بـ"ربيع دمشق".

انطلقت هذه الحركة التي لم تكن تعدها سوريا لعقود على يد مثقفين بارزين، مثل ميشيل كيلو ورياض سيف، وظهرت خلالها منتديات سياسية كان من أبرزها منتدى الأتاسي، وأحيت نقاشات سياسية واجتماعية ومدنية. 

لكن ذلك لم يدم طويلاً، فعلى الرغم من أن "ربيع دمشق" لم يدعُ لتغيير النظام، فإن الأخير قرر القضاء عليه، فأوقف أنشطته واعتقل أعضاءه البارزين، مثل رياض سيف، ورياض الترك، وعارف دليلة.

وفي عام 2005، كان كيلو أحد أبرز المشاركين في إعلان دمشق، الذي تم التوقيع عليه في ذلك العام، والذي دعا حينها إلى إنهاء حكم طال عقوداً لنظام الأسد، واستبداله بنظام ديمقراطي، وتميّز إعلان دمشق بأنه أول إعلان معارض يصدر عن جهات سورية معارضة في الداخل السوري بعد أن كانت هذه البيانات من اختصاص المعارضة في الخارج.

في عام 2006، اعتُقل كيلو ووجهت إليه السلطات "بتهمة إضعاف الشعور القومي والنيل من هيبة الدولة وإثارة النعرات المذهبية"، وحوكم في عام 2007 أمام محكمة الجنايات.

ونُشر جزء من مرافعته أمام المحكمة، والتي قال في جزء منها: "لست المدعو ميشيل كيلو، نصير (14 شباط)، (حسب المذكرة الأمنية بحقّه) أنا الإنسان والمواطن الحر ميشيل بن حنا كيلو وغالية عوض الذي ليس نصير أية جماعة في لبنان أو سوريا، وليس نصير أي حزب قائد أو منقاد وأية ثورة، سواء أكلت وطنها أم أكلت ناسها، لأنني نصير وطني الصغير سوريا ووطني العربي الكبير، ونصير كل مواطن فيهما، نصير الحرية والديمقراطية (…)".

" أُعلن تمسّكي بسياسة (اليد الممدودة والعقل المفتوح) تجاه النظام التي كنت من أوائل مَن قالوا بها. وإذا كنت أكرر اليوم هذا، فليس خوفاً من السجن أو القمع (قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا)، بل لإيماني الراسخ بأن المرحلة تضمر أخطاراً جسيمة إلى درجة يعجز النظام والمعارضة عن التصدي لها كلٌّ بمفرده".

حُكم على كيلو في عام 2007 من قِبَل المحكمة العسكرية بالسجن ثلاثة أعوام، وتم الإفراج عنه بعد انتهاء محكوميته.

كيلو والثورة السورية 

ومنذ انطلاق الاحتجاجات ضد نظام الأسد في عام 2011، جاهر كيلو بتأييده للمظاهرات السلمية منذ انطلاقها وللمطالبة بالحرية والديمقراطية، ما عرضه لمضايقات غادر على إثرها سوريا. واستقر منذ سنوات في باريس.

مثّل كيلو التيار الليبرالي في الائتلاف السوري، الذي انضم إلى صفوفه صيف عام 2013، قبل أن ينسحب منه لاحقاً إثر خلافات، وكان يكتب في العديد من الصحف العربية. 

كان نظام بشار الأسد قد عاقب كيلو وقرر الحجز على أمواله وممتلكاته في عام 2012، وحينها قال في تصريح متلفز: "نعم أصدرت وزارة المالية قراراً بالحجز على أموالي وممتلكاتي وأيضاً ممتلكات عائلتي وعدد آخر من الإخوة المعارضين"، مضيفاً: "لا يهمني أن يأخذوا ممتلكاتي فهم يأخذون أرواح الناس".

قبل مفارقته الحياة بأيام، كتب كيلو رسالته الأخيرة للسوريين في مقال بعنوان "إلى السوريين"، بينما كان يصارع المرض، ووصفها سوريون بأنها الوصية الأخيرة للمعارض السوري. 

من بين أبرز ما تضمنته الوصية دعوة كيلو للسوريين إلى العمل معاً من أجل تجاوز المِحَن التي يواجهونها، وعدم النظر إلى المصالح الخاصة، وعدم النظر إلى الوطن من خلال الأهواء والأيديولوجيات فقط، ودعا السوريين إلى الالتقاء بمن يختلفون معهم "بعد أن كانت انحيازاتكم تجعل منهم عدواً لكم".

ونعى كيلو العديد من السياسيين والمعارضين السوريين، وغردت المعارضة المقيمة في لبنان عليا منصور: "ميشال كيلو أمضى حياته معارضاً لنظام الأسدين، مناضلاً في سبيل حرية وديمقراطية سوريا والسوريين.. خسارة وغصّة أن ترحل قبل أن تشهد سقوط الطاغية".

تحميل المزيد