قدمت 4 كتل في البرلمان الإسباني، الثلاثاء 13 أبريل/نيسان 2021، طلب استجواب لوزير الداخلية بعد أن أثارت حادثة غير مألوفة في إسبانيا الجدل في البلاد، وذلك بعد أن كشف صحفي فلسطيني عن استدراجه لمقر أمني حكومي في العاصمة مدريد، واستجوابه من قِبَل ضابط يعمل في الموساد الإسرائيلي.
البداية كانت بفنجان قهوة
بدأت القصة يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 2020، عندما تلقى الصحفي معاذ حامد أول مكالمة هاتفية من "نيكولاس"، عرف عن نفسه بأنه أحد أفراد الحرس المدني في إقليم الباسك، وطلب منه ترتيب لقاء لـ"شرب فنجان قهوة"، علماً أن مثل هذه اللقاءات هو إجراء شائع من قِبَل الحرس المدني الإسباني مع اللاجئين والمهاجرين.
تلقى معاذ الدعوة بكل ترحيب، لأنه واثق بأنه يقوم يعمل بشكل رسمي في إسبانيا مراسلاً للتلفزيون العربي، وليس لديه ما يخفيه، فوافق على ترتيب اللقاء والذي تم بالفعل، بحسب ما ذكره معاذ لموقع "عربي بوست".
ذهب معاذ للموعد المحدد بينهما، واستقبله العميل نيكولاس، في الأربعينيات من عمره، ذو بشرة داكنة وبشرة متوسطة ولباس مدني، في قيادة الحرس المدني في مقاطعة بلباو. وكان بانتظاره أيضاً شخص آخر يدعى خافيير وهو عميل آخر من نفس الخدمة، بعينين زرقاوين، قوام صغير، بطن بارز، ويتقن اللغة الإنجليزية.
أجاب معاذ على أسئلتهم وشرح سبب تقدمه بطلب للحصول على اللجوء في إسبانيا، وكيف خرج من فلسطين مروراً بتركيا.
يُذكر أن الشرطة الوطنية كانت قد طرحت بالفعل مثل هذه الأسئلة على معاذ عندما تقدم بطلب اللجوء في إسبانيا، في شهر أبريل/نيسان 2019، فيما لا يزال القرار النهائي بشأن لجوء معاذ وعائلته في الهواء.
لقاء الصدمة مع ضابط الموساد
في بداية شهر فبراير/شباط 2021، تلقى الصحفي الفلسطيني مكالمة من نيكولاس، وطلبت منه وقتاً للقاء، هذه المرة في مدريد. رفض معاذ لأنه كان في إقليم الباسك، ولكن بعد أيام قليلة، تلقى مكالمة أخرى برقم مخفي. هذه المرة كان العميل خافيير هو من يتحدث، وطلب منه بلطف أن يلتقي يوم 11 فبراير/شباط بعد الظهر.
كان معاذ في ذلك اليوم في العاصمة الإسبانية يمارس عمله، وفي نهاية اليوم توجه إلى أحد أبرز مقار الحرس المدني، حيث المكان الذي تم تحديده للقاء.
دخل معاذ إلى المقر، لكنه لاحظ أن أمراً غير طبيعي يحدث، فقد نزل رجل بالزي المدني للبحث عنه، وقام بإدخاله للمبنى الأمني، دون تسجيل دخول أو المرور بأي رقابة أمنية بحسب البروتوكولات المعمول بها في المقار والمؤسسات الأمنية.
قام الرجل بمرافقة معاذ إلى الطابق الثالث في أحد المباني، وتم اقتياده إلى إحدى الغرف المظلمة، وذلك بعد أن تم التحقق من أن معاذ لم يكن يسجل بهاتفه أي شيء، حيث كان ينتظرهما خافيير ورجل يرتدي بدلة، أصلع، ذو بشرة داكنة.
في البداية، قام الضابط الإسباني بتقديم الرجل باسم "عمر"، وأنه يعمل لصالح المخابرات البلجيكية، إلا أن تلك المعلومات بالنسبة لمعاذ كانت مقلقة، خاصة عندما أخبره الضابط الإسباني أن "عمر" أصله فلسطيني!
لحظة الكشف عن هوية ضابط الموساد
كان معاذ قد اعتقل عدة مرات لدى الاحتلال الإسرائيلي خلال السنوات الماضية عندما كان يعيش في الضفة الغربية، لذلك "فمن السهل أن يميز أساليب التحقيق الأمنية، وكذلك لهجات الإسرائيليين الذين يتحدثون العربية".
أوضح الضابط الإسباني لمعاذ أن "عمر" يتحدث اللغة العربية، كما أنه يتكلم الإنجليزية، عندها تيقن معاذ أنه أمام ضابط من الموساد الإسرائيلي.
قال ضابط الموساد لمعاذ: خلينا نحكي بالعربي.
فردَّ معاذ عليه باللغة العبرية: هل تتكلم العبرية؟ فضحك الضباط من كلامه.
عندها، سادت حالة من الارتباك الغرفة، وبدا التوتر والقلق على الضابط الإسباني، وفضل الانسحاب من الغرفة، وترك معاذ وضابط الموساد لوحدهما.
بعد خروج الضابط الإسباني، قال ضابط الموساد لمعاذ: أنت تعرف من نحن، ولدينا بعض الأسئلة ونريد الإجابة عليها.
في تلك اللحظة شعر معاذ بالخوف، واستذكر في نفسه قضية الصحفي السعودي جمال خاشقجي، الذي قُطعت أوصاله في القنصلية السعودية في إسطنبول.
جلسة تحقيق واستجواب
بدأ ضابط الموساد بإطلاق الاتهامات المبطنة، وجعله يرى أنه يعرف اتصالاته وتحركاته منذ فترة طويلة. كما دار الحوار حول مدى معرفة معاذ مع المؤسسات الداعمة للمقاومة الفلسطينية، بحسب ما قاله معاذ لموقع عربي بوست.
كما ركز ضابط الموساد على تحقيق قام الصحفي معاذ بنشره عام 2019، بعنوان "بالوثائق… هكذا يستهدف الموساد فلسطينيي الخارج في دول أوروبية" تتبع من خلاله بالوثائق والتسجيلات الصوتية محاولة الموساد تجنيد الفلسطينيين في الدول الأوروبية، عبر عروض عمل وهمية وغيرها، عن طريق مواقع التواصل الاجتماعي والمنظمات الخيرية، بغية التجسس على التنظيمات الفلسطينية والناشطين في أوروبا.
ووفقاً لمعاذ، فقد تطرق الضابط الإسرائيلي أيضاً إلى ديونه الاقتصادية وسأله عن مصادره في تركيا وعن أشخاص مثل زاهر جبارين، أحد قادة حماس الذين توزع عليهم عدة أوامر تفتيش واعتقال دولية.
استمر التحقيق لمدة ساعتين تقريباً، وقال الضابط الإسرائيلي لمعاذ: "لا تعود إلى فلسطين مرة أخرى، هناك مشاكل كبيرة، إسبانيا أفضل لك"، كما أنه تمنى عقد لقاء آخر معه في المستقبل.
حالة قلق ورعب يعيشها معاذ مع أسرته
لم تنتهِ القصة عند هذا الحد، فقد قامت إحدى الصحف الإسبانية بنشر ما جرى مع معاذ، محدثة ضجة كبيرة في البلاد، دفعت مكتب نائب رئيس الوزراء الإسباني بالتواصل مع معاذ مباشرة لمعرفة ما حدث، إضافة إلى تضامن برلمانيين إسبان مع القضية، وهو تُرجم على أرض الواقع بطلب استجواب لوزير الداخلية.
لكن ذلك لم يكن ليشعر معاذ وعائلته بالأمن، فهو يشعر أنه مراقَب على مدار الساعة، إضافة لتأكده من أن هاتفه الشخصي مخترق بنسبة 100%، حيث تلقى قبل أيام اتصالاً من رقم مجهول، وبعدها بدأ يشعر أن الهاتف يستخدم طاقة بشكل غير طبيعي، إضافة إلى أنه يستهلك بيانات إنترنت بشكل كبير، بحسب ما أوضح لـ"عربي بوست".
ويطالب معاذ السلطات الإسبانية بتوفير الحماية اللازمة له ولعائلته، لأن ما قام بالكشف عنه يمس بهيبة ومهنية المؤسسة الأمنية في البلاد، ويضعها أمام تساؤلات كبيرة، قد تضر بها كثيراً، كما قد تلحق ضرراً بتحركات الموساد على الأراضي الإسبانية.