مفتي لبنان يحذّر من “أيادٍ خبيثة” تعرقل تشكيل الحكومة.. والبطريرك الماروني: أوقِفوا إذلال الناس

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/11 الساعة 15:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/11 الساعة 15:17 بتوقيت غرينتش
تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان يزيد من معاناة السكان - رويترز

حذّر مفتي الجمهورية اللبنانية الشيخ عبداللطيف دريان، الأحد 11 أبريل/نيسان 2021، من أن هناك "أيادي خبيثة" تعرقل تأليف الحكومة، مؤكداً أن بلاده "ليست في أزمة دستورية، بل هي ضحية الاستئثار والانهيار، والارتهان للمحاور".

جاء ذلك في كلمة متلفزة للمفتي دريان وجهها إلى اللبنانيين بمناسبة حلول شهر رمضان المبارك، بثها التلفزيون الرسمي، وتطرق فيها إلى التحديات التي تواجهها البلاد في ظل الأزمة السياسية والاقتصادية الراهنة.

دريان أضاف أن "المطلوب تسهيل تأليف الحكومة، لا وضع العقبات أمامها، هناك أيادٍ خبيثة (لم يذكرها) تعمل في الخفاء على عرقلة الجهود العربية الشقيقة المشكورة، وعلى إفشال المبادرة الفرنسية (حول الحكومة)"، مؤكداً أنه "لأول مرة منذ الحرب العالمية الأولى ينهار مع نظام العيش، النظام المصرفي (…) الذي أصبح أداة بيد المسيطرين، ووسيلة لاستلاب أموال المودعين، لصالح نظام الفاسدين".

يذكر أن "المبادرة" الفرنسية، التي أطلقها الرئيس إيمانويل ماكرون من بيروت بعد يومين من انفجار كارثي بمرفأ العاصمة بيروت في 4 أغسطس/آب 2020، تدعو إلى تشكيل حكومة لبنانية من اختصاصيين لا ينتمون إلى أحزاب سياسية، وإجراء إصلاحات إدارية ومصرفية، إلا أن مراقبين عبّروا أكثر من مرة عن وصول "المبادرة" إلى طريق مسدود.

محاولة لإفساد القضاء

فيما توجه المفتي برسالة إلى المسؤولين اللبنانيين، قائلاً: "أيها المسؤولون غير المسؤولين، هل هو مطلب عسير أن تكون في البلاد حكومة مسؤولة؟"، مشدّداً على أن بلدهم بأشد الحاجة في هذه الظروف إلى سلطة تنفيذية تكون مسؤولة أمام مجلس النواب، وأن هناك "محاولة لإفساد القضاء وتعطيله كأن المسألة مسألة مزرعة خاصة".

يشار إلى أن دار الفتوى، التي يرأسها دريان، مؤسسة رسمية، تضم المجلس الشرعي الإسلامي الأعلى (سني)، والمجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، والمجلس المذهبي لطائفة الموحدين الدروز، ولكل واحد منها استقلاليته الشرعية والإدارية والمالية.

لا تدقيق جنائياً قبل تأليف الحكومة

من جهته، أعرب البطريرك الماروني بشارة بطرس الراعي، عن خشيته من أن يكون تعطيل تشكيل الحكومة هدفه دفع اللبنانيين إلى القبول بتسوية ما (لم يحددها)، مشدّداً على أنه "لا تدقيق جنائياً قبل تأليف الحكومة".

يشار إلى أن التدقيق الجنائي يُعد شرطاً رئيسياً لتقديم مساعدات أجنبية تشتد حاجة البلاد إليها، لأن المانحين الأجانب يقولون إنهم لن يمدوا يد العون في غياب إصلاحات لمعالجة الدين والفساد المتجذر. وتدقيق حسابات البنك المركزي أحد مطالبهم الرئيسية.

كما طالب الراعي، في قداس الأحد بكنيسة الصرح، جميع المعنيين بموضوع الحكومة بأن يكفوا عن "هذا التعطيل من خلال اختلاق أعراف ميثاقية، واجتهادات دستورية، وصلاحيات مجازية، وشروط عبثية، وكل ذلك لتغطية العقدة الأم، وهي أن البعض قدّم لبنان رهينة في الصراع الإقليمي والدولي"، مضيفاً: "ألِّفوا حكومة واخجلوا من المجتمعين العربي والدولي، ومن الزوار العرب والأجانب. ألفوا حكومة وأريحوا ضمائركم".

ولفت الراعي إلى أن "المسؤولين اللبنانيين بيّنوا للجميع داخلياً وخارجياً، أنهم لا يريدون تشكيل حكومة لغايات خاصة في نفوسهم، فالتقوا في مصلحة مشتركة هي التعطيل، وتركيع الشعب من دون سبب، بتجويعه وإذلاله وإفقاره وانتزاع الأمل من قلبه".

الراعي واصل انتقاداته للمسؤولين، بالقول: "أوقِفوا إذلال الناس، أوقِفوا المس بأموال المودعين من خلال السحب من الاحتياط، أوقِفوا الهدر تحت ستار الدعم. ثقوا- أيها المسؤولون- بأن شعبنا لن يخضع، وأن أجيالنا لن تيأس".

"البنك المركزي يتحمل المسؤولية"

كان الرئيس اللبناني ميشال عون قد صرّح، الأربعاء 7 أبريل/نيسان الجاري، بأن البنك المركزي يتحمل المسؤولية عن الأزمة المالية في لبنان وعن تعطل التدقيق الجنائي، مؤكداً أن مصرف لبنان رفض الإجابة عن 73 سؤالاً من 133 أرسلتها شركة ألفاريز آند مارسيل الاستشارية لإجراء التدقيق، وذلك "بحجة أنها مخالفة لقانون النقد والتسليف أو لأنه لا جواب لديه".

كما حمّل عون، في كلمة للشعب، الساسة أيضاً المسؤولية عن توفير الغطاء للبنك المركزي، دون أن يذكر أسماء، متهماً البنوك اللبنانية بتبديد مدخرات الناس، وقال: "هناك مماطلة في إجراء التدقيق الجنائي لمعرفة أسباب الأزمة المالية في لبنان، بهدف إسقاطي".

صندوق النقد يدعو لتغييرات جذرية

إلى ذلك، قال مسؤول كبير في صندوق النقد الدولي، الأحد، إن لبنان لا يمكنه أن ينتشل نفسه من الأزمة الاقتصادية دون حكومة جديدة تجري تغييرات جذرية، وتطلق إصلاحات تأخرت كثيراً.

إذ قال جهاد أزعور، مدير إدارة الشرق الأوسط وآسيا الوسطى في الصندوق: "لا يمكن أن يحدث تغيير في الاتجاه بالقطعة. يتطلب الأمر توجها شاملاً"، منوهاً إلى أن الإصلاحات ينبغي أن تركز على القطاع المالي والميزانية والحوكمة والفساد والمرافق الخاسرة التي ساهمت في ارتفاع الدين.

المسؤول الكبير بصندوق النقد الدولي أشار إلى أنه "في غياب حكومة جديدة يمكنها قيادة هذا التحول، من الصعب للغاية توقع أن يتحسن الوضع من تلقاء نفسه"، موضحاً أن ثمة حاجة لدعم دولي من خلال المنح، لأن "لبنان يحتاج تمويلاً ضخماً من أجل إنعاش الاقتصاد كي يتيح للبلد السير على مسار الإصلاح الذي سيستغرق وقتاً، لكنه في أمس الحاجة إليه".

فيما واصل أزعور قائلاً: "لبنان يحتاج إعادة بناء الثقة بين مواطنيه والمستثمرين والمجتمع الدولي (…)، وحزمة الإصلاح نقطة البداية، ومن أجل ذلك تحتاجون حكومة جديدة تقود تطبيق برنامج الإصلاح هذا".

أزمة "الثلث المعطل"

من جرّاء خلافات بين رئيس الجمهورية ميشال عون (مسيحي ماروني) ورئيس الحكومة المكلف سعد الحريري (سني)، يعجز لبنان عن تشكيل حكومة تخلف حكومة تصريف الأعمال الراهنة، برئاسة حسان دياب، التي استقالت في 10 أغسطس/آب الماضي، بعد 6 أيام من انفجار كارثي بمرفأ العاصمة بيروت.

حيث يريد الحريري تشكيل حكومة "تكنوقراط" (شخصيات غير حزبية)، ويتهم عون بمحاولة الحصول لفريقه (التيار الوطني الحر وحلفاؤه وبينهم حزب الله الشيعي) على "الثلث المعطل"، وهو ما ينفيه رئيس الجمهورية.

و"الثلث المعطل" يعني حصول فصيل سياسي على ثلث عدد الحقائب الوزارية، ما يسمح له بالتحكم في قراراتها وتعطيل انعقاد اجتماعاتها.

أسوأ أزمة سياسية واقتصادية

ويمر لبنان بأزمة سياسية واقتصادية هي الأسوأ منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990، وسط تعثر تشكيل حكومة جديدة، منذ استقالة حكومة حسان دياب في 10 أغسطس/آب الماضي.

فيما تمثل الأزمة الاقتصادية في لبنان أكبر تهديد لاستقراره منذ الحرب الأهلية التي دارت رحاها بين 1975 و1990.

وفي مؤشر آخر على انهيار اقتصاد لبنان، قامت وزارة الاقتصاد اللبنانية برفع سعر كيس الخبز بنسبة 20%، الأمر الذي ساهم أيضاً بتأجيج الشارع.

يشار إلى أن الأسعار في لبنان ارتفعت بنسبة 144%، وفقاً لتقديرات صندوق النقد الدولي. وبات أكثر من نصف السكان يعيشون تحت خط الفقر، وخسر عشرات الآلاف وظائفهم ومصادر دخلهم.

فضلاً عن ذلك، تخلف لبنان عن سداد ديونه العام الماضي، مما أدى لانهيار العملة وانكماش الاقتصاد 25% في 2020، وفقاً لتقرير لصندوق النقد الأسبوع الماضي.

تحميل المزيد