تشكل المخيمات الفلسطينية في لبنان مادة تجاذب سياسي تاريخي في البلاد منذ الاحتلال الإسرائيلي ولجوء الفلسطينيين إلى المناطق اللبنانية بعد النكبة في عام 1948، والعدد الرسمي للمخيمات الفلسطينية في لبنان يبلغ 12 مخيماً منتشرة بالمناطق اللبنانية كافة بين الشمال والجنوب، وباتت المخيمات جزءاً لا يتجزأ من لبنان.
لا يتوقف الأمر عند الموقع الجغرافي فقط، فإن التغيرات السياسية والاقتصادية والاجتماعية تؤثر بطريقة مباشرة على سكان المخيمات. وفي الفترة الممتدة من بعد 17 أكتوبر/تشرين الأول 2019، أي بعد الثورة في لبنان، باتت عجلة الانهيار سريعة وبطريقة غير مسبوقة في تاريخ لبنان الحديث، إذ يشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية واجتماعية، انعكس ذلك على وضع المخيمات، لأنه وبسبب زيادة حدَة الأزمة الاقتصادية، اضطر بعض اللبنانيين إلى العيش داخل المخيمات، لأنها أكثر وفرة في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار.
المخيمات بين الفلسطينيين واللبنانيين بالأرقام
المخيمات الفلسطينية في الأساس تشهد اكتظاظاً شديداً، إذ يبلغ عدد اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، بحسب موقع "اليونيسف" التابع للأمم المتحدة، نحو 192 ألفاً. أما في الآونة الأخيرة فمع تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان انهارت الليرة اللبنانية، ما شكَل أزمة مضاعفة على اللاجئ الفلسطيني الذي كان يعاني قبل الأزمة اللبنانية، نتيجة القوانين المجحفة التي تمنعه من العمل والتملك، فضلاً عن الحساسية الطائفية.
وبحسب دراسة أجرتها لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، التابعة لمجلس الوزراء اللبناني، في لبنان لعام 2020، تبين أن عدد سكان المخيمات الفلسطينية قد ارتفع، وينقسم بين اللبنانيين ولاجئين سوريين.
وعلى سبيل المثال، في مخيم مار الياس، ومركزه بيروت، 55% من السكان غير فلسطينيين، أما في مخيم شاتيلا وأيضاً مركزه بيروت، فترتفع نسبة السكان غير الفلسطينيين إلى 69%.
وعلى أرض الواقع، يقارب الناشط الاجتماعي وساكن مخيم عين الحلوة- ومركزه جنوب لبنان- حسام المعيري، بين الأرقام والوضع الفعلي داخل المخيم. يوضح المعيري لـ"عربي بوست" أنه قبل الأزمة كانت العائلات اللبنانية الفقيرة تعيش على حدود المخيم، لأنه وبعد كثرة المشاكل أصبح للمخيم حدود يطوقها الجيش اللبناني، لكن أن في الفترة الأخيرة أصبحوا يلاحظون وجوهاً جديدة داخل المخيم.
أكد المعيري تردُّد عدد من العائلات اللبنانية يومياً يسألون عن تكلفة إيجار المنزل داخل المخيم وبعد عدة أيام ينتقلون إليه. وعن السبب، يرى أن حال اللبناني كحال اللاجئ الفلسطيني في لبنان، خصوصاً "من لا يملك ظهراً ليستند عليه أو يحميه"، وبالتالي ومن جراء أوضاعهم المتدهورة، يضطرون الى السكن في المخيم، حيث لا فاتورة كهرباء ولا مياه فتصبح الحياة داخل المخيم أفضل من الناحية المادية.
عائلة لبنانية: لقد اختنقنا!
وتقول عائلة عجور، وهي إحدى العائلات اللبنانية التي نزحت إلى المخيم هرباً من الأعباء المادية والاجتماعية بعدما كانوا يعيشون في منطقة صيدا جنوب لبنان. تتألف العائلة من أربعة أشخاص كانوا يعيشون في منزل للإيجار ولكن بعد غلاء الإيجارات لم يجدوا سوى المخيم ملجأً لهم.
معيل العائلة، السيد رامي، الذي يبلغ من العمر 60 عاماً، يشرح لـ"عربي بوست" أن انتقاله إلى المخيم وفَّر عليه كثيراً من المصاريف، فأزاح عن ظهره عبء فواتير الكهرباء واشتراك المولدات، إضافة الى اشتراك المياه والبلدية، كلها كانت تشكل ضغطاً عليه.
أما بالنسبة لولديه، فما زالا في المدرسة ومن خلال عمله بائع خضراوات داخل المخيم، يحاول قدر المستطاع تأمين القسط لولديه المسجلين في المدرسة الرسمية شبه المجانية. ويقول عجور بغصَّة في صوته: "يحق لي أن أعيش مع أولادي بكرامة دون عوز، أن لا أفكر كيف سأحصل المال كي أدفع الدَّين، أن أعيش كإنسان. هذه الدولة مُجرمة"، ويتابع: "لم تكتفِ بنهب أموالنا ولا حتى بتفجير بيروت في 4 أغسطس/آب، انما تغتالنا نفسياً يومياً".
المبادرات: سلاح ذو حدين
مع اقتراب شهر رمضان المبارك، تشتد الأوضاع سوءاً، خصوصاً داخل المخيمات. لذا، يسعى الناشطون الى إقامة بعض المبادرات الفردية والجماعية من أجل مساعدة الناس المحتاجة.
يشير الناشط الاجتماعي حسام المعيري إلى أن المبادرات التي تقام داخل المخيمات خلال رمضان أو باقي أيام السنة، عبارة عن "سيف ذي حدين". في الشق الإيجابي، فهي تعبر عن التكاتف الاجتماعي الفلسطيني واللبناني داخل المخيمات، ويوضح المعيري: "الإيجابية فيما يتعلق بالمبادرات الإنسانية والاجتماعية هي أنها تساعد الفقراء على تأمين أبسط المواد الغذائية". أما من الجهة الثانية، فيشدد المعيري على أن السلبية تكمن في تخلي الـUNRWA ــ وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، وهي وكالة غوث وتنمية بشرية تعمل على تقديم الدعم والحماية، عن مسؤولياتها وتخليها، الى جانب الفصائل المعنية، عن الشعب.
يعتبر المعيري أن الاتكال على أموال المغتربين، من أجل المساعدات وتقديم المعونة، يريح الـUNRWA، لأنها أقل تكلفة عليها. لذا، يطالب المتحدث الدولة اللبنانية بأن تتعاون مع الأمم المتحدة، من أجل الضغط على الـUNRWA لتقديم المساعدات والخدمات اللازمة.
ويسترسل الناشط الاجتماعي بالقول إنه في الوقت الحالي، الوضع رغم صعوبته ما زال مقبولاً، لأن المساعدات قائمة من الأقارب والأفراد، أما مع الارتفاع المستمر للدولار "فماذا سيحصل حينها؟".
ويختم بالقول: "ما قادرين نشوف الناس عم تموت من الجوع ونسكت".
كورونا والمخيمات
تأثرت المخيمات الفلسطينية بجائحة كورونا، ولكونهم من الفئات الهشة كان من الضروري تدخُّل وزارة الصحة اللبنانية بالتعاون مع الـUNRWA، من أجل معالجة مرضى الكورونا.
من هنا، يقول مدير الهلال الأحمر الفلسطيني في لبنان إنه وبعد تزايد الأعداد بشكل كبير وازدادت معها الحاجة لدخول المستشفيات، تكفلت الأونروا بـ90% من التكلفة لتسدد السفارة الفلسطينية الـ10% المتبقية. ومع استمرار ارتفاع الأعداد، لجأ لهلال الأحمر الفلسطيني، بحسب شحادة، إلى فتح مستشفى له قسم خاص بكورونا وهو مستشفى الهمشري في مدينة صيدا بجنوب لبنان. ويشدد شحادة على أن "هذا المستشفى ليس مخصصاً للفلسطينيين فقط، إنما اللبناني يعالَج فيه بالمجان أيضاً".
كما أن مدير الهلال الأحمر الفلسطيني يؤكد أن الأزمة الاقتصادية أثرت بشكل كبير على توجه اللبنانيين الى مستشفى الهمشري، إضافة إلى مستشفى صفد في منطقة البداوي شمال لبنان. بحسب شحادة، فإن الضيق المادي من جرّاء الأزمة الاقتصادية، دفع اللبنانيين نحو اللجوء إلى المستشفيات التي يعدها الهلال الأحمر الفلسطيني.
بحسب أرقام الهلال الأحمر الفلسطيني، سجَّلت المخيمات الفلسطينية على صعيد لبنان، معدل وفيات نسبته 3.03%، وهذه تعتبر نسبة عالية، لأنه على صعيد المناطق اللبنانية بلغت النسبة 1.2%.
أما عن عدد المصابين، فقد بلغت الأعداد منذ بداية كورونا في لبنان- أي منذ شهر فبراير/شباط 2020 وحتى 30 مارس/آذار 2021- 12.296 لاجئاً فلسطينياً مصاباً بكورونا و11.194 حالة استشفاء.
في هذه الأزمة الكبيرة التي أضرت بفئات المجتمع في لبنان بجنسياته كافة، يتكاتف اللبنانيون والفلسطينيون في مساعدة بعضهم بعضاً، ليحلوا محل دولة غائبة لا تتحمل مسؤولية أبناء بلدها أصلاً. ولكن مع تسارع التدهور المالي والاقتصادي يبقى السؤال: على أي برٍّ سترسو سفينة لبنان الغارقة التي تغرق معها شعبها الذي لا يملك سوى الدعاء للخلاص.