هو واحد من أهم وزراء الجزائر والمُعلن الرسمي لأهم قضاياها، البروفيسور عمّار بلحيمر، وزير الاتصال والناطق باسم الحكومة، الذي عُين فيها في يناير/كانون الثاني 2020 بعدما كان عضواً في لجنة الحوار التي أفضت لتشكيل السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات الرئاسية نهاية 2019.
في لقاء خاص مع "عربي بوست" فتح بلحيمر ملفات داخلية وخارجية، منها المتعلق بالحراك الشعبي، وعلاقة بلاده بالجارة المغرب وجبهة البوليساريو، فضلاً عن ملف الذاكرة مع فرنسا وقضية التطبيع ودعم القضية الفلسطينية.
قبل أسابيع عادت مسيرات الحَراك الشعبي إلى الشوارع الجزائرية للمطالبة بالتغيير الجذري، ماذا يعني لكم ذلك؟
من الإجراءات الأولية التي اتخذها عبدالمجيد تبون فور انتخابه رئيساً تلبية المطالب المشروعة للحراك المبارك والأصيل، الهادفة إلى تعزيز وتطوير منظومة الحقوق والحريات ومحاربة الفساد.
وقد تركزت هذه الإجراءات على بناء مؤسسات دستورية منتخبة بشكل ديمقراطي، مما استدعى استحداث أو تعديل القوانين ذات الصلة على غرار الدستور والقانون العضوي للانتخابات وقانون الاستثمارات.
كما أن الدولة لم تدّخر جهداً للتكفّل بالجبهة الاجتماعية لا سيما من حيث السعي إلى تقليص الفوارق وتحقيق المساواة والتنمية، إذ خُصص على سبيل المثال مبلغ إضافي للمناطق النائية هذه السنة قدر بـ50 مليار دينار جزائري.
وقد بدأت نتائج إنعاش هذه المناطق تظهر في الميدان، إذ تم حتى الآن إنجاز 62% من المشاريع المُسطرة بتكلفة بلغت نحو 92 مليار دينار في مختلف المجالات، كبناء الطرقات، والمدارس، والتزود بماء الشرب، والربط بالكهرباء والغاز.
موازاة مع ذلك تتواصل بكل نزاهة وشفافية محاسبة المسؤولين والمستثمرين الفاسدين بما يشمل استرجاع ممتلكات الشعب المنهوبة، وكذا الاستثمارات غير المستغلة.
بالمقابل تم الإفراج عن عشرات المحبوسين على خلفية الحراك، لا سيما في إطار إجراءات العفو الرئاسي، ويبقى باب الحوار واليدِ الممدودة مفتوحاً أمام الجميع.
إلا أنه وموازاة مع مبادرات حسن النية والإجراءات الإيجابية المتخذة في ظل ظروف صعبة على كافة المستويات نسجل تصرفات مريبة وخطيرة لا علاقة لها بالمطالب والأهداف التي انطلق من أجلها الحراك.
ويكفي أن نذكر بهذا الخصوص أن مصالح الأمن المختصة أوقفت مؤخراً 5 أشخاص خططوا للقيام بعمليات إرهابية في قلب الحراك بمدينتي تيزي وزو وبجاية، وحجزت أسلحة حربية وذخيرة ومركبتين وأجهزة إلكترونية لدى الموقوفين.
هذه التجاوزات الخطيرة يُضاف إليها إيقاف مواطن مغربي مقيم بطريقة غير شرعية مندساً وسط الحراك، دون تناسي استغلال الأطفال والزج بهم في هذه المسيرات، الأمر الذي يطرح أكثر من تساؤل عن الأهداف الحقيقية والجهات المستفيدة من الفوضى باسم الحراك.
لكن على الجميع أن يُدرك يقيناً أن الدولة بالمرصاد لكل التلاعبات و"الأعمال التحريضية والانحرافات الخطيرة من قبل أوساط انفصالية، وحركات غير شرعية ذات مرجعية قريبة من الإرهاب، تستغل المسيرات الأسبوعية"، كما ورد في بيان اجتماع المجلس الأعلى للأمن برئاسة رئيس الجمهورية.
يرفع المتظاهرون كل جمعة شعار "مدنية ما شي عسكرية" هل يزعجكم هذا الشعار؟ وما الغرض من رفعه برأيكم؟
تحول الشعارات من "جيش – شعب خاوة – خاوة" إلى "مدنية ما شي عسكرية" دليل على خبث وخطورة ما يحاك ضد الجزائر من جهات أجنبية وعملائها الخونة الذين يرفضون المسار الديمقراطي والبناء المؤسساتي والدستوري الذي تنتهجه الجزائر الجديدة، ويخططون لتمرير ما يعرف بالمرحلة الانتقالية التي ستفتح باب الخراب والدمار الذي تعاني منه دول شقيقة، وهذا خير دليل على حقيقة السموم والدسائس المغلفة بالشعارات البراقة والزائفة على غرار "الفوضى الخلاقة" و"الربيع العربي" و"الثورات الملونة".
يتحدث الكثير من المحللين عن العلاقة بين مؤسسة الرئاسة والمؤسسة العسكرية وكأنهما ندّان، ما هو تعليقكم؟
الجيش الوطني الشعبي سليل جيش التحرير الوطني، انبثق من رحم الشعب وانصهرت العلاقة الاستثنائية بينهما بشكل فشلت معه كل المحاولات الخبيثة للمساس بهذا التلاحم والانسجام والتقدير والوفاء.
ولا تزال محاولات إضعاف هذه العلاقة التي تُعتبر بمثابة الضامن لحصانة البلاد من خلال التكالب على المؤسسة العسكرية، العمود الفقري للأمة ودرعها المنيع الحامي لحدود الوطن، والضامن لسيادتها ووحدتها وأمن واستقرار مواطنيها. فالجيش مؤسسة عتيدة تتعرّض يومياً لهجمات إلكترونية فاشلة بدعوى وجود صراع وهمي بينها وبين مؤسسات سيادية.
وأكدت مختلف التجارب التي مرت بها الجزائر أن لا أحد يستطيع زعزعة العلاقة الصلبة بين الجيش والأمة ولا بينه وبين باقي المؤسسات، كرئاسة الجمهورية مثلاً، بحيث أبرزت مجلة الجيش في عددها الأخير "الانسجام الكامل بين الرئيس والجيش و"الثقة المطلقة" التي يوليها بصفته القائد الأعلى للقوات المسلحة، وزير الدفاع الوطني لمؤسسة الجيش".
هل تتحكّم الحكومة في الوضع الاقتصادي لا سيما مع أزمة كورونا وتراجع أسعار النفط، وتآكل الاحتياطيات المالية، وتراجع قيمة الدينار وغلاء المواد الأساسية؟
لقد شدد الرئيس بمناسبة انعقاد الجلسات الوطنية حول "اقتصاد المعرفة" على أن الجزائر تواجه اليوم "تحديات كبرى من أجل الانتقال من اقتصاد ريعي إلى اقتصاد متنوع ومنتج للثروة"، وذكر بالإنجازات المحققة منها "الإطلاق الرسمي لصندوق تمويل المؤسسات الناشئة كآلية مهمة لدعم إنشاء هذه المؤسسات وتسهيل عملها الإبداعي، وإطلاق خدمات التصديق والتوقيع الإلكترونيين كأداة لتأمين المعاملات الإلكترونية وتحسين بيئة الاستثمار".
وأكد الرئيس أن الدولة أولت أهمية "بالغة" لتحسين مناخ الأعمال للمؤسسات الناشئة من خلال تسهيل الإجراءات الإدارية وتسريع عمليات الرقمنة في جميع الدوائر الوزارية ومؤسسات الدولة، خاصة تلك التي لها علاقة مباشرة بالخدمة العمومية والاستثمارات"، كما أن الجزائر تحصي "أكثر من 78 داراً مقاولاتية"، يضاف لها أكثر من 44 حاضنة حتى الآن تعمل مع المئات من المؤسسات الناشئة.
ورغم الظروف الصعبة إلا أن التوجه الجديد للاقتصاد الوطني بدأ يعطي ثماره إذ نجحت الجزائر سنة 2020 في تقليص الاستيراد بـ10 مليارات دولار مقارنة بـ2019 وذلك "بفضل الإنتاج والتحكم في تضخيم الفواتير وتطبيق رقابة أكثر جدية لبعض الخدمات".
التمست العدالة الجزائرية مؤخراً مذكرات توقيف ضدّ معارضي الخارج متهمين بالمساس بأمن الدولة، وفي نفس الوقت فعّلت فرنسا اتفاقية تسليم المطلوبين بين البلدين، هل هناك تنسيق بينكم وبين باريس لتسلّم المعارضين في الخارج؟
إلى صيف 2020 بلغ عدد الاتفاقيات القضائية الثنائية الموقعة بين الجزائر ودول أخرى 71 اتفاقية، منها تلك الموقعة مع فرنسا والتي تشمل الجوانب العائلية كوضعية أطفال الزواج المختلط في حالة الانفصال والتعاون في المجال الجزائي وتنفيذ الأحكام وتسليم المجرمين.
فمن المنطق بل من الواجب تفعيل الاتفاقيات الموقعة وإلا فما الجدوى من توقيعها والمصادقة عليها؟
وتبعاً لما تقدم يتعين التأكيد على أن مذكرات التسليم تخضع للقانون الجزائري، وكذا للاتفاقيات الدولية المتعلقة بتبادل الأشخاص، كالمتهمين بالمساس بأمن الدول وتبييض الأموال وارتكاب جرائم إرهابية.
فالتعاون والتنسيق الدولي ضروري لمواجهة الجرائم الخطيرة وقطع الطريق أمام مختلف أشكال الإجرام التي تهدد سيادة الدول وأمن الشعوب بصرف النظر عن المكان الذي يتخذه المجرمون قواعد خلفية لتنفيذ مخططاتهم أو وسائل الاتصال التي يستخدمونها على غرار مواقع التواصل الاجتماعي.
أعلنت بعض الأحزاب السياسية مقاطعتها لتشريعات 12 يونيو، هل سيؤثر ذلك على مصداقية وشرعية هذه الانتخابات؟
إلى السابع من أبريل سلمت السلطة الوطنية المستقلة للانتخابات أكثر من 7 ملايين و600 ألف استمارة للمترشحين للانتخابات.
وحسب رئيس اللجنة محمد شرفي فإن 1755 قائمة تابعة لأحزاب سياسية و2898 قائمة حرة أبدت رغبتها في الترشح لانتخابات أي بمجموع 4653 قائمة.
ورغم أن هذا العدد الهائل للراغبين في خوض غمار الانتخابات التشريعية إلا أننا وتكريساً لقواعد اللعبة الديمقراطية فإننا نحترم قرار وحرية الأحزاب التي صرحت على قلتها بعدم المشاركة، إذ المهم في كل هذا هو أن التشريعيات المقبلة ستحتكم لأول مرة لمعايير النزاهة والشفافية المطلقة بفضل قانون الانتخابات الجديد إذ سيكون الصندوق الفيصل الوحيد لانتقاء ممثلي الشعب.
من هذا المنطلق ولأن "عهد الكوطات قد انتهى" فإن كل الجهود حالياً منصبة على بناء "دولة جديدة أساسها خيارات الشعب"، ورهانها وعي الشعب ومشاركته بقوة في هذا المسار الهام ومنح صوته الثمين لمن يقتنع ويثق في برنامجه.
كيف تقيّمون وضعية حرية الإعلام والتعبير في الجزائر بعد الحراك الشعبي؟
حرية الإعلام قناعة ثابتة وخيار محوري في برنامج السيد رئيس الجمهورية الذي أكد في العديد من المناسبات دعمه المطلق لحرية التعبير والصحافة والتي لا يحدها سوى القانون والأخلاق.
ومن أوجه السقف العالي لحرية الإعلام في الجزائر عدم سجن أي صحفي بمناسبة ممارسة مهنته ودعم الصحافة بمختلف أشكال الدعم، إلى جانب إعادة النظر في المنظومة التشريعية والتنظيمية التي تسير قطاع الاتصال وتعزز مهنة الصحافة.
ولعل من أبرز المكاسب ذات الصلة الشروع في تجسيد أحكام المرسوم التنفيذي المتعلق بالإعلام عبر الإنترنت في سياق التوجه نحو تعميم الرقمنة والتحول الكلي إلى الصحافة الإلكترونية.
تماشياً مع هذا الخيار من المتوقع أن يبلغ عدد المواقع الإلكترونية المهنية "المؤمنة والمحصنة" في الجزائر قبل الصيف المقبل مئة موقع إلكتروني.
هل تعتبرون اعتراف فرنسا بتعذيب المناضل موريس أودان وقتل المحامي علي بومنجل وفتح الأرشيف خطوات كافية لطي ملف الذاكرة بين البلدين؟
في ردي على أسئلة مماثلة سبق لي التأكيد على أن ملف الذاكرة من الملفات ذات الأولوية في برنامج الرئيس عبدالمجيد تبون والتي تشكل قضية شعب ومطلب مشترك لكافة الجزائريين.
وعليه وحتى إن كنا نقدر الخطوات المبذولة لكنها تبقى ناقصة إذ لا يمكن الاكتفاء بأجزاء متقطعة ومتناثرة من هذه القضية المبدئية الجامعة التي لا تنازل عنها لكن لا يمكن بالمقابل استعمالها كسجل تجاري لتحقيق أغراض ما.
الرئيس الفرنسي أكد بعد تسلّمه تقرير المؤرخ بنيامين ستورا، أن فرنسا لن تعتذر للجزائر عن فترة احتلالها، ماذا يعني ذلك لكم؟
بهذا التصريح أو دونه الجزائر متمسكة بملف الذاكرة ولن تتراجع عن المطالبة به كحق تاريخي غير قابل للتنازل أو التقادم. الاعتراف الرسمي بجرائم الاحتلال التي اعتبرها ماكرون ذاته "جرائم ضد الإنسانية" والاعتذار والتعويض هي أقل المطالب التي يمكن لشعب عانى ما لم تعانه أمة من ويلات الاحتلال حديثاً.
يثار الكثير من الجدل حول تحركات السفير الفرنسي في الجزائر وكثرة اجتماعاته لا سيما مع رؤساء الأحزاب السياسية، هل يزعجكم ذلك؟
بداية آمل أن يساهم السفير وكافة المعنيين في بناء الغد المنشود بين البلدين وكذا في إفشال مخططات اللوبيات المعادية للتقارب بين الجزائر وفرنسا خاصة في ظل الإرادة السياسية الإيجابية التي عبر عنها الرئيسان تبون وماكرون.
وأعتقد أن السفير الفرنسي لن يفوت هذه الفرص الثمينة بفضل خبرته الكبيرة ودرايته بحدود وضوابط الممارسة الدبلوماسية خاصة في الجزائر التي لن تتوانى عند الاقتضاء في اتخاذ الإجراءات اللازمة لتصحيح الأوضاع.
وأود أن أختم جوابي على هذا السؤال بلمسة تفاؤل بخصوص العلاقات بين البلدين والتي عبر عنها سفيرنا بباريس السيد محمد-عنتر داود إذ قال مؤخراً في حديث ليومية "ليكسبرسيون – L'expression": "الجزائر وفرنسا مدعوتان لمعرفة مستقبل زاهر".
قالت صحيفة "الإندبندنت" البريطانية في تقرير لها مؤخراً، إن الجزائر لا تبذل مجهودات كافية لإجبار فرنسا على دفع تعويضات لضحايا التفجيرات النووية والكشف عن أماكن دفن نفايتها النووية، إلى أي مدى يمكن أن يكون هذا الكلام صحيحاً؟
التفجيرات النووية الفرنسية بالجزائر والألغام المضادة للأشخاص جزء لا يتجزأ من ملف الذاكرة الذي لن نفرط فيه أو نتخلى عنه، خاصة إذا علمنا أن هذه التفجيرات الإجرامية ما زالت تخلف إلى اليوم ضحايا سواء من حيث تسببها في التشوهات الخلقية وانتشار مختلف السرطانات أو من حيث قتل عناصر البيئة والمحيط.
وقبل أسبوع فقط أكد سفيرنا بفرنسا أن "مسائل الذاكرة تهدف إلى استرجاع الرفات والأرشيف وتعويض الضحايا الجزائريين للتجارب النووية والمواقع السابقة للتجارب في الصحراء ومسألة المفقودين".
كما يجب التذكير بخصوص هذه التفجيرات الخطيرة أن القانون الوضعي الفرنسي لسنة 2010 يمنح تعويضات للجنود الفرنسيين المشاركين فيها.
تبون كان الرئيس الوحيد الذي تحدّث علنياً عن رفضه للتطبيع مع إسرائيل، هل تسبب ذلك في مشاكل للجزائر مع بعض الدول التي كانت ترعى اتفاقيات التطبيع؟
معروف عن الرئيس تبون أنه رجل مواقف ومبادئ لا يساوم بالقضايا المصيرية وفي مقدمتها القضية الفلسطينية التي وصفها بالمقدسة رافضاً ركوب موجة التطبيع. وهذا القرار السيادي الثابت هو تعبير عن قناعة راسخة لدى الشعب الجزائري ومن هنا فلن يتأثر بمن اختار التطبيع أو بمن يروج له.
المسؤولون في السلطة الفلسطينية يقولون إن الجزائر هي الدولة الوحيدة التي تدفع مستحقاتها للسلطة، ألم تتعرض الجزائر لضغوطات من أجل توقيف هذه المساعدات، خاصة في فترة حكم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب المعروف بتحيزه لإسرائيل؟
دعم الجزائر للقضايا العادلة عبر العالم موقف ثابت لا ولن يخضع لأي ابتزاز أو ضغوط مهما كانت طبيعتها ومصدرها. زيادة على هذا فإن دفع مستحقاتنا للسلطة الفلسطينية ليس منّة بل واجب سنستمر في أدائه بكل فخر وشرف إلى أن تسترجع فلسطين حقوقها المسلوبة.
أصبح لإسرائيل قدم في المغرب العربي، بعد تطبيع العلاقات بينها وبين المغرب، ماذا يعني لكم ذلك؟
يجب التذكير أن التطبيع بين المغرب وإسرائيل قائم منذ سنوات أما الذي حدث مؤخراً فهو مجرد ترسيم أو إخراج هذه العلاقة للعلن في ظل رفض ومعارضة شرفاء وأحرار المملكة للعملية، والتعبير عن ذلك بالمظاهرات وبرفع دعاوى قضائية ضد حكام بلدهم باعتباره المتضرر الأكبر والمباشر من العملية.
أما بخصوص الجزائر فالمطالبون بالتطبيع يدركون أنهم لن يقدروا على ابتزازها أو إضعافها سواء بالتطبيع أو بأية مناورة دنيئة، ما دام لهذا الوطن العظيم جيش وطني منسجم مع باقي مؤسسات الدولة، وملتحم تماماً مع الشعب الذي يسنده دون قيد أو شرط.
المغرب يتهم الجزائر دائماً بدعم جبهة البوليساريو وتعطيل حل الحكم الذاتي الذي تقترحه كحل للقضية الصحراوية، كيف تردون على ذلك؟
دعم الجزائر لقضية الصحراء الغربية باعتبارها قضية تصفية استعمار لا نعتبره اتهاماً وإنما هو موقف سيادي يتماشى مع الشرعية الدولية. ثم إننا لسنا طرفاً في النزاع الدائر بين جبهة البوليساريو والمحتل المغربي وبالتالي لا يمكن لنا أن نختار بدل الصحراويين الحل الذي يريدونه. فموقف الجزائر كان وسيظل واضحاً، إذ تؤكد دوماً دعمها لأي خيار يتفق عليه طرفا النزاع في الصحراء الغربية من أجل إنهاء الحرب في آخر مستعمرة بإفريقيا.
ضمن هذا السياق لقد تم إعادة إدراج ملف الصحراء الغربية في أجندة مجلس السلم والأمن للاتحاد الإفريقي مثلما تم إقراره خلال اجتماع المجلس على مستوى رؤساء الدول والحكومات المنعقد يوم 9 مارس 2021.
الملك محمد السادس طالب مراراً بفتح الحدود المغلقة بين البلدين منذ 25 سنة، لكن الجزائر تلتزم الصمت حيال ذلك، هل للجزائر شروط أو مطالب قبل الاستجابة لذلك؟
الجزائر لم تكن يوماً هي البادئ بأي تصرف تسبب في الأوضاع التي ذكرتها. فبالرجوع إلى السياقات التاريخية تجد أننا لاعتبارات إنسانية في الأساس نتغاضى قدر المستطاع عن بعض التصرفات غير اللائقة، لكن في مرحلة ما من تمادي الطرف الآخر في التجاوزات وعدم مراعاة علاقات الأخوة والجوار نضطر إلى المعاملة بالمثل واتخاذ الإجراءات الضرورية للدفاع عن حقوقنا وحمايتها.
لا يكفي أن يطالب مسؤولو المملكة بفتح الحدود، بل عليهم إبداء حسن النوايا واتخاذ الإجراءات اللازمة لإنهاء الاعتداءات والجرائم الموجهة ضد الجزائر عبر المنافذ الحدودية، وفي مقدمتها تهريب الأسلحة والمخدرات.
ما هي الأسباب الحقيقة لطرد المزارعين المغاربة من واحة العرجة الحدودية بعد تركهم لسنوات طويلة يستغلونها دون مشاكل؟
للجزائر الحق السيادي المطلق في التصرف في أراضيها بما في ذلك استرجاع المناطق المستغلة بطرق غير قانونية من طرف مواطنين غير جزائريين.
وكما سبق أن أشرت فإن حدودنا المشتركة مع المغرب أصبحت معابر مفضلة للتهريب، وهو ما يتطلب اتخاذ الإجراءات التي تنهي هذه الممارسات الخطيرة، والتي تستهدف أمن الجزائر واستقرارها. لهذا طالبت السلطات الجزائرية المختصة بكل احترام من المواطنين المغاربة مغادرة منطقة العرجة ومنحتهم مهلة لذلك كما مكنتهم من أخذ ممتلكاتهم كاملة.
ويجب التذكير أن هؤلاء المواطنين المغاربة ورغم أنهم كانوا يستغلون أراضي جزائرية لسنوات عديدة دون أدنى مقابل إلا أنهم كانوا يدفعون الضرائب لبلدهم.
كيف ترى الجزائر التطورات السياسية الأخيرة في ليبيا؟
الرئيس عبدالمجيد تبون أعرب مؤخراً عن تفاؤله بالتطورات الجارية في الشقيقة ليبيا، لا سيما وقف القتال وتنصيب حكومة الوحدة الوطنية التي نالت ثقة مجلس نواب الشعب الليبي الشقيق. لقد أكدت الجزائر منذ البداية أن الحل في ليبيا لن يكون إلا ليبيا – ليبيا، وشجعت لغة الحوار والتشاور بعيداً عن التدخلات الأجنبية.
ما هو الدور الذي لعبته الجزائر في حل الأزمة المالية؟
لقد عبر الرئيس المالي نداو خلال زيارته للجزائر في 15 مارس عن "تقديره الكبير للدور المحوري الذي تلعبه الجزائر بصفتها بلداً جاراً يقود الوساطة الدولية ورئيسة لجنة متابعة الاتفاق من أجل "استعادة السلام والأمن والاستقرار إلى مالي في ظل الاحترام التام للوحدة والسلامة الترابية وسيادة دولة مالي على كامل أراضيها".
فاتفاق السلم والمصالحة في مالي الموقع في 1 مارس 2015 المنبثق عن مسار الجزائر يُشكل الإطار المرجعي لعودة السلم والأمن بشكل نهائي في مالي.
إن توقيع هذا الاتفاق بين الحكومة والجماعات السياسية والعسكرية المالية تم بواسطة دولية قادتها الجزائر، التي ما زالت ترعى هذا المسار.
هل يزعج الجزائر التواجد الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي؟
الوجود العسكري الفرنسي في منطقة الساحل الإفريقي يزعج في المقام الأول بلدان المنطقة، ففي مالي ومنذ سنة 2017 هناك بشكل متنامٍ مظاهرات مناوئة لهذا الوجود ومطالبة برحيل القوات الفرنسية عن بلدانهم كونها لم تجلب لهم الأمن والسلم وعجزت عن حمايتهم من الإرهاب.
كما أن الرأي العام الفرنسي هو الآخر يطالب بسحب جنود بلاده من منطقة الساحل جراء ارتفاع حصيلة الجنود الفرنسيّين الذين قُتلوا في منطقة الساحل منذ 2013.
أما الجزائر وكما صرح وزير خارجيتها مؤخراً في إسبانيا فإنها تؤكد أن التدخل العسكري ليس كافياً لمحاربة الإرهاب بمنطقة الساحل كون العمليات العسكرية لا تعالج الأسباب العميقة للظاهرة خاصة تلك المتعلقة بمشاكل التنمية.
ولعل خير دليل على عدم جدوى العمليات العسكرية هو أن التعداد الهائل للقوات الفرنسية المسماة "برخان" والمقدر بـ5100 عسكري يضاف إليها 15000 جندي تابع لقوات "مينوسما" عجزت مجتمعة في القضاء على الإرهاب وإحلال السلام بمنطقة الساحل.
الرئيس التونسي الأسبق منصف المرزوقي، اتهم الجزائر بتعطيل بناء الاتحاد المغاربي بسبب دعمها جبهة البوليساريو في مسعاها للاستقلال، ما مدى واقعية كلامه؟
هذا الكلام هو اجترار لطرح الطرف المحتل للصحراء الغربية سعياً إلى إيجاد شماعة لإخفاقاته المتتالية، ولتبرير سياسة الهروب إلى الأمام بمختلف الطرق منها محاولة الربط بين وضعين مختلفين تماماً الأول ذو بعد سياسي واقتصادي بحت وهو مشروع الاتحاد المغاربي والثاني عبارة عن قضية استعمار وتقرير للمصير.
قضية الصحراء الغربية هي قضية تصفية استعمار حسب قرارات هيئة الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي، من هذا المنطلق فإن دعم الجزائر لهذه القضية العادلة يعد موقفاً ثابتاً لا يمكن الحياد عنه مهما تعالت أصوات المرتزقة والمأجورين.
فلا يمكن المتاجرة بهذه القضية وربطها بمشروع بناء الاتحاد المغاربي، لأن تعثر هذا المشروع لا علاقة له بتصفية الاستعمار وباستفتاء تقرير المصير، أما عن المسؤول عن هذا التأثر فهو ليس الجزائر بكل تأكيد لأننا دعونا مراراً إلى فصل الملفين بوضع قضية الصحراء الغربية في إطارها الصحيح، والمضي في بناء الصرح المغاربي لكن دون جدوى للأسف.
فنحن أصحاب مبادئ ودعاة سلام وأخوة وحسن جوار، ولعل تبادل الزيارات بشكل مكثف مؤخراً على أعلى المستويات وفي مختلف المجالات بين مسؤولي الجزائر ونظرائهم من جل بلدان المنطقة تونس، موريتانيا، ليبيا وكذا مالي والنيجر.. دليل على ذلك وهو ما أكدته أيضاً تصريحات الإشادة والعرفان التي عبر عنها هؤلاء المسؤولين.
رئيس البرلمان التونسي راشد الغنوشي دعا إلى بعث اتحاد مغاربي بين الجزائر وتونس وموريتانيا وليبيا، برأيكم هل هذا ممكن؟
أولاً لست مؤهلاً ولا مخولاً للحديث باسم رئيس البرلمان التونسي لكن الذي أحرص على تأكيده أننا محكومون يوماً ما بتجسيد حلم الشعوب في بناء صرح مغاربي قوي، وأننا لا يمكن أن نكون رهائن أهواء من اختاروا إقصاء أنفسهم أو محاولة تعطيل عجلة التاريخ والذهاب إلى المستقبل المرجو.