تورّط فيها مسؤولون كبار من “حرس” بوتفليقة.. تفاصيل قضية تبديد 4 مليارات دولار في صفقات قمح فاسد بالجزائر

عربي بوست
تم النشر: 2021/04/06 الساعة 11:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2021/04/06 الساعة 11:16 بتوقيت غرينتش

فجّرت وسائل إعلام جزائرية قضية فساد ضخمة قد تكون الأكبر من نوعها منذ سنوات، إذ يبلغ مجمل الأموال المهدرة فيها 4 مليارات دولار.

وتتعلّق القضية بالديوان الوطني للحبوب، وكشفت خيوط القضية بعد حجز الجمارك الجزائرية لشحنة من القمح الفاسد قادمة من ليتوانيا، قبل شهرين بغرض الاستهلاك.

التحقيقات مع مدير الديوان الوطني للحبوب كشفت عن ملفات أخرى أثبتت تورط مديرين ووزراء ومسؤولين كبار، منهم الوزيران الأولان السابقان أحمد أويحيى وعبدالمالك سلال، وأربعة وزراء سابقون للفلاحة في هذه القضية غير المسبوقة.

وحسب المعلومات التي حصل عليها "عربي بوست" من مصادر مؤكدة، فإن أحد المتورطين في القضية هو رئيس البرلمان الأسبق عمار سعيداني، الذي قالت صحيفة "ليبارتي" الفرنكوفونية إنه طلب اللجوء السياسي في المغرب قبل أيام بعد أن رفضت البرتغال استقباله.

تفاصيل قضية فساد القمح في الجزائر

بمجرد أن أعلنت الجمارك أنها حجزت باخرة من القمح المغشوش في شهر ديسمبر/كانون الأول 2021 قادمة من ليتوانيا، فتحت مصالح الدرك الوطني تحقيقاً معمّقاً داخل الديوان الوطني المهني للحبوب، والتي أقال بعدها مباشرة الوزير الأول عبدالعزيز جراد، مدير الديوان، وحوّله للتحقيق ليُوضع تحت الحراسة رفقة 8 من مساعديه.

وباشر الدرك الوطني تحقيقاته مع الوزيرين الأولين السابقين أحمد أويحيى وسلفه عبدالمالك سلال و4 وزراء سابقين للفلاحة، وأكثر من 30 مسؤولاً بالوزارة والديوان الوطني للحبوب.

ووفق جريدة الشروق الجزائرية، فإن الشبهات المثارة في الملف الذي كبَّد الخزينة العامة نحو 4 مليارات دولار تتعلّق بمخالفة قانون صفقات الديوان الوطني للحبوب المتعلق بتوزيع القمح على المطاحن.

أيضاً يتجلى الخلل في منح صفقات استيراد القمح لمستوردين جزائريين متواطئين مع شركات فرنسية، ومنحهم أيضاً تخفيضات في صفقات شراء القمح، ومنح امتيازات لبارونات القمح من خلال الحصول على كميات إضافية وصلت إلى 80%، وهو ما يعد بمثابة مخالفة لقانون الصفقات المتعلقة بتوزيع كميات القمح على المطاحن.

ويُقر قانون الصفقات المتعلقة بتوزيع كميات القمح على المطاحن في الجزائر بضرورة توزيعها بنسب متساوية ومحددة، تطبيقاً لتعليمات حكومية بعد الارتفاع الكبير لأسعار الحبوب في السوق الدولية.

وأضافت الصحيفة ذاتها أن التحقيق في القضية ما زال متواصلاً عند الدرك الجزائري، وهو الأضخم من حيث الوقائع وعدد الأشخاص المتورطين فيه من الوزراء وكبار المسؤولين في الدولة.

الجزائر تشتري 550 ألف طن من القمح الفرنسي (مواقع التواصل الاجتماعي)
الجزائر تشتري 550 ألف طن من القمح الفرنسي (مواقع التواصل الاجتماعي)

علامة مسجلة

كشفت المحاكمات التي تلت سقوط الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة ورجالاته بعد الحراك الشعبي عن حجم هائل من الفساد قُدر بمليارات الدولارات، إلا أن قضية الديوان الوطني للحبوب التي لم يكتمل التحقيق فيها بعد، تعدّ الأكثر إثارة حتى الآن؛ نظراً للمبلغ الأوليّ الضخم الذي تم الكشف عن خسارته بسبب فساد مسؤولي هذه المؤسسة.

عمر هارون، الأستاذ بكلية الاقتصاد، يرى أن "الفساد الذي استشرى في عروق الدولة هو الذي عجّل برحيل النظام السابق، خاصة بعد عجزه عن تقديم حياة كريمة للمواطن الجزائري، الذي من بين الأسباب التي جعلته يخرج في حراكه كان المطالب الاجتماعية؛ نظراً لتفاوت الفرص الموجودة في الجزائر، واللاعدالة في التنمية الداخلية، وضعف تقدير الكفاءات، والتوجّه نحو المسارات المدمرة للاقتصاد الوطني والبنية الاجتماعية السليمة للجزائر".

يقول هارون لـ"عربي بوست" إنه "قبل قضية القمح كان هناك تفجير لقضايا كبيرة من الفساد على غرار قضيتي خليفة، وعاشور بن عبدالرحمن، ثم ما اصطلح على تسميته قضايا سونطراك 1 و2، لتأتي قضية بيع الوزير الأول السابق أحمد أويحيى للذهب الذي حصل عليه كهدايا في السوق السوداء، وبعدها قضية مصفاة يوغرتينا بصقلية، ليكون ختامها قضية الإطارات في ديوان الحبوب التي لا تزال التحقيقات جارية فيها، وقد كبدت الجزائر خسائر بمليارات الدولارات".

ويضيف هارون أن "الجزائر في هذه المرحلة تشهد ما يشبه إعادة بناء دولة من الأساس، وهناك إرادة سياسية حقيقية في المرحلة الحالية من عبدالمجيد تبون لإضفاء شفافية كبيرة على القضايا المثارة البلاد، خاصة بعد توجهه نحو منح الحرية للقضاء وإعادة انتخاب المجالس الوطنية والمحلية التي تملك صلاحيات واسعة للرقابة، يضاف إلى ذلك منح الحرية لمجلس المحاسبة والهيئة الوطنية للوقاية من الفساد ومكافحته".

من جهته، اعتبر الصحفي المهتم بالشأن الاقتصادي مولود صياد قضية ديوان الحبوب قضية عادية بالنظر إلى قضايا الفساد التي ستكشف خلال السنوات القادمة.

ويعتقد صياد، وهو يتحدث لـ"عربي بوست"، أن "الفساد في مختلف مؤسسات الدولة الجزائرية أصبح علامة مسجلة باسم المسؤولين الجزائريين، فالفترة التي حكم فيها بوتفليقة، والمعروفة في الجزائر بفترة اللاحساب واللاعقاب، أنتجت لنا قضايا فساد ضخمة اليوم، ومن بينها قضية الديوان الوطني للحبوب، هذه القضية قد يستغربها الجزائريون، لكن نحن كمتابعين للشأن العام جيداً نراها عادية، بل نتوقع أن تكشف قضايا أضخم من هذه".

تحميل المزيد