تشير مصادر "عربي بوست" المقربة من رئاسة الجمهورية إلى أن "الرئيس قيس سعيد يتجه للطعن في التعديلات التي أقرها البرلمان بخصوص قانون المحكمة الدستورية في تونس".
التعديلات التي صادق عليها البرلمان التونسي شملت 3 فصول في القانون الأساسي للمحكمة الدستورية، وذلك في محاولة منه للتسريع في إقرارها وسط أزمة سياسية حادة بين الحزام البرلماني الداعم للحكومة، ورئيس الجمهورية قيس سعيد الرافض للتعديل الوزاري الأخير.
تعديلات مثيرة للجدل
بعد سنوات من الفشل في انتخاب أعضاء المحكمة الدستورية أجرى البرلمان التونسي منذ أيام تعديلات لإتمام القانون الأساسي للمحكمة الدستورية.
وشملت التعديلات مبدأ الترشح الحر لأعضاء المحكمة عوضاً عن تزكيتهم من أحزاب أو كتل برلمانية، وكذلك النزول بالأغلبية المعززة المطلوبة لانتخاب الأعضاء من الثلثين (145 صوتاً) إلى ثلاثة أخماس الأعضاء (131 صوتاً)، بالإضافة إلى إلغاء شرط التتابع في انتخاب أعضاء المحكمة وتعيينهم (كان القانون يفرض أن ينتظر رئيس الجمهورية انتخاب 4 أعضاء في البرلمان لتعيين الأعضاء الذين يرشحهم).
وتتكون المحكمة الدستورية من 12 عضواً، يُعين رئيس الجمهورية والمجلس الأعلى القضاء 8 أعضاء منهم (4 أعضاء لكل منهما) وينتخب البرلمان الأربعة أعضاء المتبقين.
قانون المحكمة الدستورية في تونس
تختص المحكمة الدستورية في تونس أساساً بمراقبة دستورية تعديل الدستور، والمعاهدات إلى جانب مراقبة دستورية مشاريع القوانين، ومراقبة دستورية النظام الداخلي لمجلس نواب الشعب.
كما تختص المحكمة بمهامّ أخرى، وهي إعفاء رئيس الجمهورية، وإقرار شغور منصب الرئيس، والنظر في النزاعات المتعلقة باختصاص كل من رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة.
لكن التسريع في إجراء هذه التعديلات في محاولة لتركيز المحكمة الدستورية في أقرب الآجال، فتح باب الجدل حول النوايا والأهداف الحقيقية من وراء هذه الخطوة.
وفي هذا السياق، يؤكد النائب عن حركة الشعب ونائب رئيس الكتلة الديمقراطية عبدالرزاق عويدات أن "المحكمة الدستورية آلية من آليات الممارسة الديمقراطية"، لكنه شدد على تحفظه على النزول بالأغلبية المطلوبة لتعيين المحكمة الدستورية إلى 131 صوتاً، لأنه سيتيح للكتل الكبرى في البرلمان التوافق على تمرير مرشحيها إلى المحكمة، وهو ما يضرب مبدأ الحياد وفق تفكيره.
ولم يخفِ عويدات في حديثه مع "عربي بوست" أن "تكون لهذه الخطوة علاقة بالصراع بين الحزام البرلماني الداعم للحكومة مع رئيس الجمهورية قائلاً: "من عطلوا تركيز المحكمة الدستورية طيلة سنوات ومن بينهم حركة النهضة، حريصون اليوم على انتخاب أعضائها والهدف واضح: سحب صلاحية تفسير وتأويل الدستور من رئيس الجمهورية".
وكان رئيس الجمهورية قيس سعيد قد لجأ إلى تأويله للدستور في غياب المحكمة الدستورية لرفض التعديل الوزاري الذي أجراه رئيس الحكومة هشام المشيشي في شهر يناير/كانون الثاني الماضي.
هل يعزل البرلمان قيس سعيّد؟
أثارت التعديلات على القانون الأساسي للمحكمة الدستورية كثيراً من الجدل، خاصة فيما يتعلق بإمكانية استغلالها لعزل الرئيس قيس سعيد في ظل صراعه المحتدم مع البرلمان والحكومة.
هذا الاتجاه يؤكده المحلل السياسي مختار كمون الذي أوضح أنه "لا يمكن فصل تسريع الأغلبية البرلمانية الحالية بإرساء المحكمة الدستورية عن الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد، وذلك منذ امتناع الرئيس عن قبول التعديل الوزاري لحكومة المشيشي".
وأضاف المتحدث في تصريح لـ"عربي بوست" أن "حزب النهضة وحلفاءه من بقايا حزبي نداء تونس وتحيا تونس كانت لهم الأغلبية اللازمة في الولاية الحكومية الماضية لإرساء المحكمة الدستورية لكنهم لم يفعلوا؛ لأنها لم تكن من أولوياتهم".
وأشار المتحدث إلى أن "عقل الدولة العميق أوعز لهم بضرورة إرساء المحكمة الدستورية، فهي الوحيدة القادرة على كف يد الرئيس عنهم، إما بسحب صلاحية تأويل الدستور التي يحتكرها الآن أو بعزله. والعزل أقرب إلى قلوب مكونات التحالف البرلماني، وقد عبَّر عنه صراحة وفي أكثر من مرة نواب من قلب تونس وائتلاف الكرامة والكتلة الوطنية".
لكن عزل رئيس الجمهورية ليس بالأمر الهين، إذ يستوجب وفق الدستور إثبات أن الرئيس قد خرق الدستور، وينص على ذلك الفصل 88، والذي يقول إنه "يمكن لأغلبية أعضاء مجلس نواب الشعب المبادرة بلائحة معلّلة لإعفاء رئيس الجمهورية من أجل الخرق الجسيم للدستور، ويوافق عليها المجلس بأغلبية الثلثين من أعضائه".
هل يرفع الرئيس الفيتو؟
وفيما لا يزال موقف رئيس الجمهورية قيس سعيّد من هذه التعديلات مبهماً تشير مصادر "عربي بوست" إلى أن "رئيس الجمهورية يتجه إلى رفع الفيتو ضد هذه التعديلات".
وتشير ذات المصادر إلى أن "رئيس الجمهورية قيس سعيد أكد عند لقائه بمجموعة من أساتذة القانون الدستوري منذ أيام عن رفضه لإلغاء مبدأ التناصف في عضوية المحكمة الدستورية، وهو المبدأ الذي يفرض تعليم نصف أعضاء المحكمة من النساء".
وكان رئيس الجمهورية قد برر رفضه للتعديل الوزاري الأخير بعدد من الاختلالات التي ارتكبها رئيس الحكومة ومن بينها تجاوز مبدأ التناصف والمساواة بين المرأة والرجل الذي أقره الدستور التونسي.
ولا يزال أمام رئيس الجمهورية سوى ساعات من هذا اليوم فقط إما لإعادة القانون الأساسي للمحكمة الدستورية إلى البرلمان لإعادة قراءته قراءة ثانية أو للطعن فيه.
وفي هذا السياق، أوضح المحلل السياسي مختار كمون في حديثه مع "عربي بوست أن "إرجاع الرئيس للتعديلات التي أجراه البرلمان على قانون المحكمة الدستورية لقراءة ثانية لن يحل المشكل، لأن إرجاع التعديلات سيتطلب 131 نائباً لتمريره وهذا العدد موجود في الكتلة الكبيرة المناهضة للرئيس، والتي ظهرت في التصويت على التحوير الوزاري (قرابة 140 نائباً)".
وأضاف المتحدث أن "ماذا سيفعل الرئيس قيس سعيد سؤال تصعب الإجابة عليه، لكني أعتقد أنه لن يعيد القانون لقراءة ثانية لعلمه أنه سيمر في كل الأحوال، لذلك بقي لديه حل وحيد هو الطعن في دستورية التنقيح عند الهيئة الوقتية لمراقبة دستورية القوانين".