فصل جديدة من فصول الأزمة الصامتة بين الجزائر والإمارات، طفا على السطح مؤخراً بسبب رفض أبوظبي تسليم مسؤول جزائري سابق، واشترطت مقابل ذلك مراجعة عبدالمجيد تبون علاقاته الخارجية، خاصة فيما يتعلق بتركيا.
إذ أعلنت وسائل إعلام جزائرية وأجنبية مؤخراً خبر توقيف المطلوب الأول للحكومة الجزائرية، المدير الأسبق لشركة سوناطراك النفطية (مملوكة للدولة) عبدالمؤمن ولد قدور، بمطار دبي لتسليمه إلى العدالة، دون تأكيدات رسمية من كلا البلدين.
إلى هنا يبدو الخبر عادياً، لكن تأكيد صحيفة الوطن المقربة من الدوائر الأمنية في الجزائر خبر توقيف ولد قدور قبل أسبوع، وعدم تسليمه لحد الساعة إلى الجزائر، يعيد فتح ملف توتر العلاقات بينها وبين أبوظبي.
هل ابتزّت أبوظبي الجزائر؟
منذ إعلان خبر توقيف عبدالمؤمن ولد قدور بمطار دبي متوجهاً إلى سلطنة عمان قادماً من العاصمة الفرنسية باريس، والعدالة الجزائرية تنتظر من نظيرتها في الإمارات مباشرة الإجراءات القانونية لتسليمه لها باعتبارها كانت قد أصدرت مذكرة توقيف في حقه قبل أسابيع لتورّطه في قضايا فساد ضخمة، لكن ذلك لم يحدث.
تماطل أبوظبي وتحجُّجها بعدم قدرتها على تسليم ولد قدور لأنه دخلها بجواز سفر فرنسي وليس جزائرياً، حسب ما أوردته صحيفة جون إندبندنت الناطقة باللغة الفرنسية يوم الإثنين الماضي نقلاً عن مسؤول إماراتي كبير لم تكشف عن هويته، يؤكد أن "الإمارات فاوضت الجزائر وربما حاولت ابتزازها مقابل تسليم مدير سوناطراك الأسبق".
ويرى المحلل السياسي بن حمو أن "الكثير من الدول تستعمل ملفات للضغط على دول أخرى من أجل تحقيق مصالحها، ولا يستبعد أن تكون أبوظبي استعملت ملف ولد قدور لمفاوضة أو ابتزاز الجزائر".
من جهته يقول الصحافي المهتم بالشأن الدولي رضا شنوف، إن "العلاقات الجزائرية الإماراتية لم تعد متوترة كما كانت بحيث تجاوز البلدان خلافاتهما بدليل زيارة وفد جزائري مؤخراً أبوظبي".
كما يعتقد المتحدث، أنه "لا يمكن تجاوز الاتفاقيات بين البلدين وإذا ما توافرت شروط التسليم فستقوم أبوظبي بتسليم ولد قدور دون مشاكل".
لماذا تُطالب الجزائر بولد قدور؟
لن نبالغ في حال وصْف عبدالمؤمن ولد قدور، بأنه أهم مطلوب بالنسبة للحكومة الجزائرية حالياً، رغم أنها أصدرت مؤخراً عدة مذكرات توقيفٍ دولية في حق نشطاء سياسيين ومسؤولين سابقين لديها.
وتكمن أهمية ولد قدور في المنصب الحساس الذي كان يشغله كمدير عام لشركة سوناطراك بآخر سنتين في حكم الرئيس السابق عبدالعزيز بوتفليقة.
وأُثير الكثير من الجدل حول تعيينه في شهر آذار/مارس 2017 على رأس أهم وأكبر شركة في البلاد وعصبها الاقتصادي، لا سيما أن ولد قدور كان قد قضى سنتين نافذةً في السجن العسكري سنة 2007، بعد ثبوت تجسّسه عن طريق تسريب وثائق سرية لجهات أمريكية.
وتتّهم العدالة الجزائرية حالياً عبدالمؤمن ولد قدور بعدة تهم، أبرزها تلك التي تتعلّق بصفقة شراء مصفاة النفط أوغيستا بصقلية الإيطالية التي قامت سوناطراك بشرائها بالشراكة مع إيكسون موبيل بقيمة 1 مليار دولار.
كما يُتابع ولد قدور في الملف رقم "0031/ 20" المتعلق بشركة "بي.آر.سي"، حيث وجّهت له تهم إبرام صفقات مخالفة للأحكام التشريعية والتنظيمية واختلاس وتبديد أموال عمومية والاستعمال غير الشرعي لأموال عمومية وخاصة لصالح الغير، والاستفادة من سلطة وتأثير أعوان هيئات للزيادة في الأسعار والاستفادة غير المبررة من إعفاءات وتخفيضات في الضرائب والرسوم.
يقول المحلل السياسي فاتح بن حمو إن أهمية ولد قدور للجزائر "تكمن في تقلّده منصباً هاماً مثل منصب المدير العام لشركة سوناطراك التي تعتبر عصب الاقتصاد الجزائري" .
ويعتقد بن حمو في تصريح لـ"عربي بوست" أن "ولد قدور يملك الكثير من الأسرار التي قد تشكّل ملف ابتزاز للدول التي يقيم فيها أو يتردد عليها على غرار الإمارات العربية المتحدة" .
ويرى الصحافي المهتم بالشأن الدولي رضا شنوف أن أهمية ولد قدور "تكمن في حجم قضايا الفساد المتهم بها خاصة فيما يتعلق بقضية مصفاة أوغوستا التي كبدت الجزائر خسائر كبيرة منذ اليوم الأول لإتمام الصفقة".
ماذا تريد الإمارات من الجزائر؟
كانت "عربي بوست" قد كشفت مؤخراً في خبر حصري، رفض الجزائر تسلُّم هبة إماراتية من لقاحات كورونا كما رفضت مساعدات مالية عرضتها أبوظبي لإنعاش الاقتصاد الجزائري المنهك جراء جائحة كورونا وانهيار أسعار النفط.
وتحاول الإمارات منذ مغادرة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب البيت الأبيض إعادة ترتيب أوراقها في المنطقة، والجزائر من بين الدول التي تسعى الإمارات لإعادة دفع علاقتها معها بعد توترها بسبب عدة ملفات أبرزها ملف التطبيع والتقارب مع تركيا ورفض تدخلها في ليبيا.
وتسعى الإمارات من خلال التودّد للجزائر أحياناً وابتزازها أحياناً أخرى بإعادة العلاقات التي كانت جيدة بين البلدين قبل اندلاع الحراك الشعبي في 22 فبراير 2019.
وتريد أبوظبي من الجزائر فك ارتباطها مع تركيا وعدم الخروج على ما يسمى بالصف العربي الذي تقوده رفقة السعودية ومصر.
كما لا تنظر الإمارات بعين الرضا لمهاجمة الجزائر للتطبيع والمطبعين باعتبارها عرّابته الأولى، وأبدت غضبها حسبما أورده موقع مغرب إنتلجنس الفرنسي، إذ هدّدت وقتها بسحب استثماراتها من الجزائر واستهداف مصالحها الخارجية، وفعلا قامت بفتح سفارة في مدينة العيون وحثّت دولاً أخرى عربية على ذلك، نكاية في الجزائر التي تدعم جبهة البوليساريو الساعية للاستقلال بالصحراء عن المغرب.
وكشف مصدر "لعربي بوست" أن الإمارات والسعودية حاولتا مراراً مع الجزائر لدعم حربهما على اليمن لكن الجزائر أصرت على موقفها المتمثّل في عدم التدخل في شؤون الدول الخارجية مع تنديدها من الحين إلى الآخر بالهجمات الحوثية التي تستهدف مكة والمدينة المنورة".