تسود الشارع الفلسطيني حالة من القلق حول إمكانية تأجيل الانتخابات الفلسطينية، وذلك بعد تصريحات عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبومرزوق، رئيس دائرة علاقاتها الدولية، التي قال فيها إن حماس تُقدر أن احتمالية إعلان الرئيس الفلسطيني محمود عباس التأجيل تصل إلى 40%.
تصريحات أبومرزوق حول إمكانية تأجيل الانتخابات الفلسطينية فتحت الباب أمام سيناريوهات محتملة للحالة السياسية الفلسطينية في حال أصيبت بانتكاسة جديدة على الصعيد السياسي، تحديداً في هذا الظرف الإقليمي المعقد.
وجاء حديث أبومرزوق على هامش لقاء خاص عقده مع نخبة من الصحفيين الفلسطينيين الجمعة 26 مارس/آذار 2021 على تطبيق (Clubhouse) للتواصل الصوتي.
تأجيل الانتخابات الفلسطينية
تطرق القيادي في حماس في حديثه إلى أسباب تأجيل الانتخابات الفلسطينية، والتي تنحصر في أربع عوامل وهي: عدم تشكيل الفريق الأمريكي الخاص بالمنطقة، موقف إسرائيل وتدخلها في الانتخابات، انقسامات فتح الداخلية، مشاركة المقدسيين في الانتخابات ترشيحا وتصويتاً.
أبومرزوق قدم في شرح عوامل تعطيل الانتخابات العامل الخارجي، خاصة إمكانية توافر الموافقة الأمريكية، والتدخل الإسرائيلي، باعتبارهما عاملين معطلين بنسبة أكبر من العوامل الداخلية، وهي انقسامات فتح الداخلية، واحتمالية مشاركة المقدسيين في الانتخابات، مما يشير إلى حجم الضغط الخارجي الممارس على القيادة الفلسطينية والفصائل لإعادة النظر في مسألة الانتخابات.
وفي الحديث عن العوامل الخارجية يطفو على السطح مسألة مشاركة حماس في هذه الانتخابات، التي لا تخفي رغبتها بأن تكون الانتخابات سبباً في إيجاد قبول دولي لها من خلال الدخول في المنظومة السياسية الفلسطينية بكافة مركباتها: الحكومة، المجلس التشريعي، منظمة التحرير.
عصام حماد رئيس قائمة "الوفاء والبناء" المنافسة في الانتخابات الفلسطينية القادمة قال لـ"عربي بوست" إن "المتتبع للحالة السياسية، يرى أن الجو العام يشير إلى إمكانية تأجيل الانتخابات الفلسطينية".
وأضاف المتحدث أنه "من مؤشرات وجود إمكانية تأجيل الانتخابات الفلسطينية تأخير الفصائل الفلسطينية في تسجيل قوائمها للانتخابات، فالوقت المتبقي لإنهاء ملف قوائم الانتخابات هو أقل من 72 ساعة، وعدد القوائم المسجلة لم يتعدّ خمس قوائم فقط، منها قائمة واحدة للفصائل، و4 محسوبة على قوى المستقلين".
وأضاف المتحدث أن "هنالك حالة من التفاؤل لدى الأوساط السياسية لأوسع مشاركة في هذه الانتخابات، إذ كانت التقديرات تشير إلى إمكانية منافسة 40 قائمة في هذه الانتخابات، ولكن الأمر انحصر فقط في عدة قوائم للمستقلين، إضافة إلى مشاركة القوى السياسية الرئيسية كحركة حماس وفتح والتيار الإصلاحي، ولم يتم الحسم في قضية مشاركة قوى اليسار".
أزمة داخلية
وعلى الصعيد الداخلي، لا تزال الفصائل الفلسطينية في حالة من عدم الجاهزية لإجراء الانتخابات، فقوى اليسار الفلسطيني بمركباتها الخمسة (الجبهتين الشعبية والديموقراطية وحزب الشعب وفدا، والمبادرة الوطنية) فشلت في الاتفاق على برنامج سياسي للدخول في قائمة مشتركة لمنافسة حماس وفتح في هذه الانتخابات.
على صعيد آخر، شهدت هذه الفصائل موجة من الاستقالات في صفوف قياداتها اعتراضاً على اختيار أسماء المرشحين لقوائمها، حيث يشكل اليسار الفلسطيني وفقا للكثير من التقديرات نحو 15% من أصوات الجمهور الفلسطيني.
عاطف عدوان النائب السابق في المجلس التشريعي عن حماس قال لـ"عربي بوست" إن "الحركة حاولت من خلال المحطات السابقة للحوار الفلسطيني الثنائي مع فتح، تذليل كافة العقبات على طريق إتمام المصالحة، كمقدمة للوصول لنقطة إجراء الانتخابات، لكن قلق الحركة وتشاؤمها بإمكانية إجراء الانتخابات من عدمها مبنية على تجارب سابقة خاضتها مع الرئيس الفلسطيني محمود عباس الذي دائماً ما ينصاع للضغوط الخارجية، وتحديداً الأمريكية والإسرائيلية".
وأضاف المتحدث أن "حماس أرسلت الكثير من الإشارات لحركة فتح بضرورة تجاوز الخلافات الثنائية، حتى إجراء الانتخابات الفلسطينية، وحماس ليست بصدد احتكار القرار السياسي، حتى لو حصلت على أغلبية برلمانية، وستسعى لتشكيل حكومة وحدة وطنية تشارك بها أكبر عدد ممكن من مكونات الشعب الفلسطيني، بعيداً عن حالة التفرد بالقرار السياسي".
انقسام فتح
حركة فتح التي تشهد تصدعاً داخلياً، تبدو أكثر الفصائل المعنية بتأجيل هذه الانتخابات إلى حين ترتيب البيت الفتحاوي، خصوصاً بعد أن أصدرت اللجنة المركزية قراراً بفصل ناصر القدوة (ابن شقيقة الرئيس الفلسطيني السابق ياسر عرفات) من عضويتها احتجاجاً على اعتزامه الدخول في قائمة منافسة لقائمتها.
أيضاً تواجه فتح حالة من السخط الشعبي في الضفة الغربية التي تسيطر عليها، بعد فشل حكومة محمد اشتية في إدارة أزمة كورونا، واتهامها من قبل الأوساط الرقابية ومؤسسات المجتمع المدني بشبهات فساد في عمليات توزيع اللقاحات المخصصة للجائحة.
كما تُواجه الحركة أزمة في دخول منافسها التقليدي محمد دحلان كمرشح قوي أمام الرئيس عباس في الانتخابات الرئاسية، وقائمة تياره لخوض الانتخابات التشريعية، وترجح بعض استطلاعات الرأي أن قائمته قد تكسب 10-15% من مقاعد المجلس التشريعي، وهي من أصوات قواعد فتح في قطاع غزة.
عبدالله عبدالله نائب مفوض العلاقات الدولية لحركة فتح، قال لـ"عربي بوست" إن "مسألة تأجيل الانتخابات الفلسطينية لا تبدو واردة بالمطلق لدى الرئيس عباس، فهنالك إجماع لدى قواعد ومؤسسات الحركة بضرورة إنهاء هذا الملف وفق الجدول الزمني المقرر له".
وأضاف المتحدث أن "مسألة التدخل الإسرائيلي والأمريكي في قرار الانتخابات لم تتوقف، وهنالك ضغط سياسي تقوده هاتان الدولتان للدفع بتأجيل الانتخابات، والضغط لإقصاء بعض الأطراف كحركة حماس من المشاركة فيها، ولكن هذا الضغط نواجهه بتحدّ وإجماع مع باقي الفصائل الفلسطينية بضرورة تجاوز كل العقبات وصولاً إلى نقطة إجراء الانتخابات".
أما مسألة الانقسام الفتحاوي فأشار المتحدث لـ"عربي بوست" أن "الحركة تواجه هذه التحديات وفق الرؤية التي تراها مناسبة، نحن لسنا بصدد مواجهة قواعد الحركة التنظيمية، فمن يحق له الترشح وفق القانون كدحلان والقدوة، وحتى مروان البرغوثي لن نقف في طريقه".
هاني المصري مدير المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الاستراتيجية – مسارات، قال لـ"عربي بوست" إن "مسألة تأجيل الانتخابات الفلسطينية وإمكانية الدفع نحو إلغائها، خيار وارد، فالضغط الخارجي الذي يمارس على القيادة الفلسطينية قد يدفعها لإعادة النظر فيها".
وأضاف المتحدث أن "الموقف الأمريكي في عهد بايدن لم يتضح بعد، ولا يمكن للسلطة الفلسطينية أن تخوض مغامرة ليست محسوبة المخاطر، ففي حال فازت حماس في الانتخابات قد تضطر السلطة لعدم الاعتراف بالنتائج منعاً للصدام مع الإدارتين الأمريكية والإسرائيلية".
وأشار المتحدث إلى أنه هناك "ضغط داخلي لا يقل خطورة عن العامل الخارجي، وهي الانشقاقات في صفوف كوادر فتح، التي تخشى من تشتت أصواتها لصالح خصومها حماس ودحلان، مما قد يدفع لإعادة النظر في مسألة استكمال الانتخابات الرئاسية والمجلس الوطني، والاكتفاء بالانتخابات التشريعية".