فوضى أمنية وتكتيم إعلامي هو عنوان المرحلة الحالية في مدينة بنغازي وضواحيها، فمنذ انتخاب المجلس الرئاسي الجديد والحكومة المنبثقة عنه شهدت المدينة حالة فوضى مشابهة بشكل كبير لما كانت عليه قبل ستة أعوام، مشهد غريب في مدينة تخضع لسيطرة خليفة حفتر وأبنائه وكتائبهم.
دفع مؤخراً وبشكل غير مألوف، أعيان وشباب من قبائل إقليم برقة شرقي ليبيا، ميليشيات خليفة حفتر، إلى الانسحاب من مدينة بنغازي، والكشف عن مصير المختطفين، وحملوها مسؤولية تردي الأوضاع الأمنية.
ومنذ بيان أعيان وشباب قبيلة العواقير ببنغازي، في 11 مارس/آذار الجاري، المنددة بتدهور الأمن في المدينة، تتالت اجتماعات وبيانات أعيان قبائل برقة، الموالية لحفتر، أنها ضاقت ذرعاً بممارسات ميليشياته، بحسب وسائل إعلام محلية.
هذه الأحداث الأمنية المتصاعدة جعلت المكونات الاجتماعية ببنغازي خاصة وببرقة عامة تطالب بإطلاق سراح المعتقلين والكشف عن المفقودين والسجون السرية ومعاقبة الخاطفين والتحقيق في الأعمال الإرهابية التي تشهدها المدينة والتحقيق في مقتل الناشطة الحقوقية حنان البرعصي وتفجير عمدة قبيلة العواقير ابريك اللواطي.
فك ارتباط قبائل برقة بحفتر
ويرى المحلل السياسي عمر التهامي أن حالة الانفلات الأمني المتصاعدة هي انعكاس لتسليم واستلام الوزارات بين الحكومة المؤقتة وحكومة الوحدة الوطنية من جهة، وعدم الالتفات للحالة الأمنية المزرية التي تشهدها بنغازي من قبل الحكومتين من جهة أخرى ما يوحي باستمرار بقاء حفتر بالمنطقة رغم انتهاء دوره السياسي والعسكري بعد وجود السلطة الجديدة.
وأضاف التهامي العربي بوست أن سلسلة الاجتماعات التي قامت بها قبيلة العواقير وبعض القبائل التي تقطن مدينة بنغازي جاءت بعد تغيير مكان انعقاد جلسة مجلس النواب من بنغازي لـطبرق بحجة انعدام الأمن فيها وسيطرة مليشيات لا تخضع للسلطة العسكرية التي يرأسها خليفة حفتر.
مشيراً أن قبيلة العواقير تفطنت أن المنطقة الشرقية التي تخضع لسيطرة عقيلة صالح والممتدة من الحدود الليبية المصرية حتى منطقة القبة -300 كم شرق مدينة بنغازي- تخضع للسلطة الجديدة بينما المنطقة الممتدة من منطقة المرج -100 كم شرق مدينة بنغازي- حتى مدينة أجدابيا -160 كم غرب مدينة بنغازي- أصبحت منطقة معزولة عن الدولة الجديدة تخضع لسيطرة حفتر وأبنائه فقط.
واعتبر التهامي أن بيانات المكونات الاجتماعية وغيرها من بيانات القبائل الأخرى هي بمثابة فك ارتباط الحاضنة الشعبية ببرقة عن خليفة حفتر ورغبتها في الاندماج مع الدولة ومحاسبة المجرمين وإعادة الإعمار والمصالحة والانخراط في العمل السياسي بعيداً عن السلاح.
وتابع التهامي أن ما نشاهده اليوم في عمليات تصفية طالت شخصيات بارزة وقيادية عسكرية ومدينة أبرزها مقتل محمود الورفلي القيادي العسكري البارز في القوات الخاصة التابعة لحفتر والمطلوب لمحكمة الجنايات الدولية ومن ثم إعلان القبض على مشتبه بهم في مقتله من بينهم قيادي بارز تابع للورفلي يدعى "محمد العوامي" وابنة المغدورة حنان البرعصي "حنين العبدلي"، ما هو إلا بداية إغلاق كافة الملفات التي قد تدين خليفة حفتر وأبناءه بتهم جرائم الحرب وتهيئ الرأي العام في المنطقة الشرقية أن حفتر وأبناءه هم المنقذ الوحيد لليبيا من الإرهاب.
ويبقى السؤال الأبرز، هل ستوفي الحكومة الجديدة بدعم الأمم المتحدة كما وعدت بإنهاء الانقسام في ليبيا وبسط سيطرة الدولة على كامل التراب الليبي وإنهاء حالة التمرد أم ستظل تلك الوعود مجرد حبر على الورق؟
الهيئة البرقاوية تطالب بتوضيح دور حفتر وإنقاذ بنغازي من ميليشياته
وكانت بيانات الهيئة البرقاوية تطالب المجلس الرئاسي الجديد وحكومة الوحدة الوطنية بإنقاذ مدينة بنغازي التي وصفتها بالمخطوفة، من عبث ميليشيات حفتر وإعادتها إلى حضن الوطن، وتوضيح دور حفتر وموقعه في الحكومة في ظل توحيد المؤسسات.
وقالت الهيئة في بيان أصدرته 23 مارس 2021، إنها تنتظر موقفاً شجاعاً وواضحاً لحماية المدنيين العزل المهددين من بطش عصابة حفتر، وطمأنة أهالي المعتقلين والمغيبين في سجونها السرية.
وأكدت في البيان نفسه، رفضها التام لكافة أشكال العنف والإرهاب تحت أي اسم أو ذريعة، مطالبة كافة الجهات ذات العلاقة بتحمل مسؤولياتها تجاه أمن الوطن والمواطن.
ونوهت إلى أنها ما فتئت ترفض منذ تأسيسها للممارسات القمعية وللحرب والهجوم الغاشم الذي قام به حفتر على مدينة طرابلس، قائلة إن الأوان قد حان لمحاسبة ميلشياته، خاصة بعد الصحوة الكبيرة في إقليم برقة والبيانات التي صدرت ضد ميليشيات حفتر الذين هددوا مدينة بنغازي وروعوا سكانها بالدخول للمساكن دون مراعاة لحرمة قاطنيها، وكذلك انتشار الجثث بين حين وآخر في أماكن متفرقة، بحسب نص البيان.
دعوة للكشف عن السجون السرية ومعرفة مصير جميع المختطفين
دعت المكونات الاجتماعية والمدنية والسياسية في إقليم برقة، إلى إطلاق سراح المعتقلين الذين لم تثبت عليهم أي إدانة، والكشف عن السجون السرية في ليبيا وبرقة خاصة، ومعرفة مصير جميع المختطفين، ومعاقبة من أمر بالخطف أو قام به.
ودعا البيان أيضاً إلى عدم تحرك أي مركبة عسكرية أو أمنية لا تحمل الشعار الدال على تبعيتها، أو معتمة الزجاج، والإيعاز للأجهزة الأمنية بتأمين مدينة بنغازي، وفتح تحقيق ومعاقبة من قاموا بسلب أرزاق الناس والاعتداء على الحرمات.
وأكد على ضرورة فتح تحقيق في الأعمال الإرهابية التي هزت الشارع في بنغازي وبرقة عامة، وعلى رأسها تفجير ابريك اللواطي ومحمود موسى العمروني والاعتداء على المهندس سعيد مفتاح العمروني داخل مؤسسة النفط، واغتيال النشطاء والحقوقيين أحمد الكوافي والناشطة حنان البرعصي والاعتداء على النساء الآمنات في بيوتهن.
وطالب البيان بإجراء مصالحة وطنية شاملة وعودة المهجرين في الداخل والخارج، ودعوة رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد دبيبة لزيارة مدينة بنغازي وباقي مدن برقة، إضافة إلى مطالبة رئيس مجلس النواب ورئيس المجلس الرئاسي بسرعة توحيد المؤسسات وانتخاب المناصب السيادية.