أثار مشروع قانون المحكمة الاتحادية العليا في العراق الكثير من ردود الأفعال الغاضبة في الآونة الأخيرة، خاصة أن البرلمان العراقي يناقش مشروع قانون إدراج فقهاء ورجال دين مسلمين ضمن الهيئة القضائية للمحكمة الاتحادية العليا.
إشراك الفقهاء أمر دستوري
خلال الأسابيع القليلة الماضية، اختلفت الكتل البرلمانية في البرلمان العراقي، حول مشروع قانون ينص على إدراج رجال الدين في المحكمة الاتحادية العليا، مما عطل إقرار قانون المحكمة الاتحادية، وبالتالي سيعطل إقامة الانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها في شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم، فمن ضمن مهام المحكمة الاتحادية العليا إقرار نتائج الانتخابات البرلمانية.
رأى البعض من معارضي مشروع القانون أن الأمر غير دستوري، ومن شأنه أن يقوِّض الدستور العراقي، الذي ينص على أن المحكمة الاتحادية العليا هي هيئة قضائية مستقلة، مما يعني أنها ليست بحاجة لوجود رجال دين سواء من المذهب السني أو الشيعي.
لكن رئيس اللجنة القانونية في البرلماني العراقي، السيد محمد الغزي، له تفسير آخر، فيقول لـ"عربي بوست": "مشروع القانون ينص على إدراج أربعة من الفقهاء تسميهم الأوقاف السنية والشيعية، وهذا الأمر دستوري وجائز".
بينما يقول أحد نواب الكتلة البرلمانية "العراقية"، بقيادة رجل الدين الشيعي، والسياسي الشهير، عمار الحكيم، إن الأمر مجرد إضاعة للوقت لعدم إقامة الانتخابات البرلمانية في وقتها المحدد.
يقول النائب البرلماني، لـ"عربي بوست"، شريطة عدم الكشف عن هويته: "مشروع القانون الخاص بإدراج رجال الدين في المحكمة الاتحادية العليا، أدى لزيادة الانقسامات الطائفية بين العراقيين، وغير دستوري، وكل من يقول غير ذلك، له أغراض أخرى".
كتلة فتح هي التي تقف وراء الأمر
في بداية شهر مارس/آذار الجاري، استطاع نواب البرلمان العراقي التصويت على 18 مادة من أصل 24 في تعديل قانون المحكمة الاتحادية، لكن أصاب الجمود التصويت على المادتين الثانية والثالثة، اللتين تقرران حسم أمر إدراج رجال الدين أو فقهاء الشريعة ضمن هيئة المحكمة الاتحادية.
انقسمت الكتل البرلمانية حول هاتين المادتين، لكن كتلة فتح بقيادة هادي العامري، والمقربة من إيران، والتي تعتبر الجناح السياسي للفصائل المسلحة الشيعية العراقية المدعومة من إيران، وكتلة دولة القانون بقيادة رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي، المقرب أيضاً من إيران، هم من يقفون وراء فكرة إدراج فقهاء الشريعة ضمن المحكمة الاتحادية العليا.
يقول النائب عن كتلة فتح، حامد العبودي، في حديثه لـ"عربي بوست": "ينص الدستور العراقي على أن الإسلام، الدين الرسمي للدولة، كما أن هناك بعض المواد الدستورية التي تبيح الاستعانة برجال الدين في تفسير المواد لكي لا تتعارض مع الشريعة الإسلامية".
في المقابل، يجد السيد وائل عبداللطيف، القاضي السابق، أن حجة النائب البرلماني ضعيفة وغير ملزمة، فيقول: "وجود فقهاء الشريعة في المحكمة الاتحادية العليا يتعارض مع مبادئ الديمقراطية، إذا كانوا يريدون تواجد رجال الدين في المحاكم، بإمكانهم الاستعانة بهم في المحاكم الشرعية والمدنية، وليس المحكمة الاتحادية التي هي هيئة قضائية مستقلة إدارياً ومالياً".
الجدير بالذكر أنه منذ نهاية عام 2019 أصبحت المحكمة الاتحادية العليا، غير قادرة على أداء واجباتها، والتصديق على النتائج النهائية للانتخابات البرلمانية، بسبب عدم قدرتها على استيفاء النصاب القانوني اللازم لعقد جلسات المحكمة.
السيطرة السياسية على المحكمة العليا
عارض كل من المكون السني والكردي مشروع القانون الذي بناء عليه سيتم إدراج فقهاء الشريعة ضمن الهيئة القضائية للمحكمة الاتحادية العليا بالعراق، كما أن وقوف الكتل البرلمانية المقربة من إيران، وراء مشروع القانون هذا، والضغط من أجل التصويت عليه، أثار الشكوك لدى البعض.
يقول النائب البرلماني الكردي، سركوت شمس الدين، لـ"عربي بوست": "هناك بعض السياسيين الذين يريدون السيطرة على المحكمة الاتحادية، كما فعلوا في العديد من مؤسسات الدولة الأخرى".
وأضاف السيد شمس الدين أنه بجانب الرغبة في السيطرة على المحكمة الاتحادية العليا من قبل بعض النخب السياسية الشيعية، فإنه تم تهميش الأقليات الدينية الأخرى في مشروع القانون، فيقول: "لم تتم مناقشة إدراج رجال دين مسيحيين لتمثيل الأقلية المسيحية في المحكمة الاتحادية العليا".
ولاية الفقيه
لم يتم انتقاد مشروع القانون السابق ذكره داخل الدوائر السياسية والقضائية فحسب، بل تعرض لانتقاد من قِبل عدد من النشطاء السياسيين الشباب، الذين شاركوا في مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول 2019، واصفين مشروع القانون بأنه تأسيس لمبدأ ولاية الفقيه في العراق، كما هو موجود في الجارة الإيرانية.
يقول كرار منتظر، ناشط سياسي عراقي، وعضو في أحد الأحزاب السياسية الجديدة، لـ"عربي بوست": "نعارض أي تواجد لرجال دين في الهيئات القضائية، العراق بلد ديمقراطي وليس جمهورية إسلامية، وحتى القيادات الدينية العراقية لا تعترف بمبدأ ولاية الفقيه، فلماذا الإصرار من قبل بعض النخب السياسية على إثارة الفتن الطائفية بين العراقيين".
ويشير السيد منتظر إلى أنه إذا تم إقرار مشروع القانون، فكيف سيتم اختيار رجال الدين الأربعة، فيقول: "على أي أساس يتم اختيار الفقهاء، وما هو دورهم داخل المحكمة الاتحادية العليا، من المفترض أنه في حالة وجود أي تعارض بين مواد دستورية والشريعة الإسلامية، يتم اللجوء إلى فقهاء الشريعة لأخذ المشورة فقط، دون تمثيل رسمي لهم في الهيئات القضائية".
تأجيل الانتخابات هو الهدف
سياسي عراقي شيعي بارز تحدث لـ"عربي بوست"، مفضلاً عدم ذكر اسمه، قائلاً إن الهدف من مشروع القانون المذكور سابقاً، تأجيل الانتخابات البرلمانية، فيقول: "القوى السياسية الشيعية المقربة من إيران تشعر أن الانتخابات ستكون خارجة عن سيطرتها، خاصة بعد مظاهرات أكتوبر/تشرين الأول".
يضيف السياسي العراقي قائلاً: "النخب السياسية الشيعية فقدت رأس مالها الاجتماعي، وتخشى أن تخسر معركة الانتخابات القادمة أمام الأحزاب السياسية الشابة الحديثة الظهور، نعم هم يحاولون اقتحام هذه الأحزاب، لكن مازالت المخاوف قائمة، ويريدون تأجيل الانتخابات بشتى الطرق، في محاولة لملمة شتات أنفسهم".
يرى السياسي العراقي، والعضو السابق في حزب الدعوة الإسلامي العراقي، أن إثارة مشروع قانون إدراج فقهاء دينين ضمن المحكمة الاتحادية العليا ما هي إلا خطوة من جانب النخب السياسية الشيعية، لإضاعة الوقت، وعرقلة التصديق على قانون المحكمة الاتحادية العليا، وبالتالي تأجيل الانتخابات البرلمانية حتى مطلع عام 2021.
ويقول لـ"عربي بوست": "تريد القوى السياسية الشيعية على الأخص، كسب المزيد من الوقت، لعقد تحالفات جديدة، لضمان اكتساح الانتخابات القادمة، وهذا الأمر لن يتحقق بإجراء الانتخابات في أكتوبر/تشرين الأول القادم، بل إنهم يسعون إلى تأجيلها إلى العام المقبل، ويعملون على مساومة المكونات الأخرى مثل الأكراد، لضمان عدم معارضة تأجيل الانتخابات مرة أخرى".
انتخابات غير مبكرة
عندما تولى رئيس الوزراء العراقي، مصطفى الكاظمي، منصبه فى شهر مايو/أيار عام 2020، وعد بإجراء انتخابات مبكرة، والتي كانت مطلباً للمتظاهرين في انتفاضة أكتوبر/تشرين الأول 2019. وأعلن أنه سيتم إجراؤها في شهر يونيو/حزيران القادم، لكن تم تأجيلها ليصبح موعدها في شهر أكتوبر/تشرين الأول القادم.
لكن على ما يبدو فإن هناك العديد من القوى السياسية الشيعية، التي تريد أن تجعل الانتخابات البرلمانية في موعدها الطبيعي في شهر مايو/أيار 2022، وتصبح انتخابات غير مبكرة، كما وعد الكاظمي.
أحد نواب كتلة دولة القانون، بزعامة رئيس الوزراء السابق، نوري المالكي، يقول لـ"عربي بوست": "لماذا الإصرار على الانتخابات المبكرة، ولدينا العديد من الأمور العالقة في البرلمان؟ لماذا الاستعجال وإثارة المتاعب، نريد المزيد من الوقت لإقرار قانون الموازنة، والانتهاء من قانون المحكمة الاتحادية، نرى أنه من الأفضل إجراء الانتخابات في موعدها الطبيعي؟".