كشف موقع Business Insider الأمريكي، الأربعاء، 24 مارس/آذار 2021، كيف تسعى مدينة نيوم، التي يعمل ولي العهد السعودي على إنشائها، إلى جمع كميات غير مسبوقة من بيانات المقيمين فيها مستقبلاً، حيث ستتم إدارتها من قبل نظام تشغيل خاص وأجهزة مراقبة على كافة الأصعدة.
يشار إلى أنه في عام 2017، أعلن ولي العهد الأمير محمد بن سلمان أن السعودية ستبني مدينة جديدة من الصفر في الصحاري الشمالية الغربية سيطلق عليها اسم "نيوم" وستكون "مكاناً للحالمين"، مضيفاً أن المدينة التي تبلغ تكلفتها 500 مليار دولار ستُدار بوسائل الذكاء الاصطناعي ويمولها صندوق الثروة السيادي للمملكة.
من جانبه، قال جوزيف برادلي، رئيس قسم التكنولوجيا في "نيوم"، لموقع ZDNet المتخصص في أخبار التكنولوجيا، إنه يريد جمع 90% من البيانات المتاحة من السكان والبنية التحتية الذكية.
كيف يعمل نظام التشغيل "Neos"؟
يقول برادلي إن تنسيق جهود "نيوم" لجمع بيانات العملاء والمقيمين فيها ستقع مسؤوليته على نظام تشغيل يُسمى "نيوز" Neos.
سيكون لكل مقيم في المدينة رقم معرِّف مختلف، وسيضطلع نظام التشغيل "نيوز" بمعالجة البيانات المجموعة عن العميل من أجهزة مراقبة معدل ضربات القلب، والهواتف، وكاميرات التعرف على الوجه، والتفاصيل المصرفية، وآلاف أجهزة الإنترنت المستخدمة في مختلف الأشياء في جميع أنحاء المدينة، وفقاً للخطط التي أوردها موقع ZDNet.
على سبيل المثال، سيعرف نظام التشغيل "نيوز" ما إذا كان العميل قد سقط، وفي حال بقي على الأرض لفترة طويلة، تنطلق طائرات مسيّرة إلى موقع العميل وتطلق خدمات الطوارئ، حسبما ذكر موقع ZDNet.
كما لن تحتاج إلى تسجيل الوصول إلى غرفتك في فنادق المدينة الجديدة عبر الإنترنت أو عبر مكتب معين، حيث يكفي لذلك ماسح بصمات الأصابع على مقبض الباب، حسبما نقله موقع ZDNet.
وقال برادلي للموقع الإخباري: "نيوم ستكون استباقية. يمكن أن تتفاعل وتتخذ إجراءات. وفي النهاية، إنها شخصية" في تعاملاتها مع العميل.
من جانب البعض، فإن هذا التدخل الرقمي الكثيف هو مآل مشؤوم، لكن "نيوم" مهتمة بجذب أولئك الذين يتبنون التكنولوجيا.
وقال برادلي لموقع ZDNet إن سكان المدينة سيكون لديهم الحق في اختيار مقدار البيانات الشخصية التي يرسلونها إلى نظام التشغيل "نيوز"، مضيفاً: "حق الفرد في الخصوصية مكفول، لكن القدرة على استخدام هذه المعلومات مرتبط ارتباطاً مباشراً بقيمة الخدمات التي يتلقونها" استناداً إلى البيانات المجموعة عنهم.
وليس من الواضح ما إذا كانت "نيوم" ستطلب من السكان تسليم الحد الأدنى من البيانات للقيام بالمهام الأساسية.
هل هي "يوتوبيا مريحة" أم كابوس مراقبة؟
من جانبهم، وصف خبراء نظامَ التشغيل "نيوز" بأنه غير عادي، لكنهم أشاروا في الوقت نفسه إلى أن المستوى العميق من التكامل التكنولوجي الذي يطرحه يمكن أن يحول دون انتقال كثيرين إلى هناك، علاوةً على فتحِه الباب أمام إمكانية الاستغلال الشنيع للبيانات الشخصية.
يقول جوناثان ريتشينتال، مؤلف كتاب "المدن الذكية للدمى" Smart Cities for Dummies، لموقع Insider: "تقول نيوم إنه يمكنك الاشتراك وإلغاء الاشتراك، لكن الناس سيكونون متشككين في حقيقة ذلك".
وأضاف: "نسمع الكثير من القصص، حيث يقال إن هناك جهاز استشعار على إشارة المرور لرصد المخالفات، لكن بعد ذلك يتبين أن بها أيضاً كاميرا لا تتوقف" عن الرصد والمراقبة.
وأشار فينسنت موسكو، مؤلف كتاب "المدينة الذكية في عالم رقمي" The Smart City in a Digital World، إلى أن نيوم يجب أن تظهر شفافية كاملة حول البيانات التي يتم جمعها.
يأتي ذلك خاصة مع الاتهامات الموجهة لحكومة المملكة باختراق هواتف الصحفيين والمعارضين والناشطين، وكذلك مؤسس شركة "أمازون" جيف بيزوس.
واسترجع كل من موسكو وريتشينتال حالةَ مشروع المدينة الذكية التي اقترحتها شركة Sidewalk Labs التابعة لشركة جوجل من أجل مدينة تورنتو الكندية في عام 2017، قبل أن يتقرر إلغاء المشروع في عام 2020 بسبب المخاوف التي برزت فيما يتعلق بالمراقبة.
من جانبه، قال علي الشهابي، المحلل الاقتصادي السعودي وعضو المجلس الاستشاري لشركة نيوم، إن كثيراً من البيانات التي تخطط "نيوم" لتسخيرها في خدماتها من المحتمل أن شركات التكنولوجيا تجمعها بالفعل اليوم من عملائها.
وقال الشهابي لموقع Insider في رسالة عبر البريد الإلكتروني: "سيقدر الناس الراحة وما ستُنتجه هذه التكنولوجيا من نهايةٍ للبيروقراطية… ولن يُمانعوا مشاركة بياناتهم الرقمية التي يفترض كثيرون أنها متاحة بالفعل في المجال العام نظراً للخدمات التكنولوجية الأخرى التي يستخدمونها"، مشيراً بذلك إلى الهواتف الذكية والساعات الذكية، على سبيل المثال.
لكن بالنسبة إلى خبراء آخرين، فإن العائق الرئيسي الذي تواجهه "نيوم" ليس القلق بشأن المراقبة.
يقول فيديريكو كوغورولو، الأستاذ المساعد في كلية ترينيتي في دبلن والمتخصص في دراسة النظم البيئية للمدن الذكية، لموقع Insider: "إن التحدي الأبرز يتمثل في إنشاء مجتمع وسط اللامكان، أكثر من جعلِ الناس متقبلين لفكرة مشاركة البيانات الشخصية والبقاء محاطين بالطائرات المسيّرى والروبوتات ووسائل الذكاء الاصطناعي الأخرى".
وتأتي هذه المقابلة التي عقدها برادلي لتعرض لنا أول نظرة ثاقبة للكيفية التي يجري بها العمل في "نيوم" ومع ذلك، فقد رفض مكتب "نيوم" الصحفي التعليقَ على هذه القصة.